الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٧ - الثلاثاء ١ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين


ضمن برنامج التكيف مع الأزمات الأطفال أكثر حزنا من البالغين





في إطار البرنامج الإرشادي «التكيف مع الأزمات» الذي تقوم بتنظيمه اللجنة الوطنية للطفولة تحت رعاية وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية الدكتورة فاطمة البلوشي، ضمن برنامج الوحدة الوطنية الاجتماعية «وِحدة وحَده» أدارت أستاذ مساعد بقسم علم النفس كلية الآداب بجامعة البحرين دكتورة أماني عبدالرحمن قاسم الشيراوي ورشة تحت عنوان «دليل المرشدين في مساعدة الأطفال في التكيف مع مشاعر الأسى المرتبطة بالفقد.

اشارت خلالها إلى أن الموت يمثل إحدى حتميات الحياة، إلا إن الأسى والحزن والمحنة المرتبطين بمشاعر الفقد لأشخاص مهمين ومقربين في الحياة، يشكل حتمية أخرى تضاف إلى واقع الحياة الإنسانية، ومن الطبيعي أن تستغرق مرحلة الحزن والأسى بعض الوقت لحين التمكن من تقبل واقع الفقد ومن ثم القدرة على الانتقال إلى دورة حياة جديدة للتعايش مع واقعها ومحاولة التكيف معها.

وأكدت د. الشيراوي أن فقدان الأسرة لأحد أعضائها أحد أصعب الخبرات المؤلمة التي تواجهها خلال دورة حياتها، وخاصة إذا كان هذا الفقيد يمثل ركنا أساسيا في بناء هذه الأسرة كالأب أو الأم الذي يمثل فقد أحدهما أو كلاهما ضغطا نفسيا شديدا على الأبناء قد يؤثر على جوانب حياتهم، بل إن حالة الاضطراب التي تعقب الوفاة قد تؤثر سلبا على الأبناء أكثر من موضوع الموت بحد ذاته، موضحة ان التأثير النفسي لا يؤثر فقط على فئة الراشدين والمراهقين أكثر من فئة الأطفال، لأنهم لا يدركون معنى الموت وبالتالي لا تتسم معاناتهم بنفس الدرجة من الألم، إلا إن كثيرا من الباحثين يؤكدون أن الأطفال قد يحزنون بعمق وفترات زمنية أطول من البالغين ولكن طريقة تعبيرهم عن إحساسهم بالفقد تختلف عن الأشخاص البالغين، ويفسر الباحثون عدم إدراكنا ذلك في ضوء القراءات غير الصحيحة لأسلوب الطفل في التعبير عن نفسه وقلة المخزون اللغوي التعبيري لديه، الأمر الذي قد يجعل المحيطين به يخلط بين انهماكه وانشغاله باللعب أثناء فترة الحداد وبين حزنه المكتوم غير المرئي بالنسبة للمحيطين به، والذي يتخذ فيه اللعب وسيلة للتعبير والتفريغ الانفعالي كأحد الأدوات الدفاعية التي يجيد التعبير عنها، بل إن كثير من الدراسات قد بينت أن الطفل يدرك فقده لوالديه حتى في مرحلة الرضاعة ولكن مفهوم الطفل للموت ورد فعله تجاهه قد يختلف باختلاف مرحلته النمائية تبعاً لاختلاف التفكير العاطفي والمعرفي عند كل مرحلة.

لذا فإن الفهم الصحيح لكيفية إدراك الطفل لمفهوم الموت وفق مرحلته النمائية سوف يساعد في تقديم المساندة النفسية والعلمية الملائمة له، وتجنب الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن عدم فهمنا للمساعدة المطلوب تقديمها للطفل وفق إدراكه الخاص.

وتوضح د.أماني الشيرواي إن النتيجة الحتمية لعدم فهم الأطفال لمفهوم الوفاة هو اعتقادهم إنها حالة مؤقتة كالمرض مثلا وان آبائهم سيسافرون لفترة وجيزة ثم يعودون للحياة مرة أخرى، وقد يعبر الطفل عن رفضه للفكرة عن طريق غضبه من المتوفى نفسه لأنه تركه وحيدا، وقد يشعر بالغضب من المستشفى أو الطبيب لعدم قدرتهم على شفاء والده وقد يمثل الغضب قناعا يحاول فيه إخفاء خوفه وإحساسه الشديد بالفقد، مبينة إن الخوف والقلق رد فعل طبيعي وشائع عند الطفل حيث يستشعر عدم ألإحساس بالأمان لعدم قدرته على تفسير ما يحدث أمامه، ويبدأ في التساؤل من سيرعاني؟ هل يمكن لأمي أن تتغلب على حزنها؟ هل سيتوفى احد والدي أيضا؟ أين سأذهب عندما أموت؟ وهل سأموت أنا أيضا؟... وهكذا ويلاحظ أن معظم الأطفال يمرون بهذا الشعور حتى يصلوا إلى مرحلة إدراك واقعي لمفهوم الموت، ويعبر الأطفال عن خوفهم من خلال الأحلام المفزعة والتبول اللاإرادي، ألام المعدة، إضافة إلى ملاحظة تراجع الأطفال إلى مرحلة سابقة لطفولتهم، موضحة أن الشعور بالذنب والمقايضة احد المشاعر التي تسود لدى الأطفال مع اختلاف أعمارهم، إذ يشعر بالذنب لاعتقاده بأنه المسئول عن وفاة احد والديه نتيجة لسوء تصرفه، وقد يتمنى الطفل عودة الزمن إلى الوراء لتعديل سلوكه الذي يعتقد انه السبب في وفاة احد والديه.

وتقول دكتورة الشيراوي إن مرحلة الرضاعة احد المراحل العمرية التي يشعر خلالها الطفل بفقد احد والديه إذ لا يدرك معنى الموت، ولكنه يفقد العناصر المرتبطة بوجود المتوفى كصوته ورائحته وملامح وجهه وحركته أمامه، كما يلاحظ انخفاض مستوى الاهتمام به ويعبر عن انزعاجه بتكرار بكائه وتغير عادات نومه وتناول طعامه وغير ذلك، مشيرة إلى ضرورة محاولة الإبقاء على الروتين اليومي في إطعام الطفل والعناية به أو التعاون مع المحيطين والأقارب المعتاد على الرضيع ووجودهم مسبقا في حياته، أما في المرحلة العمرية من عامين إلى خمس سنوات، فيبدأ الطفل في ادراك مفهوم الموت ولكنه يعتقد انه مؤقت وليس دائما، وان غياب والده هو حالة مؤقتة كالسفر والنوم ثم سيعود بعدها إلى الحياة، وتبعا لذلك نجده يتساءل كثيرا عن موعد عودة الأب، وقد يتشتت في تفسير معنى إجابات المحيطين مثل إن والده ذهب للأبد أو إنه سوف ينام لفترة طويلة.

وتؤكد الشيراوي ان الطفل في هذه المرحلة يتمنى أن يتوقف ألم والده المريض ثم يفاجأ بأن الألم توقف بوفاته، وهنا تنتابه مشاعر الذنب لاعتقاده بان وفاه والده هو عقاب له على سوء تصرفه ويعتقد إن عودته ممكنه في حال اعتذاره، لذا يجب في هذه المرحلة مناقشة فكر الطفل وتأكيد أنه ليس مسؤولا بأي شكل من الأشكال عن وفاة والده.

وتضيف د. أماني ان الطفل من عمر خمس سنوات إلى ثمان يدرك الفرق بين الأحياء والأموات، ولكن شعوره بالذنب يظل مستمرا مع إدراكه ان الموت مرحلة مستمرة وليست مؤقتة، فينتابه الشعور بالخوف كون الموت عملية مستمرة قد تحدث لوالدته أيضا كما حدثت لوالده، وقد يظن انه أشبه بالعدوى وقد تصيب أشخاصا قريبين منه بمن فيهم هو نفسه، ويفضل في هذه المرحلة مشاركة الطفل تفكيره، وتأكيد إجابة أسئلته بصدق حتى لا يستشعر مسئوليته عن وفاة الفقيد، وطمأنته بأن مشاعر الحزن هي مشاعر طبيعية.

وتتطرق أستاذ مساعد بقسم علم النفس كلية الآداب بجامعة البحرين دكتورة أماني الشيراوي إلى الطريقة المثلى للتعامل مع الطفل من قبل المحيطين به، مشيرة إلى ضرورة توفير مكان خاص للطفل بالمدرسة متى شعر برغبته في الانفراد أو البكاء، ويكون هذا المكان غير معزول عن مراقبة المرشد النفسي المدرسي، وطمأنته بأنه قادر على الاتصال بذويه وقتما يشاء، مع ضرورة تهيئة الطلاب للتعامل من زميلهم قبل عودته إلى المدرسة، من ناحية تقبل أي تغير قد يطرأ على سلوكه، وإبداء التعاون مع الأسرة لتدارك تأخر الطفل دراسيا حيث أكدت الدراسات ان كثيرا من الأطفال قد يصبحون اقل قدرة على التركيز إبان مرحلة الحداد النفسي، ويتسم سلوكهم بكثرة النسيان، إضافة إلى تشتت انتباههم، وتزايد نشاطهم الحركي، وعدم قدرتهم على الجلوس فترات على كراسيهم، كذلك، عدم قدرتهم على إكمال واجباتهم المنزلية مما يجعل بعض المدرسين يشخص حالة هؤلاء الأطفال ضمن النشاط الزائد أو صعوبات التعلم.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة