الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٤ - الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


هل يصبح رجب طيب أردوجان رئيسا؟





هل عهد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان سيتواصل؟ قد يبدو هذا السؤال للوهلة الأولى عبثيا، فقد قاد رجب طيب أردوجان حزب العدالة والتنمية للفوز بثلاثة انتخابات متتالية كان آخرها في شهر يونيو .٢٠١١ لذلك لا يشك أحد في أن هذا الحزب القوي الذي يتزعمه رجب طيب أردوجان قادر على تحقيق فوز انتخابي رابع لو أجريت الانتخابات غدا.

لقد حكم حزب العدالة والتنمية تركيا على مدى عقد كامل ونجح في تحويلها من دولة مثقلة بالتضخم المالي إلى واحدة من أسرع الدول نموا اقتصاديا في العالم وأوروبا.

لقد ازدادت ثقة تركيا بفعل وتنامي رخائها الاقتصادي، الأمر الذي أعطى رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان القدرة على ترويض المؤسسة العسكرية الوفية لإرث مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وتطوير نظامها القضائي المتآكل. ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات تظهر أن رجب طيب أردوجان قد يكون يسعى إلى تعزيز قبضته على السلطة في تركيا.

لقد قال رجب طيب أردوجان خلال الأيام القليلة الماضية انه قد حان الوقت كي يبدأ الأتراك التفكير في التحول بالبلاد من نظام برلماني ؟ تؤول فيه أغلب السلطات إلى رئيس الوزراء ؟ إلى نظام رئاسي يتمتع بسلطة تنفيذية أكثر قوة، على نمط النظام الرئاسي القوي المعمول به في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

تدرك أطراف عديدة أن سعي رجب طيب أردوجان إلى تحرير النظام السياسي التركي وتعزيز دور الرئيس يعكس رغبة في استباق الامور قبل نهاية فترته القانونية كرئيس للوزراء بحلول سنة ٢٠١٢ حتى يرشح نفسه إلى الرئاسة عندما يصبح هذا المنصب شاغرا سنة ٢٠١٤ مع نهاية الفترة الحالية للرئيس عبدالله غول. لا شك أن رجب طيب أردوجان يرغب في مواصلة قيادة البلاد وتحقيق المزيد من النجاحات الاقتصادية لكن مع حصوله على سلطات تنفيذية أقوى من أي وقت مضى. ينوي رجب طيب أردوجان الوصول إلى هذا الهدف من خلال إدخال تعديلات كبيرة على الدستور التركي الذي عفى عليه الزمن. يجمع أغلب الأتراك على أن بلادهم باتت في حاجة إلى صياغة دستور جديد، دستور ينص أخيرا على تضمين الحقوق الفردية ويكرس قدرا أكبر من المحاسبة والشفافية الحكوميتين.

يعتبر الكثيرون أن الدستور الحالي يركز الكثير من السلطات في أيدي أجهزة غير منتخبة في صلب الدولة.

لقد وضع الدستور التركي الحالي في سنة ١٩٨ عندما كانت البلاد ترزح تحت الحكم العسكري. لذلك فقد جاء مليئا بالبنود التي ترمي إلى حماية الحكومة من المواطن أكثر مما تحمي المواطن من الحكومة.

يحاول الدستور التركي تسوية مطالب الأكراد حتى يتمكنوا من التعبير عن هويتهم غير أنه يزعم أن هذه المطالب غير موجودة، بل إن المطالبة بتكريس اللامركزية وتخويل سلطات أكبر للمناطق ظلت تفسر على أنها تمثل اعتداء على هيبة الدولة التركية.

تتمثل المشكلة الكبرى في أن الضمانات الدستورية للحقوق والحريات الأساسية تتوقف على عدة شروط، الأمر الذي يفرغ هذه الضمانات في النهاية من أي معنى ومحتوى.

لذلك كله يمكن القول ان حكومة رجب طيب أردوجان محقة في سعيها لاستبدال الدستور التركي الحالي، غير أنه يجب على الدستور الجديد أن يكون أفضل من الدستور الحالي الذي تشوبه عدة نقائص. يجب ألا يتحول الدستور الجديد إلى مطية تسمح لرجب طيب أردوجان بالتشبث بالسلطة. في ظل النظام الحالي، لا يعتبر الرئيس التركي غير ذي صلاحيات. فالدستور يخوله تعيين كبار المسؤولين البيروقراطيين واستخدام حق الفيتو ضد مشاريع القوانين التي يشرعها البرلمان غير أن رئيس الوزراء هو الذي يتمتع بأكثر السلطات التنفيذية. وباعتباره رئيسا للحكومة يتحمل رئيس الوزراء مسؤولية إدارة شؤون الحكومة بشكل يومي.

لا أحد يعرف على وجه التحديد معنى «الرئاسة القوية» غير أنها قد تكون على غرار قوة منصب رئيس الوزراء التركي الحالي بشخصيته الكاريزمية القوية. إذا أقدم رجب طيب أردوجان على هذه الخطوة من دون استفتاء شعبي فإن ذلك يتطلب حصوله على دعم ثلثي نواب البرلمان كما أنه سيكون في حاجة إلى دعم حزب سياسي آخر على الأقل. من الواضح أن أي حزب معارض لن يدعم أي تغيير دستوري من شأنه أن يمنح في النهاية رجب طيب أردوجان مزيدا من السلطات، غير أن هذا الأمر لن يمنع رجب طيب أردوجان من المحاولة وخاصة أن حلفاءه السياسيين قد انضموا إليه، فقد اعتبر نائب رئيس الوزراء بكير بوزداج أن نظاما رئاسيا سيكون أفضل وأكثر نجاعة وفاعلية.

يخشى أن يتحول الجدل حول مستقبل تركيا في ظل الدستور الجديد إلى جدل حول مستقبل رجل واحد: رجب طيب أردوجان. أخشى أن هذا الأمر سيحول الأنظار عن المسألة الحقيقية المتمثلة في مدى تمثيل الحكومة التركية.

* مؤلف كتاب: ما يجب أن تعرفه عن تركيا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة