الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٠ - السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

الشاعر والباحث السعودي علي إبراهيم الدرورة في حديث الشعر والتراث:

المثقفون أكثر الناس حزنا وتألما من الوضع الثقافي الراهن





بالقرب من قلعة "سنابس" تاروت بالمملكة العربية السعودية، جلست مع الشاعر والباحث علي إبراهيم الدرورة، وكعادة كل مرة التقيه يدور بيننا ذات الحوار الذي يحملنا معاً على أجنحة الثقافة، وكون من أتحدث معه هو شاعر يكتب قصيدته بذاتين، الأولى اللغة الأم الفصحى والثانية اللهجة الدارجة العامية، وكون شاعرنا وباحثنا مرتبطا ارتباطا شديدا بالتراث، وبالموال كفن شعري شعبي متصل بهموم الإنسان في البحر والزراعة.

- نظرت إليه وهو ساهم، يقلب كفيه وينظر بعيداً، فقلت له: متى بدأت النشر؟

ـ بدأت النشر في أواخر السبعينيات، حينما كان عمري السابعة عشرة، وبالتحديد في عام .١٩٨٤

- ما هو المطبوع الذي قدمت به تجربتك؟

ـ ديوان شعر باسم "زهور خضراء للموت"، بعدها صمتلا بضع سنوات حتى عام ١٩٩٢ حيث أصدرت مجموعتي الشعرية الثانية التي جاءت تحت عنوان "الفاختة كانت تقول"، ثم عام ١٩٩٧ أصدرت في بيروت مجموعتي الشعرية الثالثة والمعنونة "بالقميص" وفي نفس العام أيضاً أصدرت المجموعتين الرابعة والخامسة وهما "ظل يقاسمني الريح، وزهور الصمت" وكل هذه المجموعات جاءت في الشعر الفصيح.

ماذا عن الشعر العامي، فأنتَ متعلقٌ بالأدب الشعبي ومن خلال التراث الذي أنت منشغلٌ به؟

ـ كنت في سنوات مضت كتبت في أدب الموال، وجمعتُ كل ما كتبته في كتاب باسم "مواويل على الضفاف" وقد طبعته في الدمام بالمملكة عام .٢٠٠٥

هل أسمعت قراءك شيئاً مما كتبته في أدب الموال؟

ـ بكل رحابة صدر انشدَّ الدرورة قائلاً:

يا زين لشفاف ربي جملك بالخصر

الناس لي سافروا صلوا فرضهم خصر

تجوع النفس تبغي بالنحافة خصر

نيران حبك بقلبي من سعيره زاد

وأنا الذي أحرمت روحي لذيذ الزاد

الناس بمحبتك باعي عليهم زاد

انصح يا صاحبي فالشين خله خصر.

في رباعيات الشعر كان لك باع جميل في كتابة هذا الأدب، هل أسمعتنا شيئا من رباعياتك؟

ـ ظل يفكر لحظة ثم قال: سأسمعك رباعية "سنابس":

سنابس يا نفيسا من لآل

هدير الموج ما أحلى غناه!

وشاطئها استراحة قاصديه

وزرقته لقاصدها شفاه

مآذنها تشعُ كما شهاب

يروق به لناظره سناه

لكم تحلو مراتعنا صغارا

به دوماً ونسعد في رباه

وإن شطت به الأزمان عنه

أحنلا إليهِ مرتقباً لقاه

- قبل بضع سنوات زرتنا في البحرين مشاركاً في اللقاء العلمي السابع لجمعية التاريخ والآثار بمجلس التعاون لتأسيس موسوعة دلمون التاريخية، ما الذي خرجت به من ذاك المؤتمر؟

{ كان المؤتمر من الأهمية بمكان، حيث تعرفت فيه إلى الكثير من الباحثين الذين استفدت من تجاربهم، وكانت الرسالة واضحة، لحاجة الخليج في اعتقادي لها، وهي موسوعة تضم كل تاريخ البحرين عبر العصور وليكون بين دفتيها، التراث المادي والثقافي عبر الحضارات التي سادت ثم بادت حتى يومنا المعاصر وتسجيل كل ما له صلة بالتراث الإنساني عبر العصور، من تراث ملاحي وفلكي وزراعي ومعماري وكل ما يتعلق بذلك من معتقدات وعادات وصناعات كإرث حضاري للأمم التي عاشت على تراب البحرين من خلال المخلفات الأثرية ومن خلال الرواية المحلية.

إن تقديم موسوعة ثقافية تحمل الإرث الإنساني للأجيال القادمة هو أمر حتمي وطبيعي وانجاز حضاري ذو قيمة علمية للإنسان البحريني المعاصر وهو خدمة لكل الشعوب.

ولأن الكثير من الباحثين عندما يتطرقون إلى تاريخ البحرين فإنهم لا يجدون الموسوعة المتخصصة في تاريخ وثقافة البحرين لذا فهم يعتمدون على الموسوعات والمعجميات الأخرى التي لا تحتوي على معلومات دقيقة عن تاريخ البحرين، حيث إن الذي كتب ذلك ليس من أبنائها وليست له صلة بها، والأجدى أن يعتمد على معلومات دقيقة كتبها أبناء البحرين أنفسهم.

- أيعني هذا أن الكتب التي تناولت تراث البحرين ناقصة؟

ـ أقصد أن الكتبَ الموضوعة عن تراث البحرين هي جهود فردية وتفتقر إلى النهج العلمي وهذا لا يعني عدم الاعتماد عليها في الإعداد للموسوعة الدلمونية، لأن أولئك الكتاب كانت جهودهم فردية في مادة معينة، وهذا يعني أنها جهود مبذولة ولابد من الاستفادة منها والاستعانة بمن كتبها لما له الإلمام والإحاطة وأيضاً الخبرة هذا من جانب، ومن جانب آخر إعطاء ابن هذه الأرض الفرصة لكتابة تاريخه بشكل صحيح.

- هل نقول إن الدرورة كباحث، له رؤية مختلفة في البحرين عما هو سائد؟

ـ ليس لي رؤية مختلفة بقدر ما أري أن الاستفادة من تجارب الذين سبقونا في البحث تفيدنا للسير بشكل أعمق نحو المادة العلمية، كون استفادتنا من دراسة للآثار من معبودات ونذور وأختام وأوان صابونية وفخارية وكذلك الصناعات المحلية أو المستوردة ودراستها بدقة من خلال فريق يضم لفيفا من علماء الآثار والمؤرخين، يعطينا عمقاً في البحث نؤسسُ به دراساتنا الحديثة في مجال التنقيب. فليس من المعقول أن تبقى البحرين ذات الوهج التاريخي العريق تظل من دون موسوعة يرجع لها الطالب والباحث على السواء داخل البحرين وخارج البحرين فأرض دلمون تحتاج إلى كتاب عن كل نخلة وكل بيت وكل ختم دلموني وكتاب عن كل مركب وكتاب عن كل سمكة وكتاب عن كل لؤلؤة فاللؤلؤ له ٥٠ تصنيفاً والرطب له ١٥٠ نوعاً والأسماك ٢٠٠ نوع والمراكب ٣٠ نوعاً وكذلك الطيور والصناعات وغير ذلك مما يفترض التدوين عنه.

- أرى أنك عميق البحث في قراءتك للتراث.

ـ التجربة ومشاركتي للآخرين دلتاني على الطريق الذي يجب سلكه، من دون التوكؤ على جهة واحدة في البحث، وليس البحث وحده حتى اشتغالي بالأدب يلزمني البحث الدقيق والكتابة بدقة.

- في عام ٢٠١١ صدر لك كتاب باسم "علي الدرورة شاعرا"، حدثنا عن فكرة هذا الكتاب.

ـ الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كتبت عني، بأقلام كتاب عرب وخليجيين أمثال الكاتب والشاعر محمد ولد الطالب من موريتانيا وايضاً الكاتب السوري محمود عبدو عبدو، ومن البحرين علي الستراوي، هؤلاء كتبوا عن تجربتي فأحببت أن أوثقها في كتاب.

قلت لي مرة "إن المثقفين أكثر الناس حزنا وألما على الوضع الثقافي"، أهو موقفك المساند للمثقف؟

ـ أنت تعرف أننا نعيش فترة تاريخية حرجة، فهناك فئات كثيرة من أبناء المجتمعات في الوطن، من يعانون محدودية فكرية، والعرب فيهم نسبة كبيرة من أصحاب الثقافات المحدودة فكريا أو بالأحرى أصحاب "الفكر المتحجر" ويحسبون على المثقفين، في الوقت الذي هم فيه مفلسون يفسدون كل دور ثقافي لهذه الأمة، ولكن ليعلم الآخرون وأنا منهم أقصد كل غيور على الثقافة بشكلها المعاصر والرافد التاريخي، ان صوت الشاعر يبقى هو الصوت الكبير لهذه الأمة، وهذا البعد شهدته عصورٌ مضت قبل عصرنا، فمنذ القدم والشاعر سفير وطنه.

- لقد لفت نظري إشارتك إلى ان الشاعر "صوت الأمة" ماذا عنت لك هذه المفردة في ظل بعدها المعاصرـ أنا لم أوقف عجلات الزمن بمرحلة تاريخية من دون شواهد بعدها المعاصر، ولم أوقف عجلات هذا التاريخ تحت ثقل بعد دنيوي، نسبة للدنيا المتسعة بكل أصناف البشر، لكن أربط كل هذا التاريخ بأمة ذات واقع مجتمعي تؤكد وجوده.

وقد قرأت الكثير من الشعراء الذين هزمتهم الحياة أو الظروف الصعبة، لكنهم بقوا كجبل فوق رأسه علم، انتصروا لحزنهم فخلدتهم أشعارهم، وبهذا أصبحوا صوت الأمة النابض.

وسيبقى الشعر يقينا كما بقي شعرنا العربي من العصر الجاهلي حتى يومنا هذا، ومازلنا نحفظ بعضه ونردده وندرسه لطلابنا وباحثينا، فالشعر لغة كل حضارات الدنيا، ونحن العرب علمنا حضارات الدنيا لغة الحكمة من الشرق للغرب، لكن الغرب استفاد من طفرتنا فطورها ووسع من دائرتها، عبر ومضات نحن بدأناها.

بعدها، ودعتُ الشاعرَ الدرورة، لكنه بدماثة أخلاقه اصطحبني معه في جولة وبجو أخوي، فكانت أحاديثنا لا تنقطع عن أحاديث الشعر والأدب والحياة، وكان الجديد فيها هو الطموح الذي أسهب الدرورة في الحديث عنه، متخللاً بعض التجارب بالشواهد التي كان للشعر فيها نصيب الأسد الذي اسمعني إياه.

****

بورتريه السيرة: علي الدرورة

علي بن إبراهيم بن سلمان الدرورة (المملكة العربية السعودية).

ولد عام ١٣٧٩هـ / ١٩٦٠م في سنابس بجزيرة تاروت.

دواوينـه الشعريــة: زهور خضراء ١٤٠٤هـ - الفاختـة كــانت تقول ١٤١٢هـ - القميص ١٤١٨ - ظل يقاسمني الريح ١٤١٨هـ.

من مؤلفاته: شعراء الموال في جزيرة تاروت - دارين المسك والشعر واللؤلؤ - ديوان فهد بن سالم - من تاريخ جزيرة تاروت - الصبر - الأمثال الشعبية الملاحية وغيرها.



.

نسخة للطباعة

روسيا حين تخسر العرب!

لعل من المتعارف عليه في الدوائر السياسية أن روسيا اليوم لا ينبغي أن تمثل الاتحاد السوفيتي السابق، والمقصود ... [المزيد]

الأعداد السابقة