الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧١ - الأحد ٥ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


قبل الحديث عن أي حوار





في الأيام القليلة الماضية، تابع الناس اخبارا واحاديث عامة غامضة عن حوار وطني جديد في البحرين.

نقول غامضة لأن الأمر يتعلق بكلام عام مرسل لا يعرف احد من هو مصدره بالضبط، ولا احد يعلم هل هو صحيح ام لا، والأهم من هذا انه لا احد يعلم، عن أي حوار يجري الحديث وفي أي اطار او لأي هدف سياسي على وجه التحديد. ولا احد يعلم اصلا ان كان اطلاق هذا الكلام يعكس توجها جديا فعلا، ام هو مجرد بالونات اختبار كما يقال لمعرفة رد الفعل العام.

لكن الاحساس العام هو ان هناك فكرة او افكارا عامة يجري تداولها او النظر فيها سعيا للخروج من الازمة الراهنة.

وبداية، ليس سرا خافيا بل هو امر معلوم للجميع، ان هناك قطاعا واسعا من القوى السياسية في البلاد ومن المواطنين لا يستسيغ فكرة الحوار الجديد هذه ويتوجس منها ولا يتحمس لها.

هذا القطاع لديه مبرراته، التي يعلمها الجميع ايضا، التي تدعوه الى اتخاذ هذا الموقف.

لعل اهم هذه المبررات ما يلي:

١- ان قوى «المعارضة» سبق لها ان رفضت في ذروة الازمة وبشكل متعجرف مستفز الحوار الذي طرحه سمو ولي العهد. وبعد ذلك رفضت ان تسهم في أي جهد وطني تم بذله على طريق الخروج من الازمة، ابتداء من الموقف المعروف من حوار التوافق الوطني، وحتى رفض المشاركة في اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ توصيات لجنة تقضي الحقائق.

اذا كان هذا هو موقف المعارضة، فان الناس من حقها ان تتساءل بقدر كبير من الشك عما اذا كان من الممكن الوثوق في نوايا المعارضة اصلا حتى يمكن الحديث عن أي حوار جديد.

٢- ان الحديث عن حوار جديد هو بالنسبة للكثيرين ينطوي في جوهره على اهانة لكل القوى والجماعات التي شاركت في حوار التوافق الوطني، وانتهت الى ما انتهت اليه من رؤى ومرئيات اصلاحية.

بالنسبة للكثيرين هذا الحديث عن حوار جديد يعني ان الدولة تريد ان تطوي صفحة حوار التوافق وتعتبر ان كل ما بذله المشاركون فيه من قوى وشخصيات هو جهد بلا قيمة ولا جدوى.

٣- انه على وجه الاجمال، يعتبر البعض ان طرح فكرة حوار جديد على هذا النحو، يعني بغض النظر عن الخلفيات والتفاصيل، ان الدولة في نهاية المطاف رضخت لابتزاز المعارضة ولمنطق العنف والترهيب الذي مارسته في الشارع في الفترة الماضية وما زالت تمارسه.

كما قلت، هذه المبررات التي تدفع الكثيرين الى التحفظ على فكرة حوار جديد والنظر اليها بريبة وشك ان لم يكن برفض كامل. وهي مبررات الدولة والكل في المجتمع على علم بها. وهي كما نرى مبررات وجيهة تماما.

ومع هذا، وعلى الرغم من وجاهة هذه المبررات كما هو واضح، لا نظن ان هناك وطنيا مخلصا ايا كان موقفه يعارض او يرفض أي جهد وطني مخلص يمكن ان يقود فعلا الى انهاء الازمة في البلاد وطي هذه الصفحة الكئيبة التي نعيشها من تاريخ البحرين.

لا نظن ان هناك وطنيا مخلصا يرفض او يعارض أي اصلاحات جديدة، او رؤى سياسية جديدة يمكن ان تساعد البلاد في الوصول الى هذه الغاية.

اصلا، ابواب الحوار بشكل عام لم تكن مغلقة في يوم من الايام في البحرين. كما ان جلالة الملك اعلن مرارا وتكرارا ومنذ انطلاق المشروع الاصلاحي ان كل اصلاح وتغيير يخدم الصالح الوطني امر وارد في أي وقت ان توافقت عليه ارادة الشعب.

لكن، بالنظر الى الخبرة المريرة التي مرت بها البلاد، والظروف الصعبة التي ما زالت تمر بها حاليا، فان هناك شرطا اساسيا لا بد ان يتحقق قبل ان يتحدث اي احد اصلا عن أي حوار ايا كان.

سمو الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء طرح الامر بوضوح قبل ايام حين قال سموه انه قبل الحديث عن أي حوار، لا بد أولا ان يتوقف التصعيد ويتوقف العنف.

هذا كلام حكيم، وهو بالضبط ما تحتمه المصلحة الوطنية لشعب البحرين.

من غير المقبول اساسا ان تبادر أي جهة في الدولة، لا صراحة ولا تلميحا، الى فتح مجال الحديث او التكهنات عن حوار جديد في ظل هذا المناخ من التصعيد والعنف والترويع والترهيب للمجتمع والدولة.

ببساطة لسان حال الناس هو: هل هؤلاء الذين يحرضون على «سحق» رجال الأمن، ويحرضون على هذا العنف ويمارسونه، ويثيرون هذه الحالة من الرعب في البلاد، هم من تلمحون للحوار معهم؟

ومجرد الحديث عن حوار في ظل هذا الوضع لن يكون له من معنى لدى المعارضة ولدى المواطنين عامة سوى انه خضوع مباشر لمنطق العنف والترهيب.

والأمر اذن ببساطة شديدة هو على النحو التالي: ليعلن هؤلاء صراحة وعلنا وبلا مواربة وقف تصعيدهم ووقف اعمال العنف والترويع التي يمارسونها ويتعهدون بعدم العودة اليها. وبعد ذلك، لأي احد ان يتحدث عن حوار. وحتى لو حدث هذا، فلا بد ان تطرح اسئلة كثيرة عن معنى الحوار وشروطه وجدواه واهدافه بالضبط



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة