«الخطبة العربية» .. أو حديث الأوهام الإيرانية
 تاريخ النشر : الاثنين ٦ فبراير ٢٠١٢
السيد زهره
المرشد الايراني آية الله خامنئي القى خطبة الجمعة الماضية في طهران. وكالة انباء فارس الايرانية اطلقت على الخطبة «الخطبة العربية».
الوكالة تقصد بالطبع انه القى الخطبة باللغة العربية. وقد تقصد ايضا انها خطبة مخصصة للحديث عن الاوضاع العربية وموجهة الى العرب اساسا.
وقد حرصت على قراءة النص الطويل الكامل للخطبة، والتي بذل للحق جهد كبير في كتابتها وصياغة عباراتها باللغة العربية. وما ان انتهيت من قراءتها، حتتى ادركت ان هذه الخطبة هي في جوهرها اكبر تعبير عن الاوهام الايرانية في الوقت الحاضر وتجسيد لها.
وعلى وجه الخصوص، احصيت خمسة اوهام ايرانية عبرت عنها الخطبة ، هي على النحو التالي:
الوهم الأول:
ان ايران هي ملهمة الثورات والانتفاضات العربية، وان القوى الاسلامية التي فازت في الانتخابات في تونس او مصر مثلا تسير على خطى الثورة الايرانية. خامنئي قال هذا صراحة.
هذا وهم كبير حاولت ايران الترويج له منذ البداية بحديثها عن «الصحوات السيلامية» واستلهامها للثورة الايرانية.
حقيقة الامر ان ايران لم تكن بالنسبة إلى أي احد من القوى التي شاركت في الانتفاضات العربية مصدرا للإلهام، ولا تصلح اصلا لأن تكون كذلك.
بالعكس، الأمر الواضح بالنسبة إلى كل هذه القوى العربية واولها القوى الاسلامية هي انه ان كان هناك نموذج بالذات يجب ان تنأى بنفسها عنه، فهو النموذج الايراني. وكيف يمكن ان تحذو هذه القوى حذو نموذج يقوم على الاستبداد والقمع والطائفية والعنصرية؟
الوهم الثاني:
وهم ان القوى السياسية او الشعوب العربية تستمع الى «نصائح» خامنئي.
خطبة خامنئي كلها عبارة عن «تعليمات» و«توجيهات» يوجهها الى القوى السياسية العربية .. خطبته مليئة بتعبيرات من قبيل «افعلوا» و»لا تفعلوا«..» احذروا« و»لا تحذروا«.. »كونوا« و»لا تكونوا«.. وهكذا.
دعك هنا من انه يقحم نفسه في امور لا دخل له بها ولا شأن لإيران فيها. لا احد يعرف من الذي اقنعه ان هناك احدا في العالم العربي من قوى سياسية او غيرها يريد اصلا ان يستمع الى توجيهاته ونصائحه.
حقيقة الأمر انه لا احد يهتم اساسا بأن يستمع الى ما يقول إلا القوى الطائفية المعروفة المرتبطة مباشرة بايران والتابعة لها في بعض الدول العربية، ولأسباب ودوافع طائفية معروفة. وهي اجمالا كما نعلم قوى قليلة جدا على الساحة العربية. اما باقي القوى العربية، اسلامية وغير اسلامية، فلا يعنيها في شيء ما يقول.
الوهم الثالث:
وهم »الثورة في البحرين«.
على امتداد خطبته، اجهد خامنئي نفسه كي يحشر ما يجري في البحرين حشرا في سياق الثورات والانتفاضات الشعبية العربية. وفي كل مرة يأتي فيها الى ذكر مصر وتونس واليمن يضيف البحرين.
هو لا يريد ان يدرك ان هذا الربط سقط في نظر العالم العربي بمجمله منذ فترة طويلة. الكل تقريبا في العالم العربي ليس مستعدا لأن يضع في نفس السياق ثورات شعبية وطنية جامعة مع حركة طائفية شهدتها البحرين.
الوهم الرابع:
وهم انه من الممكن تسويق ما لا يمكن تسويقه.
في خطبته حاول خامنئي ان يسوق امورا من المستحيل ببساطة تسويقها او اقناع احد بها. في مقدمة ما حاول تسويقه مثلا الزعم بأن الثورة الايرانية وكل سياسات ايران ومواقفها ليست طائفية وليست شيعية، وليست قومية فارسية او عنصرية، وان ايران انما تريد توحيد الصف الاسلامي والتقريب بين المسلمين.
ايضا مما حاول تسويقه تأكيد ان ايران لا تتدخل اطلاقا في شئون البحرين او أي بلد عربي.
طبعا مثل هذا الذي حاول تسويقه لا احد تقريبا في العالم العربي يصدقه لسبب بسيط هو ان السياسات الايرانية والسلوك الايراني العملي تجاه دول المنطقة على امتداد السنوات الماضية هو على النقيض تماما مما قاله خامنئي.
الوهم الخامس:
وهم ان من الممكن اقناع العرب بـ »الاستثناء السوري».
طبعا هذا الجانب وحده ينسف كل ما حاول خامنئي تسويقه في خطابه. على امتداد خطبته الطويلة، ومع كل ما ردد عن الشعوب العربية وانتفاضاتها ومطالبها، لم يأت بذكر الى الشعب السوري وما يتعرض له من مذابح مروعة على امتداد اشهر طويلة. ليس هذا فحسب بل هو كما متوقع اعتبر النظام السوريا استثناء من النظم العربية التي كال لها الاتهامات، باعتبار انه نظام مقاوم.
هذا الموقف هو اصلا موقف مستفز الى اقصى حد ليس للشعب السوري فقط، وانما لكل مواطن عربي يتابع ما يجري للشعب السوري من قتل وتنكيل، وبمشاركة ايرانية فعالة.
هذه اذن اوهام ايرانية خمسة عبرت عنها خطبة خامنئي. وراءها بالطبع، وهم اكبر، يحاول خامنئي فيما يبدو ان يقنع به الشعب الايراني في الداخل بالأساس وبعض القوى الاجنبية. يحاول ان يلقي في روعهم ان ايران قوة عظمى في المنطقة بمقدورها ان توجه التطورات في المنطقة العربية. وليس هذا صحيحا من قريب او بعيد كما اوضحنا.
حقيقة الامر ان القيادة الايرانية من الخير لها ان تتخلى عن هذه الأوهام، وان تركز على ازماتها المتفاقمة في الداخل مع شعبها، ومع القوى الكبرى في العالم، وان تدرك ان مشروعها التوسعي الطائفي العنصري في الدول العربية الخليجية بالذات، تلقى ضربات موجعة، وسوف يتلقى ضربات اخرى موجعة اكثر في المستقبل.
.
مقالات أخرى...
- قبل الحديث عن أي حوار - (5 فبراير 2012)
- المنامة.. عاصمة الثقافة العربية - (4 فبراير 2012)
- اللقاء الطائفي بين أمريكا وإيران - (1 فبراير 2012)
- «تصدير الثورة» بين إيران وأمريكا - (31 يناير 2012)
- توضأوا وصلوا في كنيسة «قصر الدوبارة» - (30 يناير 2012)
- عن الدعوات إلى لـمّ الشمل الوطني - (29 يناير 2012)
- أين نوابنا من ملف «السلوك الماكر»؟! - (26 يناير 2012)
- نحن والإرهاب الأمريكي باسم الديمقراطية - (25 يناير 2012)
- الحرب العالمية على الديمقراطية - (24 يناير 2012)