الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٨ - الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أين يذهب خريجو الثانوية؟!





اليوم أو غداً أو ربما الذي بعده سيجري إعلان نتائج الثانوية العامة، وسيجد الآلاف من أبنائنا الطلبة أنفسهم ومعهم أولياء أمورهم على أعتاب مرحلة جديدة من سني أعمارهم، يجب عليهم تحديد مسارها بقرارات في منتهى الدقة والحساسية لأنه سيترتب عليها مستقبلهم وموقعهم في قادم أيامهم. هم على موعد إما بدخول سوق العمل أو الالتحاق بالجامعات لاستكمال دراستهم فيما يُسمى التعليم العالي وما ينتج عنه من حصولهم على الشهادات العليا من بكالوريوس وماجستير وحتى دكتوراه.

على أن هذين الخيارين المفترضين؛ يعتري كلا منهما مشكلات ومخاطر جمّة تجعل هؤلاء الخريجين على درجة لا يُحسدون عليها من القلق والترقب الذي يتضاعف أكثر فأكثر عند أولياء أمورهم الذين أنفقوا وبذلوا من جهدهم ووقتهم وأموالهم على مدار اثنتي عشرة سنة انتظاراً لهذه اللحظة الفارقة في حياة أبنائهم.

أما سوق العمل فأغلبنا بات يعرف أن شهادة الثانوية العامة (ما تأكل عيش) في مؤسسات القطاع الخاص، وإن وُجدت وظائف تناسب مؤهلهم فهي من الوظائف الدنيا، راتبها لا يكفي خمسة أيام من الشهر، ولا يغطي قيمة بترول السيارة ولا (أبيال) كهرباء وهاتف. والأمر لا يختلف بالنسبة الى القطاع العام الذي صارت أكثر وزاراته ومؤسساته تشترط مؤهل الثانوية العامة لوظائف في مستوى مراسل أو سائق أو ما شابهها، وفقط.

أما الخيار الآخر، وأعني الالتحاق بالجامعات؛ فهو معضلة أخرى مازالت الدولة عاجزة عن حلّها حيث إن جامعة البحرين - وهي الجامعة الرسمية الوحيدة - غير قادرة على قبول هذه الآلاف من الخريجين بسبب قلة طاقتها الاستيعابية، وبالتالي تقتصر على قبول أصحاب مجاميع الدرجات العالية لتبقى أمام أكثر الخريجين الجامعات الخاصة المصابة في سمعتها وكفاءتها وأهليّتها بعدما حصل ما حصل على مدار الأعوام القليلة الماضية من تجاذبات وعقوبات واتهامات بينها وبين مجلس التعليم العالي أخذت غير منحى المعالجات للمسائل الداخلية لتخرج إلى العلن، ومن خلال وسائل الإعلام بصورة أضرّت - ومازالت - بسمعة التعليم العالي وهزّت صورته في البحرين وخارجها. ليكون وفقاً لذلك أكبر الضحايا الآن إنما هم الطلبة على وجه الحصر والقصر، سواء من تخرّج منهم ولم يتم الاعتراف بشهادته حتى الآن أو من لا يزال يتلقى دراسته فيها من دون أن يعلم بمدى اعتمادية شهادته والتصديق عليها بعد التخرّج، وهم بالمناسبة أعداد ليست قليلة تصل معاناتهم إلى حدّ الأنين. أذكر أن أحدهم اتصل بي قبل بضعة أشهر قلقاً ومحرجاً ومنزعجاً ليس بسبب الخوف من عدم الاعتراف بشهادته فحسب، وإنما خوفه وحزنه من ردة فعل والديه الذين استدانوا ودفعوا من (تحويشة) أعمارهم ليدرّسوه في الجامعة على حسابهم الخاص من دون أن يتوقعوا أن الشهادة الجامعية التي سيحصل ابنهم عليها غير معترف بها، وكأنها لم تكن!!

كنا نتمنى على مجلس التعليم العالي أن يتمكن من حلحلة هذه المعضلة فيخرج علينا في الأسبوع الماضي بما يردّ - ولو بشيء يسير - الاعتبار الى تلك الجامعات الخاصة، ليس على حساب الكفاءة والمستوى، ولكن أعتقد أن عدة سنوات من المشكلة كانت كفيلة بإتمام معالجتها والانتقال بها من مرحلة المناكفة - إن صحّ التعبير - إلى مرحلة الأخذ باليد للحلّ والإصلاح على نحو يحفظ للمجلس رؤيته وحرصه ويحفظ لأصحاب تلك الجامعات حقوقهم واستثماراتهم، ويعيد الى التعليم العالي الخاص سمعته ومكانته رافدا يعين جامعة البحرين ورافدا من روافد البناء والتنمية في وطننا الحبيب. والأهم من ذلك أننا تمنينا أن يعلن مجلس التعليم العالي فتح القبول والتسجيل في جامعاتنا الخاصة بدلاً من أن تبقى على هذا النحو الذي أعلنه مجلس التعليم العالي مؤخراً من عدم السماح بقبول طلبة جدد في عدد ليس قليل من البرامج الأكاديمية في مختلف الجامعات الخاصة ومنها جامعة غير مسموح بقبول طلبة فيها إطلاقاً، في كل برامجها!

محنة خريجي الثانوية العامة تتضاعف: فلا أسواق العمل بالقطاعين العام والخاص قادرة على ضمّهم واستيعابهم، وطاقة الجامعة الرسمية الوحيدة لا تستوعبهم، والبعثات لا تغطي إلاّ نسبة قليلة منهم، والجامعات الخاصة، كما ترون وتقرأون وتسمعون.

سانحة:

نرجو ألا يفجعنا أحد بأن المؤسسة الفلانية أو الخبير الفلاني من سنغافورة أو تايلند أو فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرهم من الشرق أو الغرب سيتم الاستعانة بهم لعلاج تعليمنا العالي وإسناد مهمة الإصلاح والحل والتقييم والتطوير اليهم. فخراب تلك المؤسسات وخبرائهم لا يخفى على أحد، وما جرى في (البوليتكنك) جدير بالاعتبار وجدير بنا أن نعود الى المعاني السامية والحِكَم الفاضلة التي سطّرها أجدادنا في أمثالهم الشعبية كقولهم «ما حكّ جلدك مثل ظفرك».



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة