الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٥ - الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


البحرين جزيرةُ الحريةِ الغامضةِ في العصر القديم





لم تستطع البحرين أن تفلت تماما من الإمبراطوريات العبودية في العصر القديم، لكن وجودَها المستقل قليلا هو بحدِ ذاته كان شجاعة.

قوى التصحرِ والحروب ومطاردة المؤمنين لم تصلْ إليها كما تصل إلى البلدان البرية حيث تتمكنُ الجيوشُ بسهولة نسبية من اقتحام المدن ولديها وسائل الحرق الفتاكة والسلالم الصاعدة لأسوارها وبيوتها.

تقنياتُ الغزو البحري لم تتطورْ كثيرا لحسن الحظ لتطارد الأحرار وراء السواحل المحمية بالأشجار والقلاع.

استطاع السكان القدامى المستقلون أن يطوروا إنتاجهم الزراعي الذي كان يحميهم أكثر من معابدهم:

(تقع في الخليج ذاته، جزيرةُ (تيلوس) التي تكسو الغابات قسمها المقابل للشرق، الذي يغمرهُ البحر أيضاً أثناء المد. ويحاكي حجم كل شجرة حجم شجرة التين.. وتنمو على هضبة عليا في الجزيرة ذاتها أشجار تحمل الصوف) بحجم السفرجلة (يتفتحُ متى تنضج ويكشفُ عن كراتِ زغب، يُصنعُ منها قماش غالٍ للثياب)، الخليج في العصور القديمة، ص .٨٧٣

فاثنياوس الكاتبُ الإغريقي الذي عاشَ في القرن الثاني الميلادي يذكرُ في كتابهِ (مأدبة السفسطائيين):

(تقع إحدى الجزر في الخليج الذي يُعثر فيه على الكثير من اللؤلؤ)، السابق، ص .٨٨١

وليس غريبا أن تكون ولادة الكنعانيين الذين عُرفوا بعد ذلك باسم (الفينيقيين) في جزر البحرين وميناء الجبيل، المسمى قديما بيبلوس، في هذه المدن الصغيرة المتنامية وسط الخليج حيث أعطتهم الولادةُ شيئين عظيمين: صناعةَ السفنِ ومغامرات التجارة.

وإذا كانت الولادةُ صغيرة فإن الشباب سيغدو كبيرا من اليمن والبحر الأحمر حتى شاطئ المتوسط الشرقي ثم الجنوبي.

وليس من الممكن خلال أربعة ألاف سنة الحصول على جسمِ هذا الشعب الكبير المتقطع عبر قارتين وعبر المدن الكثيرة يتركُ فيها معالمَه من المدن التجارية الكبرى واختراعه الكتابة المميزة، مولِّدة الإنتاج الإغريقي لغةً ومسرحا.

كتبتْ السيدةُ بنت في بحثِ (جزيرة العرب الجنوبية) (لندن ١٩٠٠) عن تلال الدفن في البحرين:

(كان الشك الكامل يكتنفُ أصل هذه التلال ومعرفة من بناها لكنه زال الآن، ولم يعدْ أحد يرتابُ بأصلِها الفينيقي، اعتمادا على الإحالات الكلاسيكية وعلى نتيجة عملنا ذاته، وقد اكتشفنا أثناء تنقيباتنا، أشياءً أصلها فينيقي مميَّز، فلم يعدْ هنالك مجال للشك بأن التلالَ القائمةَ أمامنا كانت مقبرة واسعة لهذا الشعب المهاجر).

أربعةُ وجوهٍ ممكنةٍ في تاريخ البحرين، أن تكون موقعا لحرية واستقلال الشعب، ثم أن تكون ملجأً للهروب، وأن تكون مقبرة لساكنيها المترحلين يتركون فيها جذورَهم ويعودون إليها، وتغدو مقبرة مقدسةً كبيرة للشعوب المماثلة، وأن تكون أخيرا سجنا يُنفى إليه من لا يقبل العيش العادي في الدول المجاورة وفي الإمبراطوريات التي كانت بحاجة ماسة إلى السجون.

من الصعب أن تتمكن الدولةُ الفرثية أن تصل للجزر رغم اجتياحها للبر الآسيوي في الخليج، أو الدول التي قبلها كالمقدونيين، وحين يحدث ذلك لا تضمن المحمياتُ بقاءها الطويل.

أما الدولةُ الساسانية فاستطاعتْ أن تفيضَ بسيطرتِها على وادي الرافدين بقوة، وجزر البحرين بشكل محدود اسمي.

ولهذا فإن صنمَ أوال هو عبادة المؤمنين الهاربين اللائذين بالجزر من البطش الساساني، فالاسمُ الخاصُ الغريبُ القادم من فعل (وئال: اللجوء)هذا يحملُ شيئاً من دلالةِ الاحتماء إضافةً لمعناه الديني العام.

الاسمُ ذاتهُ يحملُ معنى المقاومة (الوطنية) والاستقلال.

يتغيرُ اسمُ (مشامهج) الذي هو حسب النصوص البابلية (بندرٌ يُعثرُ فيه على اللآلئ)، فتلفهُ سحابةُ العصرِ الإمبراطوري الروماني بردائهِا الكنسي، ويحرمُ مطران (مشماهج) من ممارسة عمله الديني، وقد انتقد بطريرك الكنيسةِ الأرمنية الأسقفَ البحريني إبراهيم المشاهمجي، متهما إياه بخلق التمرد.

أسكن سابور الثاني الملك الساساني: (بعض بني تغلب في البحرين، نعني دارين وسماهيج).

هكذا تأخذ قريةُ سماهيج تاريخَها من قلبِ الإمبراطوريات ومن تراثها لكن صناعتها للسفن والقوارب وغوصها في البحر هو الذي يؤسسُ بقاءها.

تأخذ الأسماءُ ألوانَها من الديانات والقبائل والعصور ولكن قوى الشعوب ودلالات وجودها المستقل تأخذهُ من عملها وتكونها كقوى متوحدةٍ مدافعة عن أرضها وحريتها



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة