الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٣ - الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


انطفاءُ المركزياتِ الحادة





يُلاحظُ بوضوح كيف تعضد القوى الغربية النظامَ المسيطر في إسرائيل وترغبُ في تفكيك قوى الدول العربية والإسلامية.

ومن جهةِ القوى العربية والإسلامية لم تقم بما يلزم للحفاظ على التعاون الوثيق بينها، وانساقتْ في أشكالِها السياسية للتضاداتِ الحادة وغدتْ مُبتلعة بشكلين: شكل السوق المفتوحة غير القادرة على الاستقلال وتكوين رأسماليات وطنية صناعية ديمقراطية عربية، وشكل الهيمنة المركزية العنيفة غير القادرة على الانفتاح الديمقراطي على الشعوب الإيرانية والعربية.

صراعُ القوى الثلاث الكبيرة هذه أظهر طرائق تطور مختلفة مختنقة، وبيّنَ محاولات القوى الغربية للسيطرة على الفريقين المناطقيين العربي والإيراني، كل في مساره وعبر استغلال الصراعات بينهما.

نقاطُ ضعف الفريقين الإسلاميين أتتْ من أفكارِ ولاية الفقيه التي عكست تطورا إيرانيا غيرَ ديمقراطي وغير ليبرالي لتشكيل مجتمع النهضة والتوحد، كما بيّن التطورُ عدم قدرة الجانب العربي الإسلامي على استثمار فوائضه المالية لتوحيدِ كل مجتمع وصهرهِ في تنمية مشتركة مخططة متطورة بكل أقسام هذا المجتمع.

التناقضاتُ بين الجانبين العربي والإيراني تم استثمارها من جانب القوى الغربية، كما انها أضعفتْ الجانبين.

وهذا تكون بسببِ مذهبيات سياسية متباينة، واختلاف حاد في التطور بين الجانبين وفي توظيف المذهبيات السياسية ، مما أدى إلى تعقد سبل التطور للخروج من إشكاليات التخلف والاستقلال، مع عدمِ وجودِ التعاون العميق للخروج المشترك إلى الحداثة الديمقراطية.

ونلاحظ الآن بدء خفوت الشكل السياسي للتطور في المجتمع الإيراني الذي تم تحت الشعار السابق الذكر، وهذا الخفوت يُلاحظ عبر تباين توجهات القيادة الإيرانية لمعرفة سبل الخروج من مأزق الشعار - المشكلة، فغدتْ القيادةُ قيادات، واضطربت الأسواق بين السوق السوداء وتدهور الاقتصاد والعملة، وبين تملك النخب الدينية والعسكرية المال العام وتضخم العامة المُفقَّرة والمعوزة، التي تأتي العقوبات لتزيدها احتداما.

خفوت الشعار المحوري وغياب الشعبية الأولى، يشيران كذلك إلى محاولات البحث عن طريق آخر، وليس طريق إيران هو طريق سوريا ذو الاحتدام الدموي الرهيب، بل هو طريقٌ آخر، يجمع بين المقاومة الشعبية السلمية وتحولات القيادات الإيرانية نحو العودة للديمقراطية والحداثة وللاثني عشرية الشعبية السلمية المنفتحة، وتجاوز ولاية الفقيه المركزية الشديدة. لكن هذا الوقتَ قصيرٌ، والقوى الغربيةُ تنتظرُ الفريسةَ.

لكن مهما كانت أشكال العودة لليبرالية والنهضة الديمقراطية فإنها ستكون حادة ذات آثار موجعة في المجتمع الإيراني، وفي الشعوب التي تعيش فيه، من انهيارات للاقتصاد وصراع للقوميات والمذاهب، وظهور الخريطة الاقتصادية الحقيقية، ولابد من التوقف طويلاً مستقبلاً لقراءة هذه الهوة قبل أن تحدث وتشكيل ثقافة الانذار منها.

مجتمعات الجزيرة العربية تواجه الأزمات الاقتصادية الاجتماعية عبر مركزية الدول الرأسمالية الحكومية، وعدم قدراتها على توزيع الفوائض في الخريطة الاجتماعية بشكل تخطيطي دقيق يطور المناطق الفقيرة والقوى المنتجة المتخلفة؛ فكلما قلَّ التوزيعُ تفاقمت المشكلات وكلما تأخرت معالجة القوى المنتجة تم الاقتراب من هوةٍ أخرى.

توحدُ الدولِ العربية في الخليج غير ممكن في المدى المنظور نظراً إلى عدم القدرة على التوجه لمجتمعات ليبرالية ديمقراطية وبقاء أقسام اجتماعية محافظة كبيرة وتباين السياسات الاقتصادية الاجتماعية، وهي بحاجة أولى إلى تغيير الاختلالات الاجتماعية الكبيرة، والحفاظ على التطور التدريجي للمناطق المعوزة والبدوية والقروية وعدم تذويبها بعدمِ جعل سكانها يهاجرون للمدن المكتظة، وبنشر ثقافة منفتحة عقلانية سياسية تقرب المجموعات المتعلمة خاصة.

وإذا كان المجتمع الإيراني اتجه لكثافة في العمالة اليدوية خاصة وهو شكلٌ إيجابي وإن كان يعبر عن مستويات إنتاجية دنيا، فإن المجتمعات الخليجية بحاجة إلى كثافة في الأعمال اليدوية والفكرية لتغيير ضخامة العمالة الأجنبية وتحجيم الضخامة البيروقراطية الحكومية.

إن التقارب بين الدول العربية والإسلامية العربية والإيرانية هو ظرفٌ موضوعي، وسوف تؤدي الانفجاراتُ أو التحولات الديمقراطية إلى تقارب الهياكل الانتاجية والأسواق بين الدول والشعوب، وسوف تضطرُ المستوياتُ السياسية إلى فهم ذلك والاستجابة للضرورات، وإيجاد أشكال مرنة للمُلكية العامة المُرَاقبة وتوسيع الملكيات الخاصة الانتاجية، وتوفير كم كبير من العمالة الأجنبية، وتطوير القوى العاملة العربية والإسلامية تقنيا، والابتعاد عن هدر الفوائض سواء بالصراعات المسلحة أم بضخامة التسلح.

على المستوى السياسي ينبغي عدم انجرار الدول العربية والإسلامية للمحاور والصراعات، وضرورة ظهور جيل من سياسيي التعاون والعمق في التنميات وفهم الجذور العربية والإسلامية والعصر، وإيجاد تعاون عربي إسلامي واسع هو ذاته يؤدي إلى الاستقلال الناجز وتجاوز مشكلات القوميات والإثنيات والطائفيات.

إن تجاوز لغة المعسكرات وسيادة عقليات الانفتاح وضرورة ضبط الأعصاب السياسية في مثل هذه اللحظات المصيرية الخطرة مهم جدا، فاللحظة التي نعيشها من انهيار المركزيات الحادة واضحة، وأن المجتمع الإيراني يقتربُ من هذه اللحظة، الأمر الذي يتطلب من القوى كافة مساعدته على الآثار السلبية الخطرة لمثل هذه اللحظة وأن يُنقذ ما يمكن إنقاذه قبل ساعة الانهيار.

إن القوى الغربية وإسرائيل تحاول الاستفادة من هذا الوضع المعقد وتفكيك الدول العربية والإسلامية المتصارعة، وإبقاء المستويات الانتاجية المحدودة الضعيفة، والأسواق المفتوحة، وعدم تنامي التعاون العربي الإسلامي الإنساني لآفاق كبيرة



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة