الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٠ - الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


شكلان للتناقض في العمل السياسي





تجمعُ الفاتحِ والوفاق هما شكلان للتناقض السياسي، وليس للتطور الديمقراطي الوطني البحريني التوحيدي.

ارتكزَ كل منهما على ردودِ فعلٍ للحراكِ السياسي المذهبي الكبير في دول الخليج وإيران والعراق.

كان هذا الحراكُ السياسي لا يرتكزُ على عناصر ديمقراطية وليبرالية وشعبية تقدمية، بل على تفعيل المذهبين الكبيرين في المنطقة، اللذين يكون تفعيلهما السياسي تمزيقاً لخرائط الدول والشعوب.

الخطوةُ الأولى الخطرةُ بدأتْ من الجانب الإيراني حين حوّلَ شعار ولاية الفقيه لدولة ايديولوجية سياسية، لم ترتكز هذه الدولة على الديمقراطية وتبادل السلطة، حتى العناصر الليبرالية هُزمت مع تنامي قوى العسكر.

ولكن القوى السياسية المحلية جلبتْ هذه العناصر وعناصر غيرها من العراق عبر خط جماعة الدعوة ولم يستطع حتى هؤلاء العراقيون المذهبيون الأكثر ثقافة من قرنائهم المحليين أن يعبروا الحاجز بين محافظة المذهب والديمقراطية وبلورة خط وطني، وهي كلها انفعالات سياسية مندمجة مع التحرك المذهبي العبادي، فلم تبلور أفكاراً سياسية ديمقراطيةً مستقلة.

ولم تستطع الخطوط العراقية أن تشكل تحولا فكريا ديمقراطيا داخليا يستقل عن التأثير الإيراني، ولهذا فإن الجماعات الشيعية السياسية البحرينية لم تستطع الاستقلال عن النفوذ الإيراني هي الأخرى.

من جانب الحكومة البحرينية قدمت مبادرات فيما يتعلق ببعض الحريات السياسية والاجتماعية، والسماح للمعارضة الشيعية والليبرالية واليسارية بالعمل السياسي والدخول في البرلمان والتأثير من خلاله ومن خلال أدوات أخرى، لكن ظلت مرهونة بالسقف العربي الخليجي.

القوى السياسية الشيعية بين معتدلة ومتطرفة لم تستطع أن تفرز وعيا ديمقراطيا وطنيا، وتنغرسُ في تحليل البنية الاقتصادية الاجتماعية وتقدم تحولات فيها، وفي مسائل مهمة مثل البطالة والأجور والخدمات المختلفة وإصلاح أحوال الأحياء والقرى، رغم تمكنها من دخول البرلمان وتقديمها بعض الجوانب النقدية والمشروعات ، فإنها انسحبت فجأة ولم تراكم حضورها ووعيها، فبدت غير عميقة في فهم الأوضاع وإصلاحها والاستمرار الصبور في العمل الممكن.

وهذا ما جعل الكتلَ المذهبية السياسية الشيعية بين المعتدل المتقرب إلى الليبرالية ومن يعبر عن شمولية ولاية الفقيه، غيرَ قادرةٍ على النمو الفكري السياسي، نظراً لارتباطها بسقف شمولي استيرادي لا يقبل التجذر الداخلي البحريني المميز ونمو العملية التوحيدية الوطنية.

الكتل المذهبية السنية السياسية شاركت في العملية السياسية التحولية كمنافس ونقيض للكتل المذهبية السياسية الأخرى بشكل خاص، ولم تكن آراء بعضها السياسية في زمن ما قبل التحول تؤيد الوجود البرلماني، وكانت مغمورةً بالعملين الارشادي والخيري المحدودين فلم يكن لها أفقٌ سياسي فكري واسع، ولهذا مثلّتْ الشكلَ المختلف عن المذهب الآخر لا أن تمثلَ انفتاحا ديمقراطيا واسعا، فهي نفسها حولتْ الجوانبَ العبادية لعملٍ سياسي فكرست عملها وعضويتها على جماعة من دون الأخرى،.

كان يمكن للبرلمان أن يكون ساحة تعاون وطني ويركز في حل الملفات والمشكلات الكبيرة بلغة التعاون التوحيدي الصراعي معاً، لكن لغة تصعيد الصراع غَلبتْ على لغةِ التعاون، ثم أزالتْ الطابعَ الوطني الجنيني ذاك، ومع موجة الثورات العربية قفز البعض في الهواء من دون أن يصير العمل الديمقراطي الإصلاحي في المؤسسات أساساً لتحول عميق حقيقي أو يجمع بين أشكال النضال الممكنة السلمية.

ولهذا فإن الشكلين السياسيين اللذين ظهرا عبر(الدوار) و(الفاتح) هما جسدا الانقسام السياسي وقد وصل إلى الشوارع واقترب من الخنادق.

هذا كان جرسا خطرا لما يمكن أن تفعلهُ السياساتُ المذهبية من شروخ في الخريطة الوطنية، وهي التي لم تقبل بالوعي النقدي خلال عقدين من التحذير والدرس.

إن دفعَ العامةِ المقسمةِ للشوارع وتهييجها ليسا هما عملٌ سياسي ناضج، وقد تسّببَ في كوارث ومشكلات كبيرة، ويتحمل السياسيون المذهبيون مسئولية ذلك أمام الأجيال القادمة.

هذا خلافاً لما دعانا القرآنُ إليه، فمن لا يتذكر الآيات البليغة الكثيرة الداعية إلى التوحد وإلى عدم التفرق السياسي التناحري؟

(واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمةَ اللهِ عليكم إذ ألفَ بين قلوبِكم فأصبحتم بنعمتهِ أخوانا).

ورمزية الحبل هي الوحدة السياسية التي تجمع القوى في جميع التضاريس الاجتماعية المتباينة من أجل تطوير أحوال الناس رغم تباين معتقداتهم وتفاسيرها وفهمهم لنصوصها وليست إقامة الخنادق بين المسلمين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة