قارب البر بالوالدين
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٢
عبدالرحمن علي البنفلاح
جاء الحض على رعاية الوالدين والإحسان إليهما بأبلغ وأعظم بيان حين قرن الحق تبارك وتعادل البر بالوالدين بتوحيده سبحانه، وعدم الشرك به جل جلاله، فقال سبحانه: «وقضى ربك آلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما (٢٣) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا(٢٤)» سورة الإسراء.
بل حتى وهما على الشرك، بل حتى وهما يجاهدان ابنهما ليصرفاه عن دعوة الحق، فإن هذا الابن مطلوب منه أن يرعى حقوقهما، وأن يصاحبهما في الدنيا معروفاً، وألا يصدر الأحكام في حقهما، فهو ليس مؤهلاً لذلك إنما يعود أمرهما إلى الله تعالى إن شاء غفر وإن شاء عذب، يقول سبحانه وتعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» سورة العنكبوت/ .٨
إذاً، فبر الوالدين والإحسان إليهما في حالة الإيمان والكفر هما قارب النجاة الذي سوف يحمل ركابه إلى سفينة الإسلام، وهي السفينة الوحيدة التي بها النجاة في الدنيا والآخرة، في الدنيا من الضيق والهم والحزن، وفي الآخرة من الخلود في النار وبئس القرار.
فمن أحسن إلى والديه، وبرهما في الدنيا، فذلك بمثابة الحصن الذي يحميه من الغرق في بحار الظلمات من الشرك والكذب والنفاق، ومن عقهما، وفرّط في الوفاء لهما بحقوقهما، فذلك هو الخاسر في الدنيا والآخرة، فأسرعوا إلى اختيار القارب الذي يحقق لكم النجاة ويوصلكم إلى سفينة النجاة، سفينة الإسلام العظيمة، وإياكم أن تضلوا الطريق فتركبوا في قارب العقوق، فتخسروا دنياكم وأخراكم.
الذين اشتِهر عنهم أنهم عاقون لآبائهم وأمهاتهم، فهؤلاء لن يسمح لهم بالصعود إلى قارب البر بالوالدين لأنهم لا صلة تربطهم به من قريب أو بعيد، وسوف يظلون واقفين عند الشاطئ ينتظرون الوسيلة التي تنقلهم إلى سفينة النجاة، وهم ينظرون إليها بحسرة ومرارة، وتراهم يتطلعون حولهم في ذهول يبحثون عن وسيلة تحمل من الصفات ما يوافق مثلها عندهم، والقوارب كثيرة لا حصر لها ولا عدّ وبإمكان من فاتهم قارب أن يلحقوا بالذي يليه إن كانوا من أصحابه.
ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه سبحانه لم يدخر فرصة لبيان حقوق الوالدين على أولادهما إلا بينها لهم، ودلهم عليها، فمن يفته ذلك فلا يلومنا إلا نفسه وشيطانه وهواه.
وحين يأمر الحق تبارك وتعالى عباده بتقديم عظيم الشكر، ووافر الامتنان له سبحانه على ما حباهم به من نعم جليلة لا تعد ولا تحصى ألحق بشكره والاعتراف بفضله سبحانه تقديم الشكر والامتنان إلى الوالدين لأنهما السبب المباشر في وجود الأبناء، قال تعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير(١٤) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً (١٥)» سورة لقمان.
كل هذا الاهتمام، وكل هذه الرعاية يلزم بهما الحق تبارك وتعالى الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم، ولهذا، فقارب البر بالوالدين وسيلة مباركة، مأمونة لبلوغ الغاية، وهي الوصول إلى سفينة الإسلام العظيمة الراسية في بحر لجيّ، كثير العواصف، شديد الظلمات، ومن بقي والداه أحدهما أو كلاهما على قيد الحياة، فليبادر إلى البر بهما، والإحسان إليهما، ورعاية حقوقهما، وليعلم الأبناء أن من العقوبات التي يعجل الله تعالى بها في الدنيا قبل الآخرة عقوق الوالدين، فليحرص الأبناء على أعظم استثمار في حياتهم وهو العناية بآبائهم وأمهاتهم، وإدخال السرور عليهم، والتقرب إلى الله بمرضاتهم، فذلك هو الاستثمار المضمون والناجح والذي سوف يجني الأبناء عوائده في حياتهم ببر أبنائهم بهم كما بروا هم آباءهم وأمهاتهم.
.