الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٢ - السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي


المؤذن يقرأ «خاتون والنسوة
وما يشتهين» في مركز جدحفص الثقافي (١-٢)





مميزات بوحسن الفنية

في ظل هذا العنوان الفني اوضح المؤذن أن بوحسن تميز اعماله في المجموعة تلك الحركة الفنية الفاعلة عند كونه يمزج بين مختلف مكونات قصصه القصيرة جدا تصل إلى عتبة العنوان الذي يستهل به بداية النص، كما في قصةٍ تحتل ثلاث صفحات، مضمونها واحد ولكنها تتوزع بهذا الشكل.. «تَك / فِيري / لعبة كبيرة» الجميل أن أسلوب التقطيع لعب فني مستساغ يحرر القصة من شكلها المألوف، على الرغم من أن موضوع القصة معروف سلفاً للجميع وهو يدور حول قادة الفكر التكفيري المندسين في خواصر العواصم العربية، اختار هذا القاص فضحهم وتعرية روائحهم قبل أن تنفجر المزيد من قنابلهم.

خاتون والنسوة وما يشتهين

ومن المجموعة نفسها يمسك المؤذن بخيط تلك القصة المرتبطة بالعنوان وهي قصة »خاتون والنسوة وما يشتهين«: أعرف أن هناك ذهناً غارقاً في الشهوة، ويداً منفلتة تمتد نحوها، تغريها للاقتراب، تحاول أن تتلّمس جسدها وتعبث بأجزاء كثيرة منه، ترتجي احتواءه، تشتدّ لإحكام تطويقه وقلبها الذي يسع كل نساء المنامة والمحرق يضطرب ويضيق برجل واحد.

لا أدري كيف تتصرف الآن إذا اشتهت رغوة ماء الجداول في غربتها، جئتها أقطع قلقي والمسافة، وبرغم حزنها جمعتْ كل نساء بلدتها الجديدة في نزهة جداول يتدفق ماؤها بغزارة أكثر (صفــ١٠ــحة).

مشيراً المؤذن إلى أن صوت الراوي يتحدث عن امرأة مميزة تجمع نساء المنامة والمحرق في نزهتها إلى جنان الخضرة والجداول، امرأة تُحسن إهداء الفرح إلى غيرها وتبقي نفسها في حزن عطش الرغبة إلى رجلٍ ما يكون حليلها، رجل.. رغم تأخره في القدوم فانه يأتي ولكن من ضفةٍ أخرى.

لكن هذه المرأة »خاتون« يسيطر عليها الحزن المتمثل في «الرجل / الزوج» وهو الذي حلمت به عُشا يحتوي حبها، لكنه تحول إلى سجن معنوي غير أن «خاتون» تبدأ بممارسة رحلاتها وتجمع النساء من جديد هناك عند الضفة الأخرى، توزع الفرح على النسوة وتغرق هي في مساحات الحزن والغربة، هكذا هي الحياة كما يصورها لنا «بوحسن» في أحيانٍ كثيرة تكون غير عادلة ولا تهبنا كل ما نشتهيه ونتوقع حدوثه، «خاتون» تحولت إلى أنثى مهجورة وخيراتها تكتنز في مساحات العدم والعطش، لم تصل إلى المحطات «الحلم» التي تصورتها أو أرادتها حقا.. توقفت عند هذا المقطع تمضي بنا السنون، ولاتزال ذكرى السيدة خاتون، أرجوحة تتمايل في خاصرتي، وناراً تتقد في أفئدة النسوة اللائي تبعثرت أرواحهن وتلهفت لطنين نزهاتها الذي تلاشى منذ غادرت المكان (صفــ١٠ــحة).

أخيراً وقبل أن يختم المؤذن قراءته لمجموعة «بوحسن» يؤكد أن بوحسن يتجلى صوته واضحاً «كراو» ويتداخل دونما إخفاء صوته وكشف لنا مدى تعاطفه مع شخصية «خاتون» أصبح جزءًا من نسيج القصة كشاهد عيان على حادثة، قد تكون فعلاً قد حدثت، فتداعت من نزيف ذاكرته على شكل قصة والإشكالية في هذا الموضع تفرض علينا السؤال التالي.. هل يجب على القاص إبداء التعاطف مع شخصياته؟ ومع شحنات التعاطف هل تتضرر القصة فنيا عند هذا المنعطف؟

مثبتاً رؤيته النقدية في بحث في المجموعة على أن القاص «بوحسن» يعرف هذه الإشكالية ولكن تدفق فعل الكتابة لديه، يجعله يتجاوز هذا الحاجز الذي لا يعطيه انتباهاً، فهيكلية بناء القصة القصيرة جدا بما تنطوي عليه من تكثيف بالغ، تعطي حيزاً لروح التجريب، ومبدعنا ينطلق في فضاءاته، إما أنه يجرب انطلاقاً من رؤية محددة، وإما أنه يريد للكتابة أن تعطي «المتلقي» زوايا أخرى تتكشف فيما بعد الفراغ من قراءة النص وإما هناك سبب آخر كاحتمال مفتوح يورطنا فيه «بوحسن» وهو مستمتع بلعبة الكتابة منتظراً اشتهاءات نسائه المستريحات، المسكينات، المعذبات، العاشقات، المتمردات.

فالمرأة ثيمة رئيسة في المجموعة، يفرش لها «بوحسن» مساحة واسعة من البوح والضجيج والفرح والحزن والكآبة، متنقلاً في تقلبات الحياة وتنوع المعتقدات كما في قصة «حس بداخلي - ص ٤٢» وهي القصة الأخيرة.. شاهدني متشحاً باللون الأسود من رأسي حتى أخمص قدمي، أبكي بحرقة وأكاد أغرق في بركة من الدموع.

لامني كثيراً وحاول أن يمنعني من البكاء بقلبه ثم بلسانه ثم بيده، وأنا لا أرضيه؛ لأني لا أملك إلا أن أذرف الدمعة، وما شأنه؟ فذاك فؤادي وهذا مرادي «انتهى».

هي طبعاً حرية المعتقد أيا كان سياسيا، دينيا، ثقافيا، فهو في النهاية يمس قلب صاحبه ويتداخل ويتخالط في وجدانه ومهما كان «الآخر» ممتعضاً أو محتجاً على مفردات هذا المعتقد الذي لا يوافق هواه، فالهجوم على الطرف الآخر بأي صورة يُعد تطرفا مكروها لا تقبله شرائع الأرض والسماء ونحن بدورنا في هذا العبور الاستكشافي تجولنا في سماء القاص البحريني «بوحسن» والتقطنا ذبذبات رسائله النصية القصيرة وحللنا بعضاً من مضامينها في هذه القراءة الاستعراضية و.. مهما اشتهت نساؤك يا «بوحسن» فنحن هنا ننتظر رغوة الحكايات، شهوة أخرى لا مثيل لطعمها.

فالمجموعة تختزن دهشتها في العديد من محطات الاشتهاءات الغنية الحضور بما تصور من عوالم مثل (أنين البيت المهجور - موّال بائع الورد - ساعة خارج البيت - جدار من الدخان العازل - بائعة المشموم - نشوة ذابلة - مشهد من زاوية حادة - اشتعال خلف النافذة - رجفة حزن - عورة الرجل الأسمر - هديل بنات الحي - الدكان المشبوه - ليلة عطش العمدة - عناد امرأة صغيرة - أوراق جدي - تجريف بستان أخي - انتظار - انتظار آخر).

وكل هذه النصوص متروكة للقارئ، لا نثقل عليه، هو وحده المعني باكتشاف أجوائها، والاستمتاع بأمكنتها المتباينة الألوان والنكهات، قام «حسن بوحسن» بإبداعها لنا ضمن هذه المجموعة.

وبعد أن طوى المؤذن أوراق قراءته للمجموعة ظل يحوم في أذهان الحاضرين بعض من التساؤلات التي أثرت جو الأمسية وأفاضت بالبوح الغزير والمقلق في المحيط الثقافي فكان الشاعر علي خميس الفردان أول الداخلين جو النقاش ثم تلاه الصحفي رضي السماك ومهدي عبدالله والشاعرة فاطمة التيتون وآخرون، مما جعل لجو الأمسية جوا من البعد السردي الحواري الذي عقب عليه القاص حسن بوحسن.

وبعد انتهاء المداخلات وقع بوحسن كتابه لمن لم يتسلمه حين صدوره.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة