قارب القرض الحسن
 تاريخ النشر : الجمعة ١١ مايو ٢٠١٢
عبدالرحمن علي البنفلاح
هناك قارب يبدو على البعد وليس عليه ازدحام مع أن معظم قوارب الإنقاذ عليها ذلك الازدحام، والسؤال: لماذا؟
ربما لقلة من يحملون في قلوبهم الرغبة الشديدة في مد يد العون لغيرهم عند الأزمات التي قد تقع لبعض الناس.
والقلة من الناس الذين يحملون في قلوبهم هذه الرغبة، وهي مساعدة غيرهم على اجتياز الأزمات التي يقعون فيها بسبب أن المعاناة التي يشعر بها أصحاب القرض الحسن معاناة تفوق أصحاب قارب الزكاة لأن الزكاة يدفعها المزكي مرة واحدة ولا ينتظر عودة ما أعطاه لأصحاب الحاجات إليه، أما القرض الحسن، فقلب المعطي معلق بعطائه، ينتظر إعادته إليه، وفي هذا من المشقة والمعاناة الشيء الكثير، لذا صار أجر القرض الحسن يفوق أجر الزكاة وأجر الصدقات، من أجل ذلك لم يحدد الحق تبارك وتعالى قدراً من الأجر والثواب لصاحب القرض الحسن، بل جعل سقف الجزاء مفتوحاً ليشجع أصحاب رؤوس الأموال على العطاء، ويؤكد لهم أن ما سوف يحصلون عليه من أجر يفوق ما يقدمونه من مال لأصحاب الحاجات، يقول تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون» (البقرة/ ٢٤٥).
هذا السخاء الذي يتحلى به أصحاب القرض الحسن يؤهلهم لأن يكونوا من أصحاب قارب الإنقاذ الذي يحمل اسم: قارب القرض الحسن، وهم وحدهم دون سواهم المؤهلون لأن يركبوا في هذا القارب، ووحدهم الذين يحملون بطاقة مانحي القرض الحسن التي بغيرها لا يمكنهم الصعود إلى هذا القارب، وهم عند الله تعالى مرضيون، ومثابون الثواب العظيم.
والعجيب في أصحاب هذا القارب أنهم مع احتفاظهم بأصل رأس المال الذي يتاجرون به مع الله تعالى، فإنهم يحصلون على عظيم الأجر، وجليل الثواب من دون أن يفرطوا في رأس مالهم لأن الضامن لعودة هذا المال إليهم هو الحق سبحانه وتعالى، ومن أوفى بعهده من الله، ومن أصدق من الله قيلا؟ ومن أصدق من الله حديثاً؟
إذاً، فالقرض الحسن مضمون الأداء من الله تعالى، ومضمون الجزاء أيضاً، فإذا أراد الله تعالى لعبده المحسن مزيداً من العطاء جعله يتنازل عن قرضه لأخيه المعسر، فيتضاعف العطاء، ويعظم الجزاء، ويشكر الله تعالى له حسن صنيعه، ويجعله في عليين.
قارب القرض الحسن عليه من المهابة، والجلال ما ينبئ عن أن ركابه ليسوا من الناس العاديين الذين يأتون إلى الدنيا، وتتاح لهم الفرص الكثيرة ليكونوا متميزين عن غيرهم، ولكنهم يفوّتون هذه الفرص، ويؤثرون الكسل والدعة، ويتخلفون عن ركب العاملين المجدين الذين أنعم الله تعالى عليهم بنعم كثيرة، فلم يكفروا بهذه النعم، بل حدثوا بها عملاً بقوله تعالى:
«وأما بنعمة ربك فحدث» (الضحى/١١).
ومن تجليات التحدث بنعمة الله تعالى أن يوظف العبد هذه النعمة فيما يرضي مولاه سبحانه، وأن يكون لأصحاب الحقوق نصيباً مفروضا، كما أن لأصحاب الحاجات من الصدقات والقرض الحسن نصيباً يعتمد في قدره على سخاء المعطي وكرمه، وفهمه لمعنى التحدث بنعمة الله تعالى.
قارب القرض الحسن، قارب تتلألأ أنواره، وتتدفق بركاته، ويدعو أهله إلى الصعود على ظهره ليحققوا السلامة لهم ولأهليهم.
.