الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٥ - الخميس ٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الفيتو الروسي الصيني ودموع التماسيح الغربية





في الأيام الماضية، اقامت امريكا والدول الغربية، وحتى الامم المتحدة نفسها «مناحة» ذرف فيها المسئولون الغربيون سيولا من الدموع حزنا وتنديدا باستخدام روسيا والصين للفيتو في مجلس الامن الدولي لاحباط

بعض كبار المسئولين في الغرب اعتبروا هذا الفيتو «مهزلة».. بعضهم اعتبره «صدمة مروعة» .. آخرون اعتبروه «جريمة».. بعضهم اعتبره مشاركة في قتل الشعب السوري .. وهكذا.

ولم يتخلف السكرتير العام للأمم المتحدة عن المشاركة في «المناحة» قدر ما يستطيع، واعلن المتحدث باسمه ان الفيتو الروسي الصيني قوض دور الامم المتحدة.

هذه الدموع التي يذرفونها في الغرب حزنا وكمدا بسبب الفيتو هي ببساطة شديدة «دموع تماسيح» بكل ما يحمله هذا التعبير من معان معروفة.

بالطبع، لسنا بصدد الدفاع عن الفيتو الروسي الصيني. بالعكس، استخدامه في ظل ما يحدث في سوريا ينطوي على قدر كبير جدا من الاستخفاف بالدماء التي تسيل في سوريا. لكن نطرح القضية من زاوية اخرى محددة ومهمة.

ما فعلته روسيا والصين باستخدام الفيتو لاحباط مشروع قرار تتبناه بقية دول المجلس، هو نفس ما دأبت امريكا والدول الغربية على ان تفعله طوال العقود الماضية.

نعني بذلك استخدام الفيتو أداة لخدمة مصالح سياسية انانية بغض النظر عن اعتبارات الحق والعدل والاخلاق ومصلحة السلم والأمن.

بل ان استغلال امريكا والدول الغربية للفيتو ولمجلس الأمن عموما كان باستمرار ابشع وافظع مما فعلته روسيا والصين بكثير.

على الأقل، روسيا والصين حين استخدمتا الفيتو في حالة سوريا كان لديهما منطق معين. نعني بذلك منطق انه ليس مقبولا ان يتحول مجلس الأمن الى اداة لاسقاط نظام حكم والتدخل السافر في شان دولة بهذا الشكل. قد يكون هذا التبرير مرفوضا في هذه الحالة بالذات، أي الحالة السورية على ضوء ما يجري من مذابح وعلى ضوء سوابق اخرى في المجلس في الفترة الماضية، لكن على الاقل هناك منطقا ما.

لكن امريكا والدول الغربية الكبرى دأبت طوال العقود الماضية على استخدام الفيتو دفاعاً عن ارهاب صريح وحمايته، وتحديا لارادة العالم كله. بالطيع ، نعني هنا الاستخدام الدائم للفيتو الامريكي بالذات لحماية الارهاب الصهيوني وجرائمه، ورفض حصول الشعب الفلسطيني على أي من حقوقه المشروعة.

لنلاحظ هنا ان استخدام امريكا بالذات للفيتو انطوى دوما في حد ذاته على سلسلة من الجرائم.

١- انطوى على تحد للقانون الدولي والقرارات الدولية الملزمة المتعلقة بالاحتلال وحقوق الشعب الفلسطيني.

٢- انطوى على تحد لارادة المجتمع الدولي كله.

٣- كان دوما دفاعا عن ابشع المذابح وجرائم الحرب والابادة التي لطالما ارتكبها العدو الاسرائيلي.

بل اننا في الفترة الماضية، تابعنا كيف استخدمت الولايات المتحدة التهديد باستخدام الفيتو أداة ارهاب سياسي بشكل صريح وعلني لارهاب الفلسطينيين ومحاولة اجبارهم على التخلي عن طرح طلب الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة على مجلس الامن.

اذن، وكما ذكرنا، حين تثير امريكا والدول الغربية كل هذه الضجة وتكيل كل هذه الاتهامات الى روسيا والصين لاستخدامهما الفيتو، فهم منافقون، وليست هناك أي مصداقية اصلا لدعاواهم بالحرص على ان يلعب مجلس الامن والامم المتحدة دورا فاعلا او منصفا. الدول الغربية هي التي دمرت، ومنذ زمن طويل، هذا الدور الفاعل المنصف.

لكن المهم الآن طالما اثيرت هذه القضية مجددا .. قضية الدور السلبي الذي يلعبه الفيتو، المفروض ان يدفع هذا المجتمع الدولي الى طرح هذه القضية مجددا ويبت فيها.

نعني انه من المفروض ان يفتح المجتمع الدولي قضية اصلاح مجلس الامن بشكل جذري . هذا اذا كانت الرغبة جادة حقا في تفعيل دور الامم المتحدة بما يخدم الشعوب وقضاياها العادلة.

والكل يعلم ان المدخل الاساسي لهذا الاصلاح هو الغاء حق الفيتو هذا الذي فرضه المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، وجعل القرار الدولي رهنا بارادة ومصالح عدد محدود جدا من القوى الكبرى في العالم.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة