الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٥ - الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


أين هو «الحل الأمني» للأزمة؟!





احد القضايا العجيبة المهمة التي ارتبطت بالأحداث والتطورات التي تشهدها البحرين منذ اشهر تتعلق بالمصطلحات.

المسألة ان الجماعة في الوفاق ومعهم الجماعات التابعة لهم يستخدمون في بياناتهم واحاديثهم وتصريحاتهم عددا كبيرا من المصطلحات ويرددونها بلا توقف باستمرار على اعتبار انها ليست فقط صحيحة، بل انها من المسلمات التي لا تقبل الجدل. وللأسف، كثير من الكتاب واجهزة الاعلام في الغرب، وايضا المنظمات الغربية، يرددون وراءهم نفس هذه المصطلحات بنفس الروح والمعنى.

هم يفعلون هذا ويستخدمون هذه المصطلحات المسلم بها من وجهة نظرهم، على الرغم من ان أي مراقب منصف إذا دقق فيها، فسوف يكتشف على الفور، أنها غير صحيحة أصلا في السياق الذي تستخدم فيه، ومضللة ومقصود بها التشويه عن عمد.

نستطيع ان نضرب أمثلة كثيرة جدا لمثل هذه المصطلحات، لكن سنكتفي اليوم وغدا بالتوقف عند مصطلحين أصبحا الأكثر استخداما وشيوعا في الفترة الماضية هما مصطلحي «الحل الأمني» و«الحل السياسي».

في الفترة الماضية، تستخدم الوفاق وأتباعها المصطلحين في كل وأي مناسبة بمعنى معين وفي سياق معين. وأيضا، بعض الزملاء في إحدى الصحف لا يكفون ويوميا عن ترديد المصطلحين بنفس المعنى وفي نفس السياق.

هم حين يستخدمون ويرددون المصطلحين يقصدون أمرا محددا.. يقصدون ان الدولة في معالجتها للأزمة لجأت الى «الحل الأمني» وحده واكتفت به، وان هذا الحل ثبت فشله، وانه لا يمكن ان يكون هناك حل للأزمة إلا إذا تم التخلي عن هذا «الحل الأمني» واللجوء الى «الحل السياسي».

هذا الذي يرددونه ليس له أي معنى في حد ذاته من دون الاجابة المحددة الواضحة عن سؤال آخر ابتداء هو، ما هو المقصود بـ «الحل الأمني» اصلا؟.. بمعنى، في الواقع العملي وما يجري في البحرين، بأي معنى بالضبط يمكن القول ان الدولة لجأت في معالجتها للأزمة الى الحل الأمني وحده؟.. كيف؟.

الذي نفهمه حين يقال ان الدولة في البحرين أو غيرها، تلجأ الى الحل الامني وحده، معناه ان الدولة لا تلجأ إلا الى الاجراءات القمعية البوليسية، وتسد الطريق امام أي حل سياسي أو توافقي.

الآن، من حقنا ومن حق أي مراقب منصف متابع لما يجري في البحرين فعلا، ان يتساءل. أين هو هذا «الحل الأمني» في البحرين؟.. ما هي الشواهد والمعايير التي على أساسها يقول هؤلاء ان الدولة لم تتعامل مع الازمة إلا بالحل الأمني؟

حقيقة الامر ان أي متابع لما فعلته الدولة في الاشهر الماضية في تعاملها مع الازمة، سوف يكتشف فورا ان هذا كلام مضلل لا علاقة له بحقيقة ما يجري.

ولنا ببساطة كي تكون الامور واضحة ان نطرح التساؤلات البديهية التالية:

×× هل كان قرار جلالة الملك بتنظيم حوار التوافق الوطني الذي شاركت فيه عشرات من القوى الفاعلة في المجتمع، وما انتهى اليه من مرئيات اصلاحية في مختلف المجالات، يندرج في اطار «حل امني» للأزمة؟

×× هل كان قرار جلالة الملك التاريخي بتشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة بسيوني واعطائها كل هذه الصلاحيات، والعمل الذي قامت به، وما انتهت إليه من تقرير اعلنته ومن توصيات اقترحتها ، يندرج في اطار «حل امني» للأزمة؟

×× هل كان قرار قيادة البلاد بقبول كل توصيات اللجنة، والشروع في تنفيذها فعلا، وتشكيل اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ التوصيات برئاسة الاستاذ على الصالح، يندرج في اطار «حل امني» للأزمة؟

×× هل التعديلات الدستورية المهمة التي اعلنها جلالة الملك، والتي يبحثها الآن مجلس النواب تندرج في اطار «حل امني للأزمة»؟

بداهة، كل هذه مبادرات وحلول سياسية للأزمة ولا علاقة لها بـ «حل امني» مزعوم.

بالطبع، من حق أي احد في الوفاق او غيرها ان يقول مثلا ان هذه المبادرات والخطوات التي اقدمت عليها القيادة غير كافية، أو ان لنا تحفظات وملاحظات عليها. ومن حق أي احد ان يقول اننا نريد اصلاحات اكبر من هذا وأكثر جذرية.

هذا مقبول.

لكن الذي لا يمكن ان يكون مقبولا هو ان يقال ان كل هذه الاصلاحات والمبادرات تندرج في إطار «حل امني».

هذا ببساطة كما قلت تضليل وتشويه فاضح للحقيقة.

إذن، ان كان الامر هكذا، فما الذي يقصدونه بالضبط بترديد هذا الكلام عن «الحل الأمني» الذي يقولون انه فشل في معالجة الازمة ولا بد من الحل السياسي؟.. وما الذي يريدونه بالضبط؟

الحقيقة أنهم لا يرددون هذا الكلام عبثا. لديهم مفهوم محدد، ولديهم أهداف محددة.

سنعرض لهذا في المقال القادم بإذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة