الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٢ - السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

الموتُ أقصرُ رحلةٍ للوأد

مذكراتُ الحلم في (درسِ السعادة) للقاص محمد عبدالملك (٢- ٣)





سعادة الزواج في البكم

أما في قصة (امرأة) فهي تحكي قصة شاب حاول التقرب إلى فتاة جميلة في مقتبل العمر لها قوام متناسق، فرض عليه الجلوس معها؛ لأنها لم تمانع جلوسه إلى طاولة واحدة من خلال الابتسامة التي رسمتها على شفتيها، »حرك يده ليسألها بارتباك أول الأمر، تلاه شعور بالغبطة ثم انسابت مرحبة على شفتيها« ١))، ويزيد إعجاب الرجل بالمرأة لأنه عرف ما يميزها عن باقي النساء، فهي بكماء حيث كانت الإشارات والعلامات والإيماءات هي اللغة التي تخاطب بها النادل، »عرف أن المرأة بكماء عن طريق النادل« ٢)). وهو ما رفع من رصيد الإعجاب والتمسك بها، فهو لا يحب الثرثرة النسوية، والصراخ والكلام داخل البيت بسبب ومن دون سبب، فهـو شـاب »لا يريـد امـرأة ثـرثـارة، أسـوأ ما فـي المرأة لسانها.. لا يريد غير الطاعة«٣))، كأنه يؤكد أن قلة كلام المرأة ترفع من قدرها وشأنها، بالإضافـة إلى اعتقـاده أن الثـرثـرة لـدى النساء قد يصل الأمر بهن إلى نسج علاقات غرامية محرمة مع الرجال لذلـك »لا يثـق في النساء والثـرثـارات فذلـك مدعـاة للانـزلاق إلى علاقــة محرمـة مع الرجال« ٤)).

أو كما كان يقول برناردشو أيضاً »إن الثرثرة حلية من حلي المرأة البراقـة، تلـك الثرثرة التي تجـذب الانتبـاه وتسر النفوس«، بل كانت رغبته تجاه هـذه المـرأة بالذات لإيمانه بأن صوت المرأة عورة أيضاً »ثم أن صوت المرأة محرم« ٥))، ومن هذه الإشارات التي تتصف بها المرأة التي يريدها فإن حياته ستكون سعيدة، وما على المرأة هنا إلا أن توافق لتصبح زوجة له، حيث هذا العجز اللغوي سيجعلها معتمدة عليه في كل شيء، وستخلص له، ولكن النظر إلى المستقبل وتطلعات الحياة الزوجية من دون لغة تخاطب لفظية قد يفسد العلاقة وخاصة تلك التي بنيت على مصادفة وليس بناءً على علاقة حب بين الاثنين، لذلك برز بعد زواجهما بعض الإرهاصات حيث كانت رغبة الرجل أن يسمع شيئاً ما صادراً عن زوجته، غير أنه بعد الزواج واستمرار العلاقة بينهما بدأ يفكر في مفردات الحب، وجمل العشق، والوله الذي يريد أن يسمعها من المرأة بصوت صاخب ومعلن فـ »في الحب يتلّون صوت المرأة ويظهر بكل الطبقات الموسيقية، يحب أصوات النساء في تلك الحالات حين تقول له المرأة أحبك أحبك«٦)). ولكن الصمت في غرفة النوم بات مخيفاً.

وهذا يكشف مدى المعرفة التي قد تشربها هذا الشاب من تراثه وثقافته وأعراف مجتمعه، إذ انه لا يعرف طبيعة العلاقة مع النساء عامة، والمرأة بوصفها زوجةً على وجه الخصوص، فالقصة تعطي دلالة عدم المعرفة، وقصور في فهم دور المرأة داخل البيت، وعلاقتها مع الرجل، والمجتمع الخارجي، فمكانة المرأة في الحياة تساوي مكانة الرجل، وكلما توازن دور الرجل والمرأة في البناء والتطلع والتطوير كان المجتمع في حالة استقرار، ولكن لعدم القدرة على معرفة عوالم المرأة الداخلية هو الذي أوصل هذا الشاب إلى هذا الموقف الذي بات حائراً، والسؤال يكمن في لو أن المسألة عُكست والبكم كان عند الرجل ماذا ستكون حال المرأة/ الزوجة.. تلك المرأة التي ترغب في سماع الآهات وهي تخرج متعطشة من الرجل؟

المال ولعبة الزواج

وفي قصة (طباع الأغنياء) تبرز القصة العلاقة الزوجية، وكيف أن الزوج يتزوج من امرأة ثانية ثم يكتشف أنها على علاقة بشخص آخر مما يؤدي إلى توقف قلبه عن النبض والحركة إذ »قيل ان الزوجة الجديدة خانت الزوج المفجوع فسكت قلبه« ٧))، وما ان عرفت الزوجة الأولى الخبر حتى تدخل هي في غيبوبة، »هكذا صعقها الخبر فلم تسمع العويل الذي ارتفع إثر سقوطها في المنزل« ٨))، وبدلاً من الحديث بين الناس عن الموت وما أصاب الزوجة الأولى راح الحديث يصدح، والحكايات تنتشر، والأخبار تتناقل، والدعابات تعلو بين الحين والآخر عن هذه العلاقة الزوجية والخيانات التي تحدث وتطرأ في خضم العلاقات الزوجية المستقرة وغير المستقرة، ثم كيف أن الزوج رأى زوجته التي تزوجها في السر في هيئة امرأة عاريـة مع عشيقها على سرير نومهما »قالت التحريات إن الزوج العجـوز رأى فتاته على هيئة فاضحة مع عشيق في عمرها على سريره« ٩)).

وهكذا تطرح القصة بعض القضايا الاجتماعية ذات الأهمية بالنسبة إلى واقعنا المعيش، مثل: تعدد الزوجات والمشكلات التي قد تحدث بسببها، سرية الزواج الثاني أو الثالث لعدم قدرة الحياة الزوجية الأولى على المكاشفة والحوار المتمدن، ظاهرة زواج المسنين من الفتيات الصغيرات، »إن الزوج متزوج في السر من فتاة صغيرة« ١٠))، بل رغبات الصغيرات أيضاً في اصطياد الرجال الكبار السن لاعتقادهن أن مصير هذا الرجل الموت القريب، والفوز بالتركة وبنصيب من الإرث، كما نشير أيضًا إلى أن هناك الكثير من الفتيات الصغيرات يرغبن في متابعة الموضات والأزياء والماركات في الوقت الذي لا تتمكن هذه الفتاة أو تلك من تحقيق هذه الأحلام الوقتية، وتلبية الحاجات الكمالية الاستهلاكية إلا من خــلال هــذا الزواج غير المتكافئ، وفي الوقت نفسـه السعي إلى تكويـن علاقـة عاطفيـة مع شـاب من عمرهـا لذلك أكد الكاتب هذه الظاهـرة حين ذكر السارد قوله »شوهدت العشيقة الصغيرة مع زوج المستقبل في رواق مقهى ليلي خافت الأضواء...« ١١)).

وفي قصة (سكتة قلبية) تعطينا معنى العلاقة بين الزوجة وعشيقها أيضاً كما هي في قصة (طباع الأغنياء) حيث تدور حول قتل زوج مسن بتخطيط من الزوجة وعشيقها، ويدخل في لعبة الاتهام رجل آخر يُعذّب أشد العذاب حتى يهذي ويقول ما يريده المحققون من اعترافات، ولكن الموت كان حليفه بعد تكرار حالات الإغماء، جولات من التعذيب، غير أن الجاني يعترف بجريمته »جاءنا رجل إلى المخفر قبل قليل واعترف باقتراف الجريمة.. قال إن ضميره أنّبه كثيراً فجاء ليعترف. لم يستطع النوم منذ وقوع الجريمة، اعترف بكل شيء، كانت هناك علاقة عاطفية بين الجاني والزوجة، واعترفت بهذه العلاقة باشتراكها للتخطيط على القتل.. وقد تركت الباب مفتوحاً« ١٢))، وهذا ما يعطينا مؤشر سقوط المرأة في أعمال لا تخجل منها ولا تراها قبيحةً، لذلك أعطت قصة طباع الأغنياء أنموذجا آخر لهذا الفعل، وتحديداً حينما رأوا الفتاة وهي تتأبط الشاب في مقهى ليلي.

وهذا ما يكشف تلك الرغبات الدفين عند المرأة تجاه علاقتها بمن تريد من الرجل الطاعن في السن، أو الرجل الغني، حيث تحاول المرأة كما رسمها الكاتب البحث عن ملذاتها التي هي أي المرأة على يقين بأنها لا تتحقق إلا باصطياد هؤلاء الرجال، فهي لا تهتم ولا تكترث بعادات المجتمع الرفيعة ثقافيا وحضاريا وأخلاقيا، تلك التي تصون حقوق الرجل والمرأة معاً بقدر ما تهتم بكيفية الوصول والاستحواذ عبر مكوناتها الأنثوية، وعندما تسلّم المرأة هنا نفسها فإنها تنتظر مقابل هذا التسليم، أي أن الفتاتين حينما أقبلتا على الزواج من هذين الرجلين في قصتي طباع الأغنياء والسكتة القلبية كانتا على علم بأنهما سوف تجنيان بقدومهما على الزواج ما هو أكبر وأكثر من هذه التضحيات، الذي لم تستطع المرأة العادية الحصول عليه طوال حياتها.

رجل مأساوي الذكريات

وتأتي قصة حزام العفة لتتناول حالة نفسية يعيشها الزوج نتيجة ممارسات كان يمارسها ثم أسقطها على زوجته حيث الغيرة الشديدة المرضية التي تسربت إلى تركيبته الفسيولوجية والحياتية بعد العلاقات التي كونها مع العديد من النساء المتزوجات، وتشتد الغيرة عنده تجاه زوجته لأنه كان على علم بما تقوم به النساء اللاتي يعاشرهن ويضاجعهن وهن يكذبن على أزواجهن فيقول: »لا أثق في أي امرأة، كل امرأة خائنة بالفطرة، وعندما تزوجت فمن أجل الخلفة فقط وتحت إلحاح أهلي« ١٣))، وبهذا فالقصة تطرح طبيعة الثقافة التي يستقيها الرجل قبل الزواج تجاه المرأة، فالرجل حين لا يعي دور المرأة في البناء المجتمعي وفي تكوين الأسرة تحديداً، فلأن المجتمع رسّخ في بنيته العقلية والثقافية أنه رجل يمتلك القدرة على أن يجعل المرأة مستسلمة له، غير أن الزوجة وكما تبرزها القصة أحد الأصوات النسوية التي تعتقد أنها لا تبلغ غايتها إلا حينما تمتلك الإحساس بأن الرجل فرح لما قدمته له سواء بدلالة السكوت أو الخنوع أو الرضا.

إن كثيراً من الرجال ينظر إلى المرأة بوصفها جسداً وأنثى للمتعة، لذلك ما حدث للمرأة/ الزوجة هو نتيجة طبيعية لممارسات الزوج قبل الزواج »عشيقاتي كن يلعبن هذه الألاعيب مع أزواجهن وهن في حضني يروين لي تفاصيلها، نضحك من سذاجة الزوج، الزوج المسكين يصدق« ١٤))، ولشـدة ما يعانـيه الـزوج قيد حرية المرأة وأغلـق عليهـا بـاب المنـزل »عند ذهابي أقفل الباب من الخارج وتبقى زوجتي داخل المنزل« ١٥))، ويستمر الحال المأساوي للمرأة والرجل معاً فراح يتحسس من ضحكاتها أو لعدم رفع سماعة الهاتف لتخاطبه في أثناء خروجه من المنزل لانشغالها بأمور البيت، لذلك بدأ يفكر في غلق النوافذ، ومنع الضوء، وتجدد الهواء، غير أن هذا المرض الذي غرس جذوره في متخيله الذهني، ومعاناته قرر أن يضع حزام العفة فيقول »أحضرت حزام العفة وطوقتها به« ١٦))، هذا الحزام الذي حسم موقف الرجل تجاه المرأة نتيجة مرضه، ذلك المرض الذي سلب حرية المرأة من حقها الإنساني والاجتماعي في محيط الحياة الزوجية.

وفي مجمل هذه العلاقة التي كشفها الكاتب كانت علاقات تؤكد الدونية تجاه المرأة من قبل الرجل، وهنا نعتقد أن الكاتب لم يعطِ المرأة في مجموعته هذه دورا ثقافيا أو اجتماعيا أو يكشف من خلالهما مكانة المرأة التي ينبغي أن تتبوأها في المجتمع، بل جعلها مصدر رغبة وإشباع حسي وانفعال جنسي كما في قصة السجناء، وضعف وإهانة من قبل الرجل كما في قصة حزام العفة، ومصدر رحمة لرجل غير واع بدور المرأة في الأسرة والمجتمع كما قصة امرأة، وجعلها مصدر غواية وخيانة وتحقيق رغبات دونية كما في قصتي طباع الأغنياء وسكتة قلبية.

وما كنا نلاحظه في هذه القصص أن ذات المرأة ألغيت من خلال سلوك الرجل وذكوريته، كما نعتقد أن الكاتب بات هو السارد العارف بكل خفايا الحكاية السردية في هذه القصص، أي صار هو محل السارد العارف بما تريده أصوات القصص، وتلك الوظائف التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة والتي تدرك بناء الحدث، ونموه عبر اللجوء إلى الواقع المعيش، والذاكرة والثقافة السائدة في المجتمع، والسؤال يتمحور حول هذه التوليفة في رسم الشخصية النسوية، أي الصوت الأنثوي الذي لم يستطع أن يعلن صوتاً أو رأياً أو حالة رفض أو مواجهة، بمعنى حينما أقدم الكاتب على هندسة الشخصية النسوية، ألم يضع في اعتباره مجموعة من الأسئلة، مثل: ألم يحن الوقت لدق ناقوس التحدي والمواجهة في تغيير عاداتنا وأعرافنا المتوارثة تجاه المرأة وعلاقتنا بها ذكوراً ومجتمعات؟ ألم يحن الوقت لدراسة حالة الضعف التي أوجدها الرجل والمرأة معاً في بناء ذاتية المرأة؟ أم يحن الوقت لنقرأ بتأمل مكانة المرأة في المجتمع؟

إنها أسئلة كثيرة تجاه صورة المرأة من قبل ذكورية الرجل التي لاتزال مانعة التعاطي مع المرأة بوصفها إنساناً فعالاً ومنتجاً في المجتمع، ولكن كيف يقدم الرجل على تغيير فكر ترسّخ عبر عقود من الأزمنة؟ لذلك لايزال هناك »ارتهان في العلاقة بين ذكورية الرجل واستلاب حرية المرأة ذاتها، فالمرأة مستلبة إزاء ذاتها المسلوبة من الرجل لما يتميز به من سلطة طاغية ومتماهية في الذات المجتمعية« ١٧))، وعلى الرغم من تلك الدوافع التي لعب من خلالها الكاتب في حبك أحداث قصص هذه العلاقة، الدوافع التي باتت مصدراً وباعثاً في حركة الشخصيات والأصوات داخل الفضاء السردي التي قادت إلى فعل ما لم تستطع أن تعطي الرغبة في التواصل بين هذه الأصوات والمشاركة بقدر ما أعطت الإعاقة في بناء العلاقة والتواصل معاً.

١ - درس السعادة، ص٤١

٢ - درس السعادة، ص.٤١

٣ - درس السعادة، ص.٤١

٤ - درس السعادة، ص..٤١

٥ - درس السعادة، ص.٤١

٦ - درس السعادة، ص.٤٥

٧ - درس السعادة، ص.٦٩

٨ - درس السعادة، ص.٦٩

٩ - درس السعادة، ص.٦٩

١٠ - درس السعادة، ص.٦٩

١١ - درس السعادة، ص.٧٠

١٢ - درس السعادة، ص.١٠٢

١٣ - درس السعادة، ص.٨٥

١٤ - درس السعادة، ص.٨٩

١٥ - درس السعادة، ص.٨٥

١٦ - درس السعادة، ص.٩٠

١٧ - عبدالله بوهيف، القصة القصيرة في سوريا من التقليد إلى الحداثة، ص٢٠٠.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة