الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٥ - الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


غرائب ما يحدث في لبنان.. احتفاء بعميد عميل لإسرائيل!





خرج من السجن بتهمة العمالة والاتصال بالعدو الاسرائيلي ليجد بانتظاره استقبالاً حافلاً كاستقبال الابطال. بين صفة العميل والعميد، قد يحار المرء في توصيف فايز كرم، العميد المتقاعد من الجيش اللبناني، الذي انهى محكوميته مدة عام ونصف عام مستفيداً من خفض السنة السجنية إلى تسعة اشهر. حقا انه لبنان بلد المفاجآت والمفارقات. تتجسد هذه الحقيقة في مجرد رؤية كرم وهو يفتح زجاجات الشمبانيا احتفالا بـ«براءته» المزعومة، وسط حشد من الانصار. ليس ذلك فحسب، لا بل انه توجه مباشرة من غرفته في سجن الريحانية إلى مقر رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الحليف المسيحي لـ«حزب الله» الذي يرفع شعارات المقاومة والنضال، فهل هناك مفارقة أكبر من ذلك؟

لم يجد عون حرجاً في استقبال كرم رغم وثيقة التحالف التي وقعها مع «حزب الله» منذ سنوات، واللافت ان الاخير لم يصدر أي موقف مستنكر لهذه الخطوة ولم يطالب كما سبق أن عهدناه بتشديد العقوبة على العملاء لا بل فضلت قيادته تجاهل خبر خروج كرم من السجن وزيارته للرابية كأن شيئاً لم يكن. فلماذا هذه الازدواجية في التعاطي مع العملاء؟ ولماذا فضل الحزب السكوت عن احتضان حليفه لعميل ثبتت ادانته؟

«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:

بكل بساطة خرج العماد ميشال عون ليؤكد انه لا يجد حرجا في استقبال فايز كرم فور خروجه من السجن كون الاخير قضى محكوميته «ودفع ثمن غلطته». لكن الحقيقة ان خطوة كرم وضعت التيار الوطني الحر و«حزب الله» في وضع لا يحسدان عليه.

لطالما طالب «حزب الله» بتشديد العقوبات على المتعاملين مع العدو الاسرائيلي الذين مدوه بمعلومات سهلت مهماته بقتل اللبنانيين وتدمير بلادهم، لكنه امام حالة فايز كرم التزم الصمت والسكون كأن على رأسه الطير.

احتفاء بالعميل

كرم، الذي كان رئيساً لفرع مكافحة التجسس في مخابرات الجيش اللبناني بين عامي ١٩٨٨ و١٩٩٠، استغل الغطاء السياسي الذي واكبه منذ توقيفه حتى الافراج عنه، خفف حكمه إلى عام ونصف عام رغم ثبوت تعامله مع العدو، كما ان حقوقه المدنية لم تسقط عنه.

تجدر الاشارة إلى ان كرما كان قد اعترف بعمالته، في أثناء التحقيقات الأولية، وأكد انه تعرف إلى ضابط اسرائيلي يدعى موسى في عام ١٩٨٢ والتقى اسرائيليين كثرا، كما ان آخر اتصال جرى مع جهة اسرائيلية كان في عام .٢٠٠٩

في مختلف بقاع العالم، يخرج العميل من السجن مطأطىء الرأس، يشعر بالعار، ويتمنى لو انه يستطيع ان يختفي عن الانظار فيما تنفض الحشود من حوله ويؤشر اليه بالاصابع كونه خان وطنه وادلى بمعلومات للعدو أودت بحياة العديد من المواطنين، لكن ما حدث في حالة كرم كان العكس تماماً، لأنه مدعوم سياسيا من جهة نافذة، خرج من السجن كما لو أنه عائد من السفر بعد طول غياب. حمل على الاكف، هلل له رفاقه وانصاره من التيار السياسي نفسه، استقل سيارة فارهة وسط موكب مهيب، واستقبل في صرح سياسي بارز.

استفزاز اللبنانيين

الصور التي نشرت لفايز كرم فور خروجه من السجن وهو يحتفل ويرش على رأسه الارز والورد استفزت الكثير من اللبنانيين الذين تساءلوا عن موقف «حزب الله» من العملاء، وما تحرير فايز كرم بهذه الطريقة الا ترخيص لمفهوم العمالة، بحيث اصبحت العمالة وجهة نظر. فمن الواضح ان كل الافرقاء في لبنان يكيلون بمكيالين، حيث تبنى المواقف على انتماءات عصبية، وسياسية، ومذهبية. حتى «حزب الله» الذي يرفض العمالة بشكل قاطع ويرى فيها خيانة لدماء شهدائه الذين سقطوا دفاعا عن الوطن ارتأى السكوت مقابل مصالحه السياسية.

«حزب الله» لم يشتك من المحاكمة البائسة التي مر بها كرم او من الحكم الهزيل الذي نفذه رغم انه كان المحرك الأساسي، أو أحد أبرز المحركين لخلايا العملاء الذين تساقطوا بشكل سريع قبيل وبعد توقيفه. علما أن العميد العميل لم يبد الندم على جريمته أو يحاول تسويغها ووصل به الحال إلى الزعم بأن القصة بمجملها سياسية ابتداء باعتقاله ومرورا بمحاكمته وسجنه بعد ثبوت التهمة وليس انتهاء بالافراج عنه.

وكان الاعتقال قد تم على يد فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي اللبناني المتهم من قبل العماد ميشال عون بأنه محسوب على تيار المستقبل من دون أن يغفل أحد أن الضربة كانت دليلا على احترافية هذا الفرع ومهنيته، كذلك كانت الصدمة شديدة في أوساط «حزب الله» الذي سارع لإرسال فريق أمني خاص إلى منزل العماد عون المصدوم للكشف عن أي معدات تجسسية ربما يكون كرم قد زرعها في منزله الذي كان يستقبل فيه قيادات من «حزب الله» ولم يجد العماد عون مثالاً غير التذكير بأن من تلاميذ السيد المسيح من كان خائناً وقد سلم المسيح لأعدائه، وهكذا وبخطاب متشنج كالعادة رأى العماد في نفسه شبيهاً بالمسيح وفي كرم التلميذ الخائن في محاولة بائسة لاستثمار المناسبة بشكل عكسي. لكنه اليوم وبعد خروج كرم من السجن عاد واستقبله برحابة صدر من دون ان ينكر عمالته بل قال انه دفع ثمن غلطته.

موقف «حزب الله»

المدهش أن الحزب وبعد خروج كرم لاذ بالصمت الكامل وتجاهلت أجهزة اعلامه الحادثة الفضيحة خشية إحراج حليفه المسيحي الذي يسعى من خلال التحالف معه إلى ابعاد الصبغة الطائفية التي تدمغه، وهكذا تم حبس قضية التجسس والعمالة مع صاحبها اعتماداً على فضيلة النسيان التي قد تصيب المجتمع اللبناني.

لكن المهرجان الاحتفالي اثار حفيظة الكثير من اللبنانيين، ومن ذوي الموقوفين في قضايا اخف من العمالة ممن لايزالون قيد الاحتجاز من دون ان تجرى محاكمتهم ومنهم المعتقلون الاسلاميون. واحتجاجاً على عدم إطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين وعدم محاكمتهم على الرغم من مرور ما يزيد على أربع سنوات على توقيفهم، في حين تصدر الأحكام سريعاً بحق العملاء ثم تشرع لهم القوانين لإطلاقهم من السجن فوراً كما حصل مع العميل فايز كرم، قامت تظاهرات عدة في طرابلس وعدد من المدن اللبنانية، ورفع المئات لافتات دانت «سياسة الكيل بمكيالين في أداء السلطتين القضائية والسياسية».

وتساءل المتظاهرون بحسرة: «ابناؤنا يعتقلون كل هذه السنوات ولا حل يذكر حتى اليوم بينما العملاء يخرجون من سجونهم بأقل من سنتين كما خرج العميل كرم، العميل الخائن خيانة عظمى لوطنه وبواسطته دمر ما دمر وقتل من قتل من أبناء لبنان يخرج بهذه السرعة».

تحرك المجتمع المدني

في السياق نفسه، عمد ناشطون من المجتمع المدني إلى اقامة تجمعات متفرقة في محيط المحكمة العسكرية احتجاجاً على إطلاق العميد كرم رافعين لافتات منها «من أقوال فايز كرم: أنا عميل» في اشارة إلى اعترافه بالعمالة، و«فايز كرم حر وشهداء وطني عملاء»، و«تبا لزعماء جعلوا من العمالة وجهة نظر».

واذ وصفت هيئات شبابية كرما الذي يعتبر انه «عميل خمس نجوم»، وصفه بعض الصحف بأنه «يوضاس العصر»، واعتبر هؤلاء «ان العميل يبقى عميلا مهما فعل ويبقى مدانا مهما ادعى من مظلومية.. وقد اعتدنا ان نحتفي بأسرى محررين من سجون العدو الاسرائيلي، وان نحيي ذكرى شهداء قاوموا عدو الوطن الاوحد، لكن المشهد كان معيبا، ان نرى مظاهر الاحتفاء بعميل للعدو يخرج من سجنه، على عينك يا تاجر، في مشهد بدا بمنزلة اهانة لكل المقاومين والشهداء والشرفاء في الوطن، كما بدا عرسا للعمالة امتد من الرابية (مقر النائب ميشال عون) إلى زغرتا (مسقط كرم) إلى تل ابيب السعيدة بتحرير عميل من وزن كرم، كما لو انه تطبيع للعلاقة مع العدو الاسرائيلي او تعهد بالتطبيع».











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة