الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٢ - السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

قضايا ثقافية

الــوقـــــــــــــــت





أصبح المثقف اليوم يعاني النقص الكبير في الوقت بعد الهجوم الشرس للأجهزة التقنية الحديثة التي سيطرت على العقول وصار من الصعب على المثقف ألا يتعامل معها ولو أهملها على حساب القراءة الجادة والبحوث المضنية لصار واحداً من ركام الماضي.

إن التقنيات الحديثة التي قدمها لنا العالم المتطور هي في الأساس تلتهم الوقت وتقضي على الروتين الثقافي اليومي الذي يواجهه المثقف العربي لكن المشكلة التي لم تُحل ترتكز على الثقافتين الخاصة والعامة.

نحن في حياتنا اليومية نصارع هاتين الثقافتين إذ لا يمكن أن نفصلهما عن بعضهما بعضا، لأن كل واحدة منهما تكمل الأخرى ولا أعتقد أن هناك من يقرأ فقط لتنمية ثقافته الخاصة وإهمال الثقافة العامة أو العكس لأن هذا التوجه فيه الكثير من الجنون الثقافي الذي يؤدي إلى نسف الثقافتين معاً من العقل البشري.

الثقافة الخاصة هي تلك الكتب التي يحرص على قراءتها المثقف ويطلع عليها بينه وبين نفسه لأنها تسهم في بناء فلسفته الكونية والإنسانية بما فيها كتب الأديان والسياسة، وعلينا أن نقف لمقولة لها أهمية كبيرة للعقل البشري قالها الإمام جعفر الصادق (ع) وهو من الرجال المعصومين من أهل البيت الكرام وجده الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم): (كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له) وعلينا أن نتبحر في الكلمة تبحرا ثقافيا، ويعتقد المثقف انه اختارها بمحض إرادته ولم تفرض عليه كما كانت تفرض علينا (الكتيبات) ذات المضامين الضيقة التي جعلتنا أشبه بمن يسير على قدمين ولا يعلم إلى أين يتجه.

إن تطور الحرية الشخصية في ذات المثقف جعلته يُطوِّر أدواته المعرفية ويتجاوز سلطة الأمر والنهي التي حولته إلى جهاز تقني متخلف لا يعمل إلا بالضرب على الرأس أو المؤخرة.

أما الثقافة العامة التي لا مناص للمثقف العربي منها فهي الاطلاع اليومي على معظم ما تنشره الصحافة العربية والأجنبية لأن في هذا الاطلاع اليومي الغزير يكتشف ـ كونه قارئا جادا ـ الكثير من الأكاذيب سواء في الأخبار أو المقالات أو التصريحات أو ما يطرحه أصحاب أعمدة الرأي، وهذه الجوقة إما أن تكتب ما يُملى عليها وإما تساير نظام المعرفة الآني وعلى المثقف أن يتابعها لأنه يدرك أنهم كُتّاب (مراحل) وهم أشبه بكتاب (الفصول الأربعة) ولكل فصل حياة.

ورطة المثقف العربي ليست كورطة المثقف الأوروبي، فالعربي يقرأ كل شيء حتى كتب (المطبخ) ويتابع كتب (الموضة) لأن (المدام) تطلب إليه أن يأتي بكل المجلات الملونة وهي ثقيلة الحجم ومصقولة الورق ويلبي طلبها وعليه أن يطلع على كل ما ينشر ليس بحجة الاطلاع الواسع إنما لأنه مقيد الحركة يأكل من النشر كل شيء حتى لو كان الطعام ساما.

أما في العالم المتقدم فلا تجد المثقف هناك يكتب في السياسة أو يتحول بغمضة عين من فن الرسم التشكيلي إلى النجارة أو من الأدب إلى صناعة الفخار أو من الشعر إلى حفر القبور،هناك لا يمكنك أن تتجاوز قدراتك لتصبح (اثنين) في (واحد) لأنك إن فعلت اسهمت في إحداث الفوضى الثقافية، لكن في الوطن العربي وفي بلادنا بالذات يمكن للقُبرة أن تصبح غُراباً ويمكن لسمكة (الصافي) أن تتحول إلى سمكة (قرش) في غمضة عين وفي غفلة من النقد الأدبي المسئول ئ



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة