الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٩ - الجمعة ٢٢ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ شعبان ١٤٢٢ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عربية ودولية


أونج سان سو تشي.. رمز الأمل والقوة





اصبحت اونج سان سو تشي رمزا عالميا للمقاومة السلمية في مواجهة القمع، كما هو الحال مع الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا.

فقد امضت سو تشي (٦٥ عاما) معظم العشرين عاما الماضية تحت شكل من اشكال الاحتجاز بسبب جهودها من اجل تطبيق الديمقراطية في بورما التي يحكمها نظام عسكري.

وحصلت سو تشي في عام ١٩٩١ على جائزة نوبل للسلام، اي بعد عام من فوز الرابطة الوطنية للديمقراطية، وهي الحركة التي تقودها، بشكل كاسح في الانتخابات العامة في بلادها، التي الغاها العسكر.

ووصفها فرانسيس سييستد رئيس لجنة جائزة نوبل بأنها «نموذج رائع لقوة من لا قوة له».

وظلت سو تشي، على الرغم من تهميشها مدة عقدين حتى في انتخابات نوفمبر الماضي، رمزا قويا للأمل بالنسبة إلى العديد من البورميين.

رصانة سياسية

سو تشي هي ابنة احد ابطال الاستقلال البورمي الجنرال اونج سان، الذي اغتيل خلال العملية الانتقالية نحو الاستقلال في يوليو من عام ١٩٤٧، اي قبل الاستقلال بستة اشهر، عندما كانت الابنة في عامها الثاني.

غادرت سو تشي إلى الهند في عام ١٩٦٠ مع امها داو خين كيا، التي عينت سفيرة لبلادها في دلهي.

بعد ذلك بأربعة اعوام انضمت سو تشي إلى جامعة اكسفورد البريطانية، حيث درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وهناك التقت زوج المستقبل، الاكاديمي مايكل ايرس.

وبعد فترات من العيش والعمل في اليابان وبوتان، استقرت لتصبح ربة بيت انجليزية لتربي طفليها الكسندر وكيم، لكن بورما ظلت في بالها دائما.

وعندما وصلت إلى عاصمة بلادها رانغون في عام ١٩٨٨، من اجل رعاية امها المريضة جدا، كانت بورما في حالة اضطراب سياسي كبير.

فقد انتشر الطلاب والموظفون والرهبان في الشوارع مطالبين باصلاحات ديمقراطية.

وقالت سو تشي في كلمة القتها في رانجون في السادس والعشرين من اغسطس من عام ١٩٨٨: «لا يمكنني، وانا ابنة ابي، ان ابقى غير مبالية او مهتمة بما يجري».

وبدأت سو تشي بعدها بسرعة زعامة الانتفاضة ضد الدكتاتور الحاكم آنذاك الجنرال ني وين.

وانطلاقا من اعجابها بالحملات السلمية الرافضة للعنف التي قادها داعية الحقوق المدنية الامريكي مارتن لوثر كينج، وحركة المهاتما غاندي قبله، شرعت سو تشي في تنظيم مسيرات ومظاهرات، وطافت في انحاء بلادها، داعية إلى الاصلاح الديمقراطي عبر الطرائق السلمية وداعية إلى انتخابات حرة.

تحد الا ان تلك المظاهرات قمعت بشدة من قبل الجيش، الذي استولى على السلطة بانقلاب في الثامن عشر من سبتمبر من عام .١٩٨٨

وقد دعت الحكومة العسكرية إلى اجراء انتخابات عامة في مايو من عام ١٩٩٠، حيث فازت سو تشي ورابطتها على نحو مقنع فيها، على الرغم من انها كانت فعليا تحت الاقامة الجبرية في منزلها، إلى جانب ابطال السلطة مشاركتها في تلك الانتخابات. الا ان حكام بورما العسكريين رفضوا تسليم السلطة، وظلوا مسيطرين على شؤون البلاد منذ ذلك الوقت.

وقد فرضت على سو تشي الاقامة الجبرية في منزلها برانغون مدة ستة اعوام، حتى افرج عنها في يوليو من عام .١٩٩٥ لكنها وضعت مجددا تحت الاقامة الجبرية في سبتمبر من عام ٢٠٠٠، عندما حاولت السفر إلى مدينة مندلاي متحدية قيود السفر المفروضة عليها.

واطلق سراحها بدون شروط في مايو من عام ٢٠٠٢، الا انها سجنت بعد ذلك بسنة تقريبا، عقب مواجهات بين مناصريها ومجموعات تدعمها الحكومة العسكرية.

حل الرابطة

وسمح لها بعد ذلك بالعودة إلى منزلها، لتوضع عمليا تحت الاقامة الجبرية مجددا، وظلت هناك حتى الافراج عنها اخيرا.

وخلال وجودها مجبرة في منزلها، عمدت سو تشي على اشغال نفسها في الدراسة والتمرين، فقد كانت تمارس التأمل، وطورت لغتيها الفرنسية واليابانية، وتمرنت على عزف مقطوعات لباخ على البيانو.

وفي سنوات لاحقة خلال اقامتها الجبرية سمح لها بلقاء مسؤولين في حزبها وبعض الدبلوماسيين الاجانب، لكنها في السنوات الاولى كانت عمليا تعيش في عزلة انفرادية، حيث لم يسمح لها التقاء ابنيها او زوجها، الذي مات بالسرطان في مايو من عام .١٩٩٩

وقد سمحت الحكومة العسكرية لها بالسفر إلى بريطانيا للقاء زوجها المريض جدا، لكنها رفضت الدعوة لخشيتها من احتمال رفض عودتها إلى بلادها، حتى انها لم تر احفادها حتى الآن.

وفي الاشهر الاخيرة وجهت لها انتقادات لرفضها المشاركة في انتخابات نوفمبر عام ٢٠١٠، وهي الاولى في البلاد منذ عشرين عاما.

وتقول الرابطة التي تقودها سو تشي ان تلك الانتخابات كانت غير عادلة، ولهذا قررت عدم المشاركة فيها، وبموجب قوانين جديدة بات على الرابطة حل نفسها.

سيأتي وقتنا

الا ان مجموعة من اعضاء الرابطة كونوا حزبا جديدا لخوض الانتخابات، مبررين ذلك بالقول انه لابد من وجود شكل من اشكال التمثيل النيابي في البرلمان الجديد، وهو امر افضل من لا شيء، حسب رأيهم.

وانتهت تلك الانتخابات، التي وصفها الرئيس الامريكي باراك اوباما بأنها «ليست نزيهة او حرة»، إلى سيطرة الاحزاب التي يدعمها نظام الحكم العسكري على البرلمان.

وقد ادى تنظيم الانتخابات إلى ظهور تخمينات بقرب الافراج عن سو تشي، التي قالت انها لن تقبل الافراج عنها اذا كان مقيدا بأي شروط تقيد نشاطاتها وحركتها.

وكانت سو تشي تكرر القول ان احتجازها جعلها تتيقن ان عليها وهب حياتها لتمثيل المواطن البورمي العادي. وفي مقابلة نادرة معها في عام ٢٠٠٧، وخلال الانتفاضة التي قمعت بوحشية، قالت ان الديمقراطية «لم تمت» في بورما.

واضافت، في المقابلة التي اجراها معها الصحفي البريطاني جون بيلجر، انه «مهما كانت قوة نظام الحكم، في النهاية لن يتمكنوا من ايقاف الشعب، لا يمكنهم الوقوف في وجه الحرية، وسيأتي وقتنا».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة