إنشاء محكمة لحقوق الإنسان العربي
خطوة رائدة... ورؤية ثاقبة لجلالة الملك
 تاريخ النشر : الجمعة ٤ مايو ٢٠١٢
تحقيق: زينب حافظ
«حقوق الإنسان» أصبحت هذه الكلمة بمثابة الجوكر الذي يتردد على السنة المجتمعات المحلية والعربية والعالمية كافة ، في حال حدوث ما يعكر صفو هذه المجتمعات سواء كان على حق أم باطل، ومملكة البحرين ليست بمنأى عما يحدث في العالم، ومن هذا المنطلق طالب جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإنشاء «محكمة عربية لحقوق الإنسان»، وقد وجدت هذه المبادرة صدى واسعا من الارتياح والتقدير في أوساط المجلس الوزاري للجامعة العربية في القاهرة، وأشاد بها أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بالقول: «إن هذه المبادرة تدل على تطور حضاري وفكري وقانوني وسياسي، وهو تطور على درجة كبيرة من الأهمية في هذه المملكة الفتية الناهضة».
ومطالبة جلالة الملك بإنشاء هذه المحكمة تؤكد مدى الحرية والديمقراطية اللتين تنعم بهما مملكة البحرين، بالإضافة إلى حرص جلالته على أن يأخذ كل ذي حق حقه الذي كفله له الدستور والقانون، ورفع وصاية الدول الخارجية عنا، وكف يد المنظمات الأجنبية عن التدخل في شئون الدول العربية الداخلية.
وهذه المحكمة من شأنها النظر في كل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان سواء السياسية منها أو المدنية، ومن حق أي مواطن لم يجد الإنصاف من محاكم دولته أن يلجأ إلى محكمة حقوق الإنسان العربية لأنها ستصبح الجهة الأعلى للتحكيم في القضايا كافة .
أخبار الخليج التقت مجموعة من القانونيين والشوريين والنواب والحقوقيين والسياسيين أيضا لمعرفة رأيهم في إنشاء مثل هذه المحكمة، وهل هي ضرورية في ظل ما يسمى الربيع العربي؟ هذا ما سوف نلقي عليه الضوء خلال السطور التالية:
كان لقاؤنا الأول مع عضو مجلس الشورى الدكتور الشيخ خالد آل خليفة الذي بدأ حديثه قائلا: كما عودنا جلالة الملك على المستويين الوطني والإقليمي ان يخرج علينا بين الحين والاخر برؤى متقدمة جدا في التفكير والاطلاع، فمنذ بداية تقدمه بمشروع الوفاق الوطني حتى يومنا هذا يتجلى جلالته بمشاريع متقدمة جدا على المجتمع وعلى المستوى الإقليمي.
رؤية ثاقبة
وإنشاء محكمة لحقوق الإنسان على المستوى العربي لم يسبق لأي من الحكام العرب أو السياسيين أن تطرق لمثل هذا المشروع، الذي لم يأت من فراغ، فجلالته مطلع على الأوضاع العالمية ومتابع لكل التحركات السياسية على المستويين العالمي والإقليمي فاليوم لدينا منظمات حقوق إنسان بمختلف الأشكال والتوجهات وبمختلف الدعم المالي، ومنها من يعمل لصالح دول كبرى وأخرى تعمل لمصالح شخصية، لهذا يأتي السؤال لماذا نضع أنفسنا نحن العرب تحت رحمة هذه المنظمات التي يتم استقبالها من مختلف الدول سواء الإقليمية أو الدولية؟ ولماذا لا يكون لنا كياننا الحقوقي على المستوى العربي؟ وهل نحن عاجزون عن تحقيق مثل هذا الكيان كي نبقى أدوات في أيدي دول كبرى تتحكم بمصيرنا من خلال مثل هذه المنظمات؟ وهل نعجز عن أن نقف موقفا عربيا واضحا وشفافا ضد قضايا حقوق الإنسان؟ وهل المعايير الدولية التي تتبعها هذه المنظمات الدولية هي نفسها التي تطبق على الدول الغربية وأكثرها وضوحا في الأمثلة هو تعاملها مع إسرائيل ومع بعض الدول العربية؟ وبلا شك فقد تمت تغييرات سياسية كبيرة خلال السنوات الماضية على المستوى الحقوقي وخاصة ان المنظمات الدولية كمحكمة الجنايات الدولية تعتمد اعتمادا أساسيا على تقارير تلك المنظمات وان كان بعضها ملفقا، وخلال العام الماضي تبين لنا ان اكبر المنظمات الدولية وهي هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن اعتمدا اعتمادا أساسيا على الجامعة العربية في مواقفهما وخاصة إزاء التحولات السياسية في بعض الدول العربية فيما يسمى الربيع العربي، ولذلك فان إنشاء محكمة تختص بحقوق الإنسان العربي سيكون لها صدى ومصداقية لدى المنظمات الدولية الكبرى، ولن نظل تحت رحمة الدول العظمى في اتخاذ مصير سياسي لبعض الدول العربية، وخاصة عندما لا تكون المصادر التي تعتمد عليها تلك الدول مصادر موثوقا بها، فنحن العرب اقرب إلى مصادرنا وإلى الحقيقة التي نعيشها يوميا من الاعتماد على وفود لمنظمات خارجية لا نعرف توجهاتها ومن يتبعها في الخلف، ومن الأولى أن نعتمد على أنفسنا ونقف وقفة واحدة ضد أي انتهاكات لحقوق الإنسان بأنفسنا، ونحن أولى بأن نرعى إخواننا العرب في أي إقليم عربي، من أن نتنصل من مسئولية الدفاع عن إخواننا أينما كانوا.
تبني المشروع
وعن آلية هذه المحكمة وتكوينها يقول الشيخ خالد: لا شك ان في هذه المرحلة الأولية لا توجد آلية واضحة وهيكلية لمثل هذه المحكمة ولكن على الجامعة العربية عند تبني هذا المشروع الاعتماد على الهيكليات والآليات للمنظمات الدولية في تكوينها وهل نحتاج إلى ملاءمة هذه الهيكليات والآليات بما يخدم البيئة العربية في مثل هذه القضايا؟ وفي اعتقادي فان الجامعة العربية انتقلت مؤخرا إلى مرحلة أكثر تنفيذية في حل بعض القضايا وخاصة المتعلقة بالربيع العربي في ليبيا ومصر واليمن ومؤخرا في سوريا بالرغم من أن البعض يعتقد أنها فشلت في حل تلك القضايا فان الممارسة التي مارستها الجامعة العربية مؤخرا نقلتها إلى مرحلة جديدة غير مسبوقة في المشاركة في حل القضايا العربية وفي اعتقادي ان المحكمة العربية هذه يجب أن تستند إلى القوانين والأنظمة الدولية في حل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، ويجب الا تنظر أي دولة من الدول العربية الى ان هذه المحكمة تمس بسيادتها الوطنية بل بالعكس فان هذه الدول جزء من هذه المحكمة ولها وعليها في هذه القضايا ما يمكن أن تسهم فيه.
ويجب أن تتشكل هذه المحكمة من القضاة والقانونيين ولجان تقصي الحقائق وان يسهم فيها بعض المنظمات غير الحكومية من الدول العربية، ويجب الا ننظر لقضايا حقوق الإنسان على أنها مرتبطة فقط بالقضايا السياسية البحتة بل بالعكس هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالشئون المجتمعية التي يتعرض فيها الإنسان العربي لقرارات أو أحكام تنتهك حقوقه الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها، أو حتى المعنوية، ويجب أن نفهم ان مفهوم حقوق الإنسان واسع جدا، وانه ليس مقتصرا على الشئون السياسية والآراء أو ابداء الرأي أو المواقف السياسية فقط بل يتعرض للقرارات التي تحرمه من حقوقه المجتمعية ومنها ما يتعلق بالحقوق المدنية، ولنفرض ان أقلية في أي مجتمع عربي يصدر بحقها قرار مجحف يستثنيها من حقوق مدنية فهذا ما يمكن أن يرفع لمحكمة حقوق الإنسان العربية لكونهم عربا أولا وفي دولة عربية ثانيا وكذلك من الحقوق المدنية ما يتعرض بقضايا المجتمع المدني بداية من تربية الأبناء والزواج حتى نبلغ الحقوق السياسية.
خطوة فريدة
ويتطرق المدير التنفيذي لمعهد البحرين للتنمية السياسية والنائب الأول للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور عيسى الخياط إلى أهمية محكمة حقوق الإنسان العربية قائلا: لا شك أن المبادرة والدعوة الحكيمة اللتين أطلقهما حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بشأن تأسيس محكمة عربية لحقوق الإنسان هي خطوة متقدمة وفريدة من نوعها على مستوى الوطن العربي أجمع، بدليل ما حظيت به هذه الدعوة من إشادة عربية ودولية، وما أعقب ذلك من تأكيد المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الذي عقد في وقت سابق من العام الجاري المضي قدماً في تطبيق هذه الدعوة على أرض الواقع من خلال اللجنة المتخصصة التي ستعقد اجتماعاتها في البحرين لدراسة قانون وأنظمة محكمة حقوق الإنسان العربية.
وبالتأكيد، فإن هذه المبادرة ستعمل على حل العديد من المشاكل ذات الصبغة بقضايا حقوق الإنسان العربي، كما ستعمل كذلك على سد أي فراغ تشريعي داخل المنظومة العربية، وتعزيز احترام القانون وحقوق الإنسان، دونما التفكير في اللجوء والاحتكام إلى المحاكم الأجنبية التي تستند في فهمها لقضايا حقوق الإنسان الى مبادئ وقيم قد لا تتفق في جوانب عديدة منها مع القيم والمبادئ العربية والإسلامية.
نمتلك المقومات
وبتكريس هذه الثقافة، ثقافة حقوق الإنسان في الوطن العربي، ستنعكس آثارها على المواطن العربي وعلى نمط حياته، وعيشه، وطريقة تفكيره، وممارسته لحقوقه السياسية كذلك، أملاً في الوصول إلى سياسة ناضجة تؤثر بشكل إيجابي في مسار حياة المواطن العربي إجمالاً، وبالتالي في مجريات الحياة العامة السياسية في الوطن العربي، وذلك من خلال ما ستقدمه هذه المحكمة من ضمانات بعدم التعدي على الآخرين وانتهاك حقوقهم ومعتقداتهم السياسية التي يؤمنون بها نتيجة لاختلافهم مع الآخر الأقوى، فضلاً عن أن ساحة المحاسبة ستكون أوسع وأشمل ولن تفرق بين مواطن عادي ومواطن مسؤول.
فيما يقول الأمين العام لجمعية مراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ الوطن العربي مليء بالحضارات القديمة التي تؤكد اننا نمتلك كل المقومات كي نكون قادرين على احتضان مثل هذه المحكمة للذود عن حقوق المواطن العربي، فالديانات السماوية الثلاث التي تحث على الألفة والتسامح والحب والتفاهم خرجت من بلادنا العربية، وهي متعمقة الجذور لأنها تحث على مساندة الضعيف ضد القوي، ومع مرور الوقت تغير الوضع حيث تبنت الدول الأجنبية هذه الفكرة وقامت بإنشاء محاكم دولية متخصصة في هذا الشأن وعلى الرغم من اننا أحق بمثل هذا النوع من المحاكم فانهم بادروا إلى إنشائها، وعلى غرار ذلك فإن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين قد ارتأى أن هناك ضرورة قصوى لوجود مثل هذا النوع من المحاكم حتى تتولى إدارة شؤون الوطن العربي ومتابعة قضاياه، وخاصة ان طبيعة هذه المحاكم في أغلب الأحوال تكيل بمكيالين فمن يقوم بالاعتداء ويرتكب أبشع الجرائم يترك، أما الطرف الاخر فيتم تحوير كل ما يقوم به وذلك لتحقيق أغراضهم وأهدافهم السياسية مثل تغيير الأنظمة وغيرها.
وعلى الجانب الآخر نجد ان هذه المحكمة ستسهم في تفعيل جامعة الدول العربية بعد أن ضعف تأثيرها، فكلنا أمل أن يتم تفعيل البنود والقوانين كافة التي سيتم وضعها لقيام هذه المحكمة والا تكون حبرا على ورق لأنها بالفعل ستكون خطوة شجاعة من الدول العربية إذا وضعت لها الخطوات الحقيقية الصحيحة.
أسلوب خاص
ويرى رئيس جمعية الحقوقيين البحرينية يوسف الهاشمي أن الفائدة التي سيحصل عليها الوطن العربي من وراء إنشاء هذه المحكمة كبيرة لأنها ستسهم في حماية قضايا بلداننا العربية من المتاجرة الدولية وخاصة قضايا حقوق الإنسان وعلى الجانب الآخر نجد ان خصوصية المجتمع العربي تحتاج إلى أسلوب خاص في التعامل معها، فلو تم معالجة قضايا الوطن العربي من خلال هذه الجهات المتخصصة فإنها بلا شك ستكون بعيدة عن الاستغلال الغربي وذلك فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، فنحن بحاجة ماسة إلى مثل هذا النوع من المحاكم في الوقت الحالي، نظرا لان رقعة الوطن العربي تمتد إلى قارتين وبذلك سنكون قادرين على ان نحافظ على مكتسباتنا منعا للتدخلات الأجنبية في بلادنا.
تقول رئيسة دائرة حقوق الإنسان لتجمع الوحدة الوطنية د.منى هجرس في الوقت الحالي وبعد الأزمة التي تعرضت لها البحرين باتت ملفات حقوق الإنسان من أهم الملفات التي تشغل بال الجميع، مما أوجد الكثير من المغالطات من قبل ناس يدعون المظلومية وبالتالي فإن إنشاء هذه المحكمة في هذا التوقيت أمر جيد، لأنها بلا شك ستأتي بقضاة عادلين محايدين في الجانب الحقوقي ليتمكنوا بعد ذلك من الحكم في القضايا محل النزاعات بشكل يرضي الأطراف المتنازعة كما انه سيكون أكثر إنصافا لكل من يشكك في نزاهة القضاء.
النواب
أما عضو مجلس النواب الدكتورة سمية الجودر فتقول فكرة إنشاء هذه المحكمة تدل على حنكة واضحة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كونها تحتضن ثقافة حقوق الإنسان فضلا عن أنها ستكون المحكمة الأولى من نوعها التي تختص بقضايا الوطن العربي، وبشكل عام فإن إنشاء مثل هذا النوع من المحاكم من شأنه أن يسهم في تحقيق الهدف الأساسي الذي يتطلع إليه جلالة الملك من خلال هذا الاقتراح، وعلى الجانب الأخر نجد ان كل الأجهزة ستبدأ التركيز في مجال حقوق الإنسان والعمل على تطبيق بنوده، لان الجميع سوف يعي أن وجود مثل هذه المحكمة العربية الدولية تحمل بين طياتها أبعادا كثيرة على المستوى المحلي والخليجي والدولي والإقليمي.
ويؤيد النائب احمد الساعاتي إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، نظرا لأننا نحتاج إلى مرجعيات عربية في كل المجالات، تتفق مع خصوصياتنا كعرب، بعيدا عن المعايير الغربية وخاصة اننا كنا سباقين في تطبيق حقوق الإنسان التي حثنا عليها ديننا الإسلامي، وهذه الدعوة من لدن جلالة الملك تدل على شجاعة وسعة أفق وهي خطوة رائدة أن يكون لدينا محكمة على غرار الدول الأوروبية، وخاصة أن العالم العربي غني بالقضاة والقانونيين والدستوريين الذين يشاركون في محاكم دولية مثل لاهاي ومنظمات الأمم المتحدة، واحتضان البحرين لهذه الدعوة يتفق مع موقعها الحضاري وانفتاحها على الشرق والغرب.
.
مقالات أخرى...
- مشروع تحسين الأجور.. جيد ولكن! - (25 أبريل 2012)
- ٢٠٣٠ برؤى قانونيةالملتقى لحقوقي يحدد ملامحها - (23 أبريل 2012)
- زوار الفورمولا يتحدثون: رأينا البحرين آمنة - (22 أبريل 2012)
- بسبب الأحداث المؤسفة.. معاناة سوق العقار تشتد - (17 أبريل 2012)
- تجاوز الظالمون المدى فمالعمل؟ - (15 أبريل 2012)
- البحرين احتلت المرتبة الأولى إقليميا الحكومة الإلكترونية بالمملكة تماثل معايير الدول الرائدة - (13 أبريل 2012)
- بحريني وافتخر.. تجمع رائد لإبداعات بحرينية - (9 أبريل 2012)
- الخلاف بين وزيرة الثقافة والنواب.. كيف يراه الناس؟ الهجوم ضد ربيع الثقافة.. مفتعل ومتعمد - (6 أبريل 2012)
- قصة عمر.. تؤكد من جديد: الطائفية تجتاح مدارسنا - (4 أبريل 2012)