قضية غير ذات نفع
 تاريخ النشر : الجمعة ١١ مايو ٢٠١٢
لطفي نصر
الضجة المثارة هذه الأيام حول تسرب تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في مشروع تمديد اليوم المدرسي بالمرحلة الثانوية بمدارس الحكومة، ونشر هذا التقرير في إحدى الصحف البحرينية.. هذه الضجة نراها في غير موضعها.. ولا يجوز لمجلس النواب الموقر أن يشغل نفسه بمثل هذه المسائل الخفيفة الوزن.. حيث تنتظره قضايا أكبر بكثير متعطل حسمها.
كتبنا في هذه القضية من قبل.. وقلنا: إن العمل قائم في هذه المؤسسة الدستورية الكبرى - ونقصد بالضرورة مجلس النواب - على أساس من الشفافية الكاملة.. فلا محل للكتمان أو التعتيم أو السرية في شيء.. حيث ان هذا المجلس هو مجلس الشعب.. لا يعمل إلا من أجل مصلحة الشعب.. وكل ما يدور بداخله هو ملك للشعب.. ولا محل لمداراته عن الشعب.
قلنا - فيما قلنا - إن الأمر كان لا يستأهل أبدا أن يتطور إلى تقديم رئيس اللجنة استقالته احتجاجا على ما حصل.. وهو العضو الموقر المكتمل والممتلئ ثقافة وعلما والراجح عقلا، والمتسمة مواقفه ومداخلاته بالمرونة والعقلانية معاً.. لكن أن يتطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك ويطلب السيد رئيس اللجنة تشكيل لجنة للتحقيق في مسألة تسرب تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في قضية تمديد اليوم المدرسي.. وشغل المجلس بما لا يستحق في أواخر جلسات دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الثالث للمجلس.. فهذا هو وبكل صراحة الأمر المبالغ فيه جدا وما لا يجوز أصلا.
قبل أن أستطرد في هذه القضية - ما لها وما عليها - أود أن أشير إلى أن «أخبار الخليج» ليست هي التي نشرت التقرير المتسرب.. ولا علاقة لها بهذه القضية لا من قريب ولا من بعيد.. ولكني أردت الوقوف عندها.. سابرا أغوارها.. ذلك لأن هذه الوقفة الاحتجاجية من السيد رئيس اللجنة هي الأولى من نوعها - هذا من ناحية - أما من الناحية الأخرى فإننا متفقون تماماً على أننا أمام تجربة جديدة.. وأقصد بها التجربة البرلمانية.. ومن الضروري جدا إرساء مبادئ وأعراف من حولها رغبة في استقامة مسيرتها.. وهي تجربة تحققت لها سمعة طيبة وعالية جدا رغم حداثة العهد بها.. ومن واجب الجيل الراهن أن يقدم رصيدا طيبا من المبادئ والأعراف للأجيال القادمة.. وهذه المبادئ والأعراف ألزم كثيرا من اللائحة الداخلية حتى من القوانين ذات العلاقة.
أقول أكون مخطئا شديد الخطأ لو كان لدي الإصرار على تخطئة موقف النائب الفاضل رئيس اللجنة الأستاذ الدكتور جمال صالح على طول الخط أو تخطيئا كاملا.. وأقصد موقفه من حيث الاستقالة من رئاسة اللجنة المشار إليها.. ثم موقفه من طلب تشكيل لجنة تحقيق في واقعة تسرب تقرير اللجنة.
فإذا كان هذا التقرير قد تم تسريبه.. وهو لايزال مجرد مسودة غير نهائية.. أو أنه كان لم يكتمل قبل تسريبه.. أو أن جميع السادة النواب أعضاء اللجنة لم يروه أو لم يوافقوا عليه بعد.. ففي هذه الحالة أرى أن الدكتور جمال صالح محق تماما في موقفه.
أما إذا كان التقرير قد تم تسريبه بعد اكتماله.. وأنه قد أصبح جاهزا للعرض على المجلس فإن الدكتور جمال يكون هنا غير محق في أي من موقفيه.. وأقصد بالضرورة انسحابه من رئاسة اللجنة.. ثم طلبه تشكيل لجنة تحقيق في الواقعة وهما الموقفان اللذان أخطئهما لعدة أسباب منها:
١- ان هذا التقرير بعد اكتماله يتم عرضه بعد ساعات - طالت أو قصرت - على الجلسة العامة ويكون مشاعا للجميع وفي مقدمتهم رجال الصحافة وفي مهارة الحصول عليه قبل أن يكون مشاعا عاما فليتنافس الصحفيون والإعلام.. كما أن هذا التقرير يكون متاحا مشرعا - وكما هو حاصل بالنسبة إلى تقارير جميع اللجان - فور إقراره من اللجنة المختصة.. وعند وضعه في جدول أعمال الجلسة العامة.. هذا الجدول الذي يوزع على جميع السادة النواب.. وعلى جميع الصحفيين المختصين بتغطية نشاط المجلس الموقر قبل انعقاد الجلسة بعدة أيام.
٢- هناك مسألة مهمة وجوهرية جدا وهي أن هذا التقرير يتحدث عن موضوع ينشغل به الرأي العام وجميع الطلاب وأولياء الأمور.. الذين تابعوا القضية في شغف بالغ.. وإن كانت الحقيقة التي أفرغت مهمة اللجنة من مضمونها بالكامل هي أن أولياء الأمور قد حسموا الموقف وأعلنوا - ومعهم النسبة العظمى من المعلمين والمعلمات قبل أن تنتهي اللجنة من مهمتها - تأييدهم الكامل لتجربة تمديد اليوم المدرسي.. الأمر الذي سجل مع هذا التأييد انتصار ونجاح لوزير التربية والتعليم.. وهذا أمر كان يتعين علينا جميعا أن نقابله بروح رياضية عالية على أساس أننا جميعا تهمنا المصلحة العامة قبل غيرها.
٣- كلمة مهمة أخرى من واجبنا الإتيان بها.. ألا وهي أن هذه القضية برمتها لا تنطبق عليها كلمة «تسريب» لسبب بسيط جدا ألا وهو أنها قضية غير ذات علاقة بأمن الدولة أو الأسرار الحربية أو النووية وإنما هي مجرد قضية تمديد اليوم المدرسي بالمرحلة الثانوية لمدة ساعة واحدة.. يستفيد منها الطلاب والمعلمون ومخرجات التعليم بالدرجة الأولى.. ولا تجري فصولها من وراء ستار.
٤- نأتي إلى نقطة أخيرة - أراها في غاية الأهمية أيضا.. ولا يكتمل الطرح الموضوعي إلا بها - وهي أنني أسمع أن البعض يوجه أصابع الاتهام في قضية تسريب التقرير المشار إليه إلى أعضاء موظفي الأمانة العامة لمجلس النواب.. وأنا أقول وبمنتهى الصدق والأمانة إن هذا الاتهام خاطئ أو غير صحيح وغير أكيد.. لسبب واحد هو أن أصحاب السعادة النواب جميعهم ذوو علاقة طيبة جدا مع الصحافة - ونشكرهم على الدوام عليها - والصحفي عندما يحتاج إلى أي شيء أو أي معلومة فإنه يلجأ مباشرة إلى السادة النواب الذين لا يبخلون على الصحافة والصحفيين بأي شيء.. والسيد الرئيس يبارك هذه العلاقة الطيبة إمعانا في تكريس الشفافية الكاملة.
معنى كلامي أن الصحفي لا يحتاج أبدا إلى الأمانة العامة، ولا إلى موظفيها في أي شيء.. ثم ان تجربتنا مع الأمانة العامة ليست سارة.. فقد عودونا التزمت والانغلاق والخوف إلى درجة أنهم يرتعدون خوفا ورعبا من مجرد التحدث مع رجال الصحافة.. ولذلك خذوها مني صريحة: ان علاقتنا - نحن الصحفيين - مقطوعة تماما مع الأمانة العامة.. وخاصة بعد قضية «البوفيه» الشهيرة.. وبعد ان نصبوا أنفسهم حراساً على أبواب قاعة البوفيه لمنع الصحفيين من دخولها.
.
مقالات أخرى...
- سندنا.. مواقف حكمائنا - (10 مايو 2012)
- اقتراح يصلح ما أفسده التكريم بالأقدمية! - (9 مايو 2012)
- ... وإلى متى السكوت؟! - (8 مايو 2012)
- لا يزال لدينا الأمل! - (7 مايو 2012)
- لماذا مر عيد العمال فاترا؟ - (4 مايو 2012)
- صرخة خطيب!! - (30 أبريل 2012)
- لكن.. إلى متى؟! - (28 أبريل 2012)
- هذه الشهادة التي نطق بها منظمو الفورمولا - (27 أبريل 2012)
- لن تتخلى عن سلاحها - (25 أبريل 2012)