الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٥ - السبت ١٠ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل:

الإسلام يوجب على المسلمين أن يكونوا دائما على حذر





أكد الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس إن الإسلام يوجب على المسلمين أن يكونوا دائما على حذر من عدوهم المتربص بهم: «يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا» وأن يكونوا على أهبة الاستعداد: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم..»، فالحذر والإعداد أمران متلازمان لردع أعداء الأمة؛ الذين يتربصون بها الدوائر، ويكيدون لها مكر الليل والنهار لا يفترون. وواقع الحال المعاش يؤكد ذلك. ولهذا لما هجرت الأمة معظم تعاليم ربها، وآمنت ببعض منها، وتخلت عن بعض لهوى في نفسها، فحل بها من الخيبة والهوان ما أخرها عن تسلم مقاليد القيادة، وسلمت زمام أمرها الى عدوها، يوجهها كيفما يشاء، أوهمها أن تخلفها جراء اتباعها لدينها، فاختار زمرة من أبنائها ضعفت قلوبهم، وطمعت نفوسهم؛ ليكونوا طليعة القيادة والتوجيه المنحرف فيها؛ لتأخذ من الدين ما يناسب هواها وشهواتها، فعندها اختل ميزان الأمة، وتخلفت عن ركب الحضارة؛ من بعد أن ساد المسلمون الأولون العالم وأسعدوه، ونتيجة تخاذلنا عن كثير من ديننا وهجرنا إياه، أصابنا الضعف، ولحقنا الهوان، حتى تجرأت حثالة الناس على المسلمين.

إننا اليوم نتعرض لحرب لا هوادة فيها حرب حقيقية استئصالية يشنها عدو متربص بنا في الداخل والخارج يعمل جاهدا من أجل تحقيق أهدافه ومآربه التي يسعى إليها منذ أمد بعيد. ومع علمنا بخطورة هذه الأهداف؛ إلا اننا لا نزال نتعامل مع الأحداث - بحسب ما نرى ونسمع - باستخفاف، وعدم مبالاة، بدليل أننا سائرون في غينا، لاهون في متعنا، وكأننا مُنحنا عهد أمان من ربنا سبحانه وتعالى.

وقال إن المعاصي والظلم الذي إذا عم وطغى، وسكت عنه، فإنه يُعرض البلاد والعباد لغضب الله تعالى؛ فيعمها الخوف؛ من رفع للأمن وشدة المؤونة، وتنافر بين الناس، وما يتبع ذلك من المصائب والكوارث والبلايا. إن نشر الخلاعة والمجون والفجور بين الناس بمختلف مسمياته لمن أعظم الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها العدو في إسقاط الأمة؛ لأنها تخرب الذمم، وتسقط المروءة. فإذا وقع ذهبت القوة، وضاعت الهيبة، ولو لبس صاحبها جلود السباع، وامتلك جميع السلاح؛ لأن أسباب القوة الصحيحة ما أرشدنا إليه المولى عز وجل في قوله: «استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين».

إنّ أمتنا أمة الرحمة، وأمة القوة، فلم يبعث رسولها صلى الله عليه وسلم إلا بالرحمة: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» شهادة مسطرة في كتاب الله تعالى، لم تكن قولا نظريا لا واقع له، وإنما كانت فعلا عمليا مارسه المصطفى - صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها مع الناس كافة. كما أنها أمة القوة والعزة والمنعة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..»؛ ولذا كانت ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله. ليعلم الناس أن هذه الرحمة ليست ضعفا في الأمة؛ فيطمع الطامعون فيها، ولكنها تستند إلى القوة التي ترد من تسول له نفسه الاعتداء عليها أو النيل منها.

نعم؛ لهذا وجب أن تتربى الأمة على العزة والقوة والمنعة حكاماً ومحكومين، إنها أمة كتب عليها القتال، أي فرض، وما دام قد فرض عليها هذا القتال فلابد أن تكون مستعدة لأي طارئ يدعوها إلى رفع علم الجهاد.

ولأنها أمة محسودة على ما آتاها الله تعالى من فضله ديناً صحيحاً، وعقيدة واضحة سليمة، لا ضلال فيها ولا ابتداع، لقوله تعالى: «ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق..» وكما يحسدوننا على صحة ديننا، فإنهم يحسدوننا على ما أنعم الله تعالى به على بلادنا من خيرات؛ أفنتركهم يتسلطون علينا ويحرفونا عن ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ويسرقون خيرات بلادنا، ونحن فاغروا أفواهنا؟

إننا نرى دول وشعوب العالم تأخذ بمعاقد القوة، وعزائم الأمور، وتعمل بدأب صادق على تمكين دولها، وإعداد شعوبها إعدادا يؤهلهم لمقارعة أي عدو يحاول الاعتداء عليها، صونا لهيبتها، وحفظا لسيادتها وكيانها.

انظروا إلى العدو القريب منا، كيف يسعى الى امتلاك أقوى الأسلحة، انظروا إليه كيف يعد شعبه ويمده بأسباب القوة كلها. انظروا إلى الكيان الصهيوني ودأبه المستمر لامتلاك القوة المادية بمختلف مسمياتها، ولنعلم أن الكيان الصهيوني رجاله ونساؤه جميعاً مدربون تدريباً عسكرياً. فأين المسلمون من هذا كله؟ العجيب أنهم كتب عليهم القتال والجهاد؛ إلا أنهم اليوم ليسوا على استعداد لخوض أي معركة دفاعا عن دينهم وعقيدتهم وأرضهم، كل ذلك بسبب الأنظمة والقوانين الدولية المقيدة للمسلمين فحسب، وها نحن نرى بلاد المسلمين تنتقص وتجزأ، ويعتدى على شعوبها وليست عندنا القدرة ولا الاستطاعة للدفاع عنها ولا حماية المسلمين المستضعفين المضطهدين الواجب علينا شرعا نصرهم ورفع الظلم عنهم.

إننا لاهون في أوطاننا، معظم الحكام ليسوا على استعداد لاستبدال طاقم البطانة والمستشارين من حولهم، من بطانات السوء التي تحذرهم من شعوبهم وتخوفهم من خطورتهم، لتكون حاجزاً مانعاً من وصول الحقائق إلى الحكام. وهذا أخطر ما يتهدد الأنظمة بوصول المعلومة المضللة.

إنه رغم التحولات والمتغيرات الحادثة في العالم، وقيام الثورات العربية، فإنه لايزال الوضع في بلداننا على ما هو عليه في التعامل مع شعوبها! وإنه كان من المفترض ونحن نعيش هذه المرحلة التي تقذف بحمم التغيير من كل جانب، وتكاد تصل إلينا وما هي عنا ببعيدة، ولعلني أشير هنا إلى أمرين خطرين تشعر الشعب البحريني الأصيل بشدة الاستياء: أولها وأخطرها: هذه الفوضى التي ترتكب والتي لا يعلم الشعب متى ستحسمها الدولة وتنتهي منها لتعيد الى البحرين أمنها واستقرارها، شريطة أن يعاقب مثيروها ويطبق القانون بحذافيره، ويقام القصاص العادل على المعتدين. وثانيها ولا يقل خطرا عما سبق وهو أن الناس تحترق قلوبها على ما يحدث في البحرين وعلى المجازر التي يتعرض لها أهلنا في سوريا من دون مراعاة للمشاعر، تصر الدولة على أن تثبت للعالم ألا مشكلات عندنا، وكأن العالم لا تصل إليه الأخبار أولاً؛ ولهذا ترانا نجري المسابقات الرياضية المكلفة، ونقيم الاحتفالات والمهرجانات، وكأننا لا نعاني إجراما يؤرقنا. نريد أن نوهم العالم، وفي الواقع نوهم أنفسنا. إن أرقى ثقافة وأسمى عطاءً هو من يملك ثقافة لو آمن بها منظمو هذه المهرجانات لقدموها على تلك الثقافات الغريبة البعيدة عنا، والمكلفة لميزانياتنا.

إن ما يثيرنا، ويحز في نفوسنا، ويلح على ضمائرنا الأذى ما يصيب أهلنا في الشام، فهل نحن بهذه المهرجانات والمخالفات سنرتقي بثقافتنا وبدولتنا، ونحن نعيش أحداثا مثيرة، ومؤامرات خطيرة.

إن هذا لهو الخزي والعار المؤكد إذا رضيت الشعوب بمثل هذه المهازل المهلكة المردية، وهي ترى الاعتداء السافر الغاشم على الإسلام وعلماء الإسلام، وثوابت الإسلام، ودعاة الإسلام، حملات خبيثة ماكرة موجهة بقصد تشكيك الأمة في دينها، وعلمائها وصالحيها، فخذوا حذركم، وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من أسباب القوة، وتوكلوا على ربكم، واثبتوا على الحق، فالسعيد من ثبته الله تعالى على دينه، ولم يفتتن بما يلقيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول غرورا: «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة