الربيع سيأتي إلى روسيا
 تاريخ النشر : الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٢
بقلم: فيرهوستادت
تم تنصيب فلاديمير بوتين في روسيا يوم ٧ مايو ٢٠٠١٢ رئيسا لروسيا المرة الثالثة وهو ما يمثل تتويجا لما يمكن أن نسميه «الديمقراطية المسيرة»، حيث إن النظام السياسي يبقى على طبيعته التعسفية غير أن النتيجة تكون محسومة سلفا.
لا شك أن بوتين سيواجه هذه المرة مناخا سياسيا مختلفا عما ألفه من قبل، بل لن يستطيع الحيلولة دون حدوث الربيع الروسي إذا أمعن في خنق الحريات ووأد الإصلاح ومضى قدما في سياساته الانفرادية. يجب على الغرب أن يكون أيضا مستعدا ومتسلحا بالإرادة السياسية اللازمة كي يلعب دوره كاملا ويضغط من أجل إحداث التغيير المأمول في روسيا.
بعد يوم فقط من مسرحية الانتخابات الرئاسية الروسية التي أجريت يوم ٤ مارس ٢٠١٢ انشغل المسؤولون في العواصم الأوروبية حتى في واشنطن بإرسال برقيات التهاني إلى فلاديمير بوتين، في الوقت نفسه الذي كان فيه عشرات الآلاف من المتظاهرين يقفون في ساحة بوشكين في موسكو للمطالبة بحقوقهم المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة والإصلاح، إضافة إلى التداول على السلطة في كنف السلاسة والشفافية والنزاهة.
لقد كنت هناك عندما كان الشعب الروسي في الشوارع يطالب بإجراء انتخابات جديدة، حرة، نزيهة إضافة إلى تسجيل الأحزاب السياسية المحظورة من سلطات الكرملين.
لقد كنت هناك حين كان الشعب الروسي يطالب بالعدالة في قضايا ميخائيل خودوروفسكي وسيرجي ماجنيتسكي وآنا بوليتكوفسكايا، لقد كنت أيضا هناك حين كان الشعب الروسي شاهدا على المسرحية الانتخابية التي أعادت بوتين إلى الكرملين رئيسا لروسيا.
عقب تلك المظاهرات الحاشدة التي تعتبر الأضخم والأكثر جرأة على الإطلاق في تاريخ روسيا الحديثة التزم الرئيس السابق ديمتري مدفيديف بتطبيق الإصلاحات السياسية ومراجعة القوانين الانتخابية وتوسيع هامش الحريات السياسية واعتماد نظام انتخاب حكام المحافظات الروسية بالاقتراع المباشر.
ما الذي أنجزه ديمتري مدفيديف خلال الأعوام التي تولى خلالها مقاليد الرئاسة؟ لا شيء على الإطلاق. لقد كان مجرد واجهة كما أن فترة رئاسته كانت مجرد حدث عابر في تاريخ روسيا ومسرحية تثير السخرية. لقد استبعد فلاديمير بوتين إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة كما أنه وضع تضييقات على انتخابات الولايات والمحافظات والبلديات كما منع مبدأ تشكل الكتل الانتخابية. إن ما سوق له فلاديمير بوتين من إصلاحات سياسية كان عبارة عن حزمة من القيود من أجل خنق المعارضة السياسية.
لقد احتفظت سلطات الكرملين بسلطة مطلقة في اتخاذ القرارات بشأن الأحزاب السياسية التي يتم إقصاؤها من الحياة السياسية أو من سباق الانتخابات. أما التغييرات التي أدخلت على نظام الأحزاب السياسية فهي لم تخدم سوى مصلحة «روسيا المتحدة»، وهو الحزب الحاكم الذي كان يعاني انحسار قاعدته الشعبية بسرعة كبيرة.
إن روسيا التي سيحكمها فلاديمير بوتين هذه المرة ستكون مختلفة عن تلك التي سلمها إلى دميته المتحركة ديمتري مدفيديف سنة ٢٠٠٨ كما أنها ستكون مختلفة كل الاختلاف عن روسيا التي حاول أن يقنعها بالتصويت لفائدة حزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في شهر ديسمبر .٢٠١٢
إن الوعود الفارغة بالإصلاح وسيادة القانون لم تنطل على الشعب الروسي، ذلك أن النظام السياسي الذي أرساه فلاديمير بوتين بات فاسدا حتى النخاع وهو يزداد كل يوم ترنحا.
أما الاقتصاد الروسي فهو يعاني بدوره الكساد وتدهور بيئة المال والأعمال وتآكل البنى التحتية واحتقان الأوضاع الاجتماعية، عدا التهاب معدلات التضخم. لم ينجح فلاديمير بوتين في استغلال الإيرادات النفطية من أجل بناء وتحقيق تنمية وتقدم مستدامين في روسيا.
وفوق هذا كله تعيش روسيا الآن مجتمعا مدنيا متجددا، إضافة إلى تنامي ديناميكية الطبقة الوسطى ونخبة متعلمة في موسكو ومعارضة سياسية متنامية من اليسار إلى اليمين وهي ترفض اليوم أن تصمت وتظل سلبية.
ما الذي يمكن أن نتوقعه اليوم من بلاد تتطلع إلى المستقبل؟ هل يمكن للفهد أن يتخلى عن البقع التي تزين جلده؟
إن التغيير في روسيا ضروري وحتمي، علما أن مثل هذا التغيير يصب في مصلحة الغرب وروسيا نفسها، فلا بديل عن اصلاح النظامين السياسي والقضائي والفصل ما بين عالم المال والأعمال من ناحية والحكومة من ناحية ثانية وترشيد وحوكمة النظام الفيدرالي، إضافة إلى خفض البيروقرايطية ومكافحة الفساد بكل جدية، واستبدال نظامه الاجتماعي الموروث عن حقبة الاتحاد السوفيتي البائدة.
إن روسيا في حاجة ماسة اليوم إلى إعادة بناء نظامها السياسي برمته غير أنه يجب على مثل هذه التغييرات الضرورية أن تأتي من الخارج، فهي لن تكون ذات مصداقية حقيقية إلا إذا اعتبرت شرعية في نظر الشعب الروسي من دون سواه.
ما الذي يمكن القيام به حتى ندفع روسيا للسير في الطريق الصحيحة: طريق الديمقراطية الحقة؟
إن سياسة التهدئة والمهادنة التي تنتهجها حتى الآن لم تثمر ولم تؤت أكلها. إن روسيا في حاجة إلى الاحترام في العالم الخارجي أكثر من حاجة العالم الخارجي إلى الغاز وبقية المواد الخام الروسية.
إذا كنا نعتقد حقا في مستقبل روسيا الديمقراطية فإنه يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أن يتفقا على تبني مقاربة موحدة واستخدامها من أجل دفع روسيا إلى تطبيق الإصلاحات السياسية اللازمة التي يجب أن تشمل على وجه الخصوص ضمان إجراء النزاهة والشفافة وتكريس المنافسة السياسية الحقيقية.
بداية، يجب التوقف عن عقد القمم التي تتطرق إلى مناقشة مسار التطوير والتحديث من دون مناقشة مسائل ملحة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون.
ثانيا، يجب تبني القوانين نفسها على جانبي الأطلنطي من أجل منع إصدار التأشيرات وتجميد أرصدة أولئك المسؤولين الروس وأفراد عائلاتهم والمتورطين في اغتيال سيرجي ماجنتسكي ذلك المحامي الذي مات في السجن بعد اتهامه بالتهرب من الضرائب.
ثالثا، يجب العمل على إعادة إحياء مسار هلسنكي الخاص بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في روسيا لأن مثل هذا المسار قد يشكل أداة فعالة للدفع باتجاه إحداث التغيير اللازم في روسيا. يمكن للمجتمع الدولي إن يعتمد على الاتفاق المبرم في هلسنكي سنة ١٩٧٥ من أجل توحيد الجهود الرامية إلى دعم ومساندة المجتمع الروسي.
إن روسيا دولة فخور بنفسها ولها شعب يعتز أيضا بنفسه. يجب على المجتمع الدولي أن يتحدث بكل وضوح وصرامة. لكن في النهاية، يجب أن يأتي أي التغيير من الداخل. في هذه الأثناء ستظل أعيننا مسلطة على فلاديمير بوتين، فالربيع قادم لا محالة إلى موسكو.
* رئيس الوزراء البلجيكي السابق وزعيم كتلة الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي.
.
مقالات أخرى...
- هل يصبح رجب طيب أردوجان رئيسا؟ - (18 مايو 2012)
- إشكالية القيادة في العالم العربي - (14 مايو 2012)
- أمريكا تسرق الأدمغة العلمية - (14 مايو 2012)
- التضييق على الإنترنت في إيران - (12 مايو 2012)
- أبعاد الأزمة السورية والأقليات الطائفية - (7 مايو 2012)
- مصر ومخاض الانتخابات الرئاسية - (5 مايو 2012)
- إدارة الرئيس أوباما والأزمة السورية - (3 مايو 2012)
- معاناة الإيرانيين تحت وطأة العقوبات - (3 مايو 2012)
- جدران بيروت والأزمة السورية - (2 مايو 2012)