الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٢ - الأحد ٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٦ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


التعديلات الدستورية والحاجة إلى قوى وطنية في مستوى المسؤولية





} جلالة الملك يثبت يوما بعد يوما مدى مصداقيته، في تبني المشروعين الإصلاحي والديمقراطي، على أرضية المواطنة والوحدة والمشاركة، وعلى نهج التعددية والعيش المشترك بالتوجه نحو المصالح الوطنية الجامعة، وبما يضمن تطور بلدنا ويحفظ استقلاله وأمنه واستقراره في الوقت نفسه، هذا ما أكده جلالته في خطابه بمناسبة تصديقه على التعديلات الدستورية وحيث أكد أيضا أن أبواب الحوار مفتوحة والتوافق الوطني هو غاية كل حوار، مثلما أكد في خطابه أن الإصلاح الذي بدأ معه لن يتوقف، فالتطور هو سُنة الحياة، وما يأمله في هذه المرحلة المهمة، أن تبادر مختلف القوى والتجمعات الوطنية من ذاتها إلى تقويم عملها واللحاق بركب التطور والإصلاح.

} في كل بلدان العالم فإن إجراء أي تعديل أساسي على دستور البلاد هو من الإجراءات الصعبة التي تأخذ زمنا طويلا، ولا يتم التعامل معه بسهولة أو اعتباطية أو مثلا تحت ضغط فئة واحدة من الشعب، تكون غير متوافقة مع دستور البلاد الذي تعمل في ظله، ولذلك فهي لديها (أزمتها الخاصة) مع كل شيء، وتريد فرض موقفها أو رؤيتها على الشعب قسراً أو بالقوة، وعلى الرغم من ذلك فإن البحرين وخلال عقد واحد فقط، أجرت مرتين تعديلات أساسية في الدستور: الأولى: تعديلات٢٠٠١، والثانية: التعديلات الراهنة التي تم التصديق عليها قبل أيام وبما يعتبر نقلة مهمة وكبيرة في التجربة الديمقراطية البرلمانية وفي إعطاء المزيد من الصلاحيات إلى البرلمان، وتقليص صلاحيات مجلس الشورى، وبما يتيح فضاءً واسعاً للبرلمانيين في الرقابة وفي العلاقة مع الحكومة.

} دائماً كانت قناعتي أن تطوير أي بلد بقدر ما هو ذو صلة بالنصوص والقوانين والدستور، لكنه ذو صلة أكبر وأهم بالكفاءات والقوى الوطنية والرؤى التطويرية العملية وبالنيات السليمة وبالإرادة الذاتية لدى القائمين على المؤسسات المدنية والأهلية وليس فقط الحكومة وحدها، وأن مسألة (الوعي الوطني) و(الإخلاص الوطني) يلعبان دوراً كبيراً في شحذ القوى الوطنية، للعمل على تطوير البلاد والارتقاء بها على سلم التقدم والنهوض وليس على الإفساد فيها، وفي ذلك فان جلالة الملك حدد المفاصل المهمة التي من المفترض أن تحكم تجربتنا الديمقراطية والاصلاحية من حيث استنادها إلى عدة محاور مهمة مثل: التوافق الوطني، نهج التعددية، العيش المشترك، تكريس مفهوم المواطنة والوحدة والمشاركة الايجابية، وان ينبني كل ذلك في إطار المصالح الوطنية الجامعة وبحيث لا تتناقض عملية التطوير مع حفظ الاستقلال والأمن والاستقرار للبحرين.

} لذلك لم يكن اعتباطا ان يطلب جلالة الملك في صيغة الأمل، وفي هذه المرحلة المهمة من تاريخنا الوطني (أن تبادر مختلف القوى والتجمعات الوطنية من ذاتها إلى تقويم عملها واللحاق بركب التطور والاصلاح).

ونحن نعتقد ان هذه النقطة مهمة جدا بل شديدة الأهمية، بحيث لا تنحصر المسألة في أي تعديلات دستورية في ذاتها، من دون أن يتطور المتعاملون معها سواء قوى وتجمعات وطنية أو جمعيات سياسية أو برلمانيين، لأن المسألة ليست مجرد (حالة نظرية) وانما هي حالة تطور مشتركة على أرض الواقع، وجدلية متناغمة بين النصوص المتطورة وبين من يتعامل معها في الإطار الشعبي، وان تكون البوصلة ما بين النص وبين القوى المستندة اليه في عملها هي (المصالح الوطنية) وحدها والحفاظ على (الاستقلال الوطني) والحفاظ على (الأمن والاستقرار). أما أن تكون التعديلات الدستورية لدى البعض مجرد مطية لاختراق كل تلك الأسس المهمة، أو الضرب فيها، أو محاولة نسفها كثوابت وطنية جامعة، فهذا يعني أن هناك فجوة كبيرة بين المطالب الاصلاحية، وخاصة تلك التي أدخلت بعض الجمعيات السياسية البلاد في أزمات متتالية بسببها، واليوم حين تحققت هي لا تريد حتى الاعتراف بها، لأن هدفها بالأساس لم يكن التعديلات في حد ذاتها لتطوير التجربة السياسية الاصلاحية، وانما امتطاؤها من أجل أهداف وغايات أخرى، كشفت الأزمة الأخيرة أنها أهداف وغايات لا صلة لها بالمصالح الوطنية الحقيقية، ولا بالاصلاح وتطويره في الإطار الوطني الجامع، مثلما لا صلة لها بالتعددية والعيش المشترك والتوافق الوطني أو بمفهوم المواطنة والوحدة الوطنية لأنها باختصار قائمة على أجندة تناقض كل ذلك.

} اليوم نحن أمام استحقاق كبير وحقيقي من جانب القوى والمؤسسات والجمعيات وأعضاء البرلمان في كيفية الاستفادة من التطوير الاصلاحي، واكتساب المزيد من الصلاحيات والمكتسبات البرلمانية والشعبية، بحيث لا يتم تحويلها لاحقا إلى منافذ لخلق الأزمات وتعطيل مصالح الناس والتصرف بعقلية المكاسب الفردية أو الفئوية أو الطائفية أو بعقلية الأجندات.

} تريدون تطويرا في الاصلاح، يجب أن تثبتوا بالمقابل كقوى وطنية أنكم بحجم مسؤولية ذلك التطوير الذي لن يتوقف، وأن تثبتوا مصداقيتكم في كيفية الاستفادة من أي تطوير، وأن تثبتوا وعيكم الوطني وممارساتكم الوطنية التي تزيد من رصيد المنجزات الوطنية والشعبية، وتقلص من رصيد الاستعراضات الفردية أو السياسية أو الابتزازات، أو خلق الأزمات الفارغة، لحساب أجندات تعوق الوطن واصلاحه وتضرب في أمنه واستقراره وتعايشه السلمي.

باختصار لقد أثبت الملك مصداقيته وحجم انفتاحه ووعيه وحكمته، والمطلوب من كل القوى والمؤسسات الديمقراطية أن تثبت بالمقابل مصداقيتها وحجم انفتاحها ووعيها وحكمتها ونضيف وطنيتها، ومن دون ذلك فان التطوير والتعديلات الدستورية يتحولان إلى مشكلة لا إلى حل.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة