الشيخ عبدالله بن سالم المناعي
بعض خطب الجمعة تغير حياة الناس.. وبعضها لا تتجاوز الآذان!
 تاريخ النشر : السبت ١٢ مايو ٢٠١٢
في خطبته بجامع الخالد قال الشيخ عبدالله بن سالم المناعي: ان يوم الجمعة جعله الله تعالى أفضل أيام الاسبوع وسيد الأيام كما روى مسلم في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة).
ومن خصائص هذا اليوم ان المسلمين يجتمعون فيه للصلاة والموعظة في المساجد، وهذا اجتماع لم يفرضه نظام ولا عرف ولكن فرضه القرآن الكريم في قوله: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع» فأمر الامة بترك العمل الدنيوي والاجتماع على الذكر والعبادة، ولهذا سمي يوم الجمعة أخذا من الجمع والاجتماع بين المسلمين في هذا اليوم.
وهذا الاجتماع الاسبوعي له مقاصد منها:
١ - تذكير المسلمين بالله تعالى واصلاح قلوبهم بالذكر والعبادة كما يدل عليه قوله تعالى: «فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع». قال الإمام القرافي: (لما كانت القلوب تصدأ بالغفلات.. كما يصدأ الحديد اقتضت الحكمة الإلهية جلاءها في كل اسبوع بمواعظ الخطب وأمر بالاجتماع).
٢ - الحفاظ على هوية الأمة وشخصيتها الإسلامية بتعميق المعرفة بالاسلام وتعلم آدابه وشرائعه من خلال الخطبة، ولهذا جعل الدهلوي - رحمه الله - من وسائل نصب الخطباء في المساجد حفظ الملة والدين.
٣ - الاسهام في معالجة مشكلات الأمة وقضاياها في ضوء التعاليم الاسلامية.
لكن هذا الخطب لن تؤدي أثرها المطلوب الا بتوافر جملة من المعاني والمواصفات المعنوية ومنها:
أولا: الصدق والتفاعل العاطفي بالخطبة ومعانيها.
ان أثر الخطبة في الناس يختلف باختلاف صدق أصحابها وصدق عاطفتهم الجياشة وتفاعلهم القلبي بالمعاني التي يذكرون الناس بها فكلما كان التفاعل أعظم كان الأثر أكبر.
وهذا من أسرار التأثير الذي نجده في بعض الخطب دون بعض، فبعضها تغير حياة الإنسان وسلوكه، وبعضها لا تجاوز الأذان. ولا تحرك ساكنا، وصاحبها كالنائحة المستأجرة التي تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالا عمليا للتفاعل القلبي الصادق بمعاني الخطبة والحماسة لها ولهذا قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش) رواه مسلم.
وهذه آثار طبيعية ناشئة عن الصدق والتفاعل العاطفي من دون تكلف.
والخطيب يكتسب هذه المعاني العالية بالمعاملة الخاصة بينه وبين الله تعالى، وبأعمال السر، وخبيئة الصالحين.. وقيام الليل ومجالس الذكر.. والعمل بالعلم كما قال ابن حبان في صحيحه: (ذكر وصف الخطباء الذين يتكلون على القول دون العمل) ثم روى حديث أنس (ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة أسري به رجالا تقرض شفاههم بمقارض من نار فقال: من هؤلاء؟ فقال جبريل: (هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب).
ثانيا: توافر الاهلية اللازمة والمؤهلات الخاصة.
ان كل عمل يتطلب نوعا من المؤهلات المعنوية والمواصفات الحسية بحيث يكون الشخص أقرب إلى النجاح وتحقيق المقصود وخاصة اذا كان من الاعمال القيادية، ومنها بلا شك خطبة الجمعة ودعوة الناس، وبالتالي فخطبة الجمعة ليست كلا مباحا لكل احد ولا حقا متاحا لكل من قرأ وكتب.
قال الإمام الغزالي: (الوعظ زكاة نصابه الاتعاظ، فمن لا نصاب له كيف يخرج الزكاة)؟!
وعند استعراض التاريخ نجد انه لم يكن يتصدر لخطابة الناس وتوجيههم الا العلماء الراسخون الذين جمعوا بين الفقه بالدين والخبرة بالحياة والحكمة في التعامل مع الناس وحسن البيان وصدق التدين من أمثال ابن الجوزي والعز بن عبدالسلام.
ان الخطأ يكمن في ان تتحول الخطابة والإمامة إلى مجرد وسيلة للتكسب وتحصيل الرزق وتحسين الدخل المادي؟ فهذه النظرة المادية تفتح الباب ليعتلي المنابر من ليس أهلا لها لضعفهم العملي وفقرهم الفكري والبياني وضعف رصيدهم من التجربة والحنكة، فتكون الضحية هي الامة المجتمعة في المساجد ما بين شخص يجد في فترة الخطبة فرصة للقيلولة وآخر يجد فيها فترة عصيبة تولد القرحة في المعدة او رفع الضغط!
وبرنامج صناعة الخطباء يجب ان تكون له جوانب ثلاثة رئيسية:
أ- التأهيل العلمي والمعرفي باعطائهم جرعات علمية قوية تؤهلهم لفهم القضايا واستيعابها، ويشمل ذلك العلم بالشريعة والعلم بالحياة.
ب - التأهيل الروحي والاخلاقي بحيث يمتلك الخطيب الشحنة الايمانية والجرعة الاخلاقية اللازمة للتأثير في الناس.
ت - التأهيل المهاري والفني المرتبط بأساليب الاقناع وطرائق الخطابة كتنويع نبرات الصوت يقول الجاحظ: (رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحها رواية الكلام).
ثالثا: الإعداد الجيد للخطبة.
ان من أهم نجاح الخطبة الاعداد لها بصورة جيدة من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه) رواه أبويعلى.
وهذا الإعداد الجيد فيه احترام لرسالة المنبر، واحترام للناس وتقدير لأوقاتهم فانهم تركوا حركتهم الدنيوية من أجل الفائدة والذكر، واذا لم يتحقق هذا المقصود فنكون قد تسببنا في تضييع أوقات ثمينة للامة من دون تحقيق الثمرة المرجوة.
لقد كان زهير بن ابي سلمى يصوغ قصيدته أربعة أشهر ثم يهذبها أربعة أشهر ثم يعرضها على نقاد الشعر في اربعة اشهر ثم يعلنها على الناس ولذا سميت قصيدته بالحوليات.
رابعا: يجب ان تستند الخطبة على معلومات صحيحة وبيانات موثقة لا اشاعات وفتاوى تحريضية كما سمعنا من عدة شيوخ على المنابر يحرضون في خطبهم بالفتاوى الخطيرة على الناس ويولد التأثير فيها بالفتن.
خامسا: لقد كان الانبياء دعاة إلى الايمان ومصلحين ومشاركين في حل المشكلات الحياتية والاخطاء السلوكية فهذا شعيب عليه السلام قد عنى ضمن دعوته الاصلاحية بمشكلات انحراف ضمائر التجار والتطفيف في الكيل، قال عز وجل: «اوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم». ان ضمائر التجار اذا انحرفت نشأت عنها ازمات مثل الغلاء والاحتكار والتضخيم والربا والغش. والذين يبخسون المكاييل والموازين قال لهم شعيب وهو ناصح لهم: اتموه واكملوه بالميزان العادل الذي لا يميل ولا يزيد ببخس المكيال والميزان، وكذلك عالج نبي الله لوط عليه السلام مشكلة الشذوذ الجنسي فقال: «اتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون».
وتصدى يوسف عليه السلام لمعالجة الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعرض لها الشعب المصري آنذاك، واستطاع من خلال خطة اقتصادية محكمة ان يتجاوز العاصفة والازمة الاقتصادية.
ان من الخطأ ان يتجاهل الخطباء مشكلات الناس وقضايا المجتمع وينصب حديثهم في قضايا نظرية او مسائل مكررة مل الناس من كثرة الحديث عنها.
معاشر المسلمين: ان الخطيب الناجح هو الذي يراعي ظروف الناس ويدرك ان رواد المسجد منهم المريض والكبير والضعيف وذو الحاجة فلا يجعل الخطبة سببا لتنفير الناس من الخير.
ان الخطيب الناجح هو الذي يدرك ان رسالته رسالة رحمة وهداية وتسامح وليست رسالة عنف واكراه واستعلاء فيخاطب الناس من هذا المنطلق ويترفق بهم في التوجيه عملا بقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن».
الموعظة الحسنة من الخطيب الناجح تدخل القلوب برفق وتتعمق في المشاعر بلطف لا بالزجر والتأنيب في غير موجب ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل او حسن نية فإن الرفق بالموعظة كثيرا من يهدي القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
يا خطباء الأمة تذكروا وانتم تصعدون فوق منبر رسول الله تذكروا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما شاهده ليلة الاسراء يقول: «مررت ليلة اسري بي بأقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون» رواه مسلم. نسأل الله العفو والعافية من ذلك اليوم.
.
مقالات أخرى...
- ينجلوك شيناواترا تصل إلى البلاد غدا
- الاستقرار الضمانة لمواصلة الإصلاح
- أمريكا تقرر خطوات لمساعدة البحرين على تعزيز قدراتها الدفاعية
- لا تنتظروا أن تغير أمريكا مواقفها.. لأنها مع تفتيت المنطقة بأكملها
- «الحكمة للمتقاعدين» تناقش خططها الاستراتيجية
- وزير الصناعة والتجارة يشيد بجهود المؤسسات المعنية بقطاع المعارض
- تدريب الإعلاميين ضمن استراتيجية أمانة النواب
- منتديات البحرين تنظم حملة للتبرع بالدم لرجال الأمن الأوفياء
- الجودر يترأس اجتماعا للجنة الشبابية بدول «التعاون» اليوم
- الذين يسعون لتدمير البحرين عليهم أن يعلموا أننا حلفاء أقوياء
- المطوع: سأقاضي وزير البلديات لعدم تنفيذ حكم المحكمة في مخالفة بلدية
- طلبة اليمن يفوزون بأفضل مسرحية في مهرجان المسرح المدرسي الخليجي
- تحسينات جديدة لمحطة توبلي للصرف الصحي
- وفد برلماني ألماني يزور البحرين
- السفارة اليابانية تحتفل بنجاح زيارة الملك ومرور ٤٠ عاما على علاقات البلدين
- تفعيل الرقابة على سيارات الأجرة.. والخدمات الإسكانية
- التساهل تجاه المجرمين وقطاع الطرق بالبلاد.. أمر مستنكر
- د. فيصل الغرير: اليوم عمل ولا حساب.. وغدا حساب ولا عمل
- الشيخ صلاح الجودر: المجتمع لن يسمح للإرهاربيين بخطف أمنه واستقراره
- الشيخ علي مطر: ليس من حق أي شخص الوصاية على الآخرين
- السعيدي يستنكر سوء المعاملة في السلمانية للطفل عبدالله
- النواب يبحثون اقتراحا بقانون لسداد ديون المعسرين الثلاثاء
- عودة باقي المفصولين مع نهاية مايو
- البحرين ساهمت بشكل كبير في مسيرة التنمية السودانية
- وزير الصناعة يفتتح مطعم فابيانو الإيطالي
- البحرين تشارك في اجتماع «البرلمان»