الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٤ - السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين


الشيخ علي مطر: نحتاج إلى عزم وإصرار لمواجهة الحرب النفسية مع الغرب





قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة بمسجد أبي بكر الصديق أمس: نسمع من وقت إلى آخر عن تسريب لتقارير سرية غربية تنتشر بين العرب والمسلمين، تتحدث هذه التقارير تارة عن قوة الغرب وعلومهم وسلاحهم الذي لا يقهر، وتارة تكشف عن خططهم لتقسيم البلاد العربية إلى دويلات صغيرة مبنية على أسس عرقية وطائفية، وتارة أخرى عن خططهم لسيطرة أكبر على بلاد المسلمين، وتقارير مفادها أن الإسلام في انتشار وأن عدد المسلمين ومساجدهم ومراكزهم في الدول الغربية في ازدياد، ولا بد من التدخل للمنع والحد من ذلك... ونضيف إلى ما تقدم، نشرهم أيضا صور تعذيب المسلمين بطرق وحشية وإهانتهم كما في غوانتنامو وسجن أبوغريب في العراق، وحادثة تبول بعض الجنود الأمريكان على جثث قتلى المسلمين في أفغانستان، وغيرها من الأمثلة، فكل ذلك إنما سرب ونشر بتعمد على الغالب، بقصد إذلالنا وتخويفنا وإضعافنا، وخلق الهزيمة النفسية ولإحباط في نفوسنا، وقتل الأمل فينا...

ولما نشرت الصور المسيئة إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كانت ردود أفعال المسلمين قوية جدا وعلى جميع الأصعدة واستمرت فترة من الزمان، ثم نشرت الصور مرة أخرى فكانت ردود الأفعال أضعف من السابق، واليوم ينشرون فيلما مسيئا وردود الأفعال تكاد تكون منعدمة.

ولنأخذ الدروس والعبر مما أصاب يهود بني النضير من هزيمة على أيدي المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع قوة سلاحهم وحصونهم، وذلك بسبب الخوف والانهزام النفسي، وما أصابهم من إحباط... كما قال الله تعالى عنهم: «هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ».

وهذه قصة منشورة لأخذ العبرة منها، تبين ما يفعله اليأس والوهم والضعف والإحباط بالإنسان، يذكر أن عاملا في شركة لبيع المواد الغذائية دخل ثلاجة كبيرة تابعة للشركة للقيام بعمل معين، وفجأة وبالخطأ أغلق عليه باب الثلاجة…

فأخذ يطرق الباب وينادي مرات ومرات ولكن من دون جدوى، إذ كان في نهاية الدوام وفي آخر الأسبوع، وبعدها إجازة، فعرف الرجل أنه سوف يهلك هنا سيطر عليه الخوف وأصابه الخوف، فجلس ينتظر مصيره، وبعد يومين فتح الموظفون الباب، ووجدوا الرجل قد مات، وبجانبه ورقه كتب فيها، ما كان يشعر به قبل وفاته، وجدوه قد كتب، أنا الآن محبوس في هذه الثلاجة، أحس بأطرافي بدأت تتجمد…أشعر بتنمل في يدي ورجلي، أشعر أنني لا أستطيع أن أتحرك، أشعر أنني أموت من البرد، وبدأت الكتابة تضعف شيئا فشيئا حتى أصبح الخط ضعيفا إلى أن انقطعت الكتابة… وكان العجيب أن الثلاجة كانت لا تعمل ولم تكن متصلة بالكهرباء إطلاقا فما الذي قتل هذا الرجل، لا شك أنه الوهم والعجز والاستسلام واليأس، حيث يفترض أن المكان بارد وتحت الصفر، وانه سوف يموت.

فلنحذر من شيوع اليأس والإحباط والانهزامية في نفوسنا، ونفوس أولادنا وشعوبنا، وأعمالنا ووظائفنا، ودراستنا، وتجاربنا، وبحوثنا، وعند المرض ووجود العاهة والعجز البدني، عند الاختبار، أو عند تسلط الأعداء وأعوانهم من أهل الغدر والخيانة...

قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».

لنتفاءل ولنرفع الروح المعنوية في نفوسنا، وليكن لدينا أمل فيما نصبوا إليه من التوفيق والنجاح والاستقرار، والقوة والغلبة... فالضعيف يمكن أن يقوى، والفاشل والراسب بإمكانه أن يعيد الكرة ويحقق النجاح، ومن يسير اليوم في نهاية الركب يمكنه أن يكون في المقدمة.. وهكذا..

قال الله تعالى: «... وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».

ولننظر إلى عزيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإصراره وثقته بالله تعالى، وهو الذي أصابه وأصحابه أشد أنواع الإيذاء، ولكنه لم ييأس، عندما قال لعمه أبي طالب: «يَا عَمّ وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْته».

فنحن في حاجة إلى عزم وإصرار وتوكل على الله تعالى وثقة به سبحانه والأخذ بأسباب النصر والفوز والنجاح والتمكين في الأرض...

قال الله تعالى: «...فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ...».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة