الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٢ - الثلاثاء ٢٧ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٤ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ومَن مثلُكَ يا عُمر؟!





رُوي أنّ الناس إذا وقفوا للحساب بين يدي الله عزّ وجل يوم الحساب، نودي بالحكّام والأمراء فأوقِفوا وسئِلوا عن كل صغير وكبير مما استرعاهم الله، يقول لهم ربّ العزّة:

ولّيتكم رقاب عبادي فهل قمتم بحقي وحقهم، فيقول حاكمٌ منهم: «أي رب، عجزت»، فيقول ربّ العزّة: «ولكن عمر لم يعجز»! إنّه عمر الفاروق، حجّة الله على كلّ أمير وحاكم.

عمر الفاروق الذي أعجزَ من بعده، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وثاني خليفة للمسلمين، في عهده فتحت بقية العراق وشرقه كما فتحت مصر وليبيا والشام وفلسطين وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينيا وأفغانستان (سجستان سابقا). في عهده فتح بيت المقدس في قصّة هي من روائع قصص التاريخ، جمعت بين العزّة والكبرياء والعظمة والتواضع.

عمر الذي قضى على إحدى أكبر قوتين في زمانه وهي الدولة الفارسية الساسانية، كما أنهى الوجود البيزنطي في مصر والشام.

دفن بقرب الحبيب محمد بالمدينة المنورة، وهو الذي كان آخر ما تلفّظ به قبل موته وخدّه على الأرض ملتصق بالتراب: «ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي»! هذا عمر فماذا نقول نحن المساكين؟!

كم أحب الناس أنّ يتسمّوا باسمه، وأن يلتصقوا بخُلقه، وأن ينهلوا من دروسه التي امتلأت بها كتب التاريخ عدلاً وورعاً وتواضعا. لله درّك يا ابن الخطاب، لقد أرهبت الشياطين حياً وميتا.

قصّة وعبرة: أرسل إلي رجل يقول: كنت أتسوق وابني في أحد الأسواق الكبيرة، وعند مرورنا قرب مكان الأطعمة جذب انتباهي طفل قارب عمره ١٠ سنوات، يفارق أهله ليقترب من مكان وُضع فيه نوع من المأكولات - يسترق البصر - ليأخذ قطعة منها ويضعها في فمه وهو ينظر إلى أهله من دون أي رد فعل من قبلهم.

يكمل الرجل: تذكرت حينها قصة رَوتها لي والدتي رحمها الله عندما كنت طفلا، وأنا اليوم تجاوزت الخمسين عاماً ومازلت أتذكرها وأرويها لأولادي. مختصرها أن طفلا جاء يوما إلى أمه حاملاً بيضة، فاستقبلته أمه بفرح وسألته من أين لك هذه البيضة؟ فأجابها على الفور وببراءة الأطفال أخذتها من بيت جارنا! فربتت على كتفه ومدحت فعلته. ثم جاءها بعد أيام بدجاجة، فسألته نفس السؤال وكان جوابه حاضراً فمدحته على فعلته تلك. ومرت الأيام وشبّ الولد وهو في كل مرة يأتي أمه بشيء ظانا أنه بار بها ويريد إسعادها حتى أصبح رجلاً وهو على هذه الحال، يأتيها بكل شيء ليلقى منها كلمة الشكر والعرفان والمدح! وبالطبع كبُرت البيضة وأصبحت شيئا عظيما أودى بهذا الرجل إلى حبل المشنقة. فلما جاء يوم تنفيذ الحكم به قيل له ما هي رغبتك الأخيرة؟ فقال أريد أن أقبل أمي. فجيء بأمه لكي يقبلها، فقال لها أخرجي لسانك لكي أقبله فلما أخرجته قطعه بعضة من أسنانه، وقال هذا الذي أوصلني إلى هذا المصير.

الشاهد من هذا كله، أننا نترك أبناءنا من دون توجيه وإرشاد وتربية، ونريد أن نرى فيهم رجالا يفتحون بيوتا ويكوّنون أسرا ويبنون أوطانا. انتهى

آخر السطر: أعظم المصائب أن تجد أنّ هناك أماً أو معلّمة تحتاج إلى تربية وتهذيب، حينها تنعقد الألسن وتضيع الحروف والكلمات!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة