الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٥ - الأحد ٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


ثلاث قضايا أقف عندها!





خلال انعقاد المجلس الشهري لوزير العمل السيد جميل حميدان تم طرح العديد من القضايا التي تستحق الوقوف عندها، وطرحها للنقاش العام بهدف اثرائها وحسم الخلاف من حولها.. سأختار منها اليوم ثلاث قضايا قد تبدو بسيطة، ولكني أراها -إن لم تكن في نظر البعض كبيرة- مؤثرة على الأقل في النطاق والمحيط الكائن من حولها.

} القضية الأولى تكمن فيما طرحته الأستاذة فاطمة الكوهجي نيابة عن قطاع التعليم الخاص بأكمله.

طرحت الأستاذة فاطمة هذه القضية في صورة شكوى ترفعها إلى وزارة التربية والتعليم.. تقول: نحن في التعليم الخاص نستقطب الخريجين الجدد، ونهيئهم للتدريس، ثم ندربهم، ونصقل مواهبهم.. وعندما نضعهم على طريق العطاء المتميز نفاجأ بأن وزارة التربية قد أغرتهم واستقطبتهم وحرمتنا منهم بعد أن نكون قد أنفقنا على إعدادهم الكثير.. والمشكلة الأكبر هنا أن أمورنا ترتبك، وتتعطل مصالحنا، الأمر الذي يضعنا في موضع المقصرين أمام أولياء الأمور.. ثم طالبت وزير العمل بالتدخل لإنقاذهم مما تفعله بهم وزارة التربية والتعليم!

وقبل أن نناقش هذه القضية يهمنا أن نشير -باختصار- إلى رأي وزير العمل، إذ قال: لقد تدخلت في هذه القضية بالفعل.. وأعدك بأن أتدخل من جديد.. ثم قال: لكن أليس هذا هو السوق؟.. أليس من حق وزارة التربية أن تبحث عن المعلمين الجيدين والمتميزين في أي مكان؟

يكاد الوزير يكون قد حسم القضية.. ولكن هذه الشكوى أو هذه القضية أراها تنبئ بوجود تحول ايجابي على الساحة.. فبعد أن كان القطاع الخاص هو المتهم بخطف الكفاءات من الحكومة، وهو خطفٌ مشروع، أصبحت الأوضاع معكوسة، إذ أصبح القطاع الحكومي هو المتهم!

أنا شخصيا أرى في هذا الخطف المشروع الذي أصبح خطفا متبادلا للكفاءات بين الحكومة والقطاع الخاص يجيء في مصلحة الخبرات والكفاءات البحرينية، حيث يسهم في رفع رواتبهم ومستواهم.

بصراحة شديدة لا نستطيع أن نلوم وزير التربية على هذا الخطف المشروع المشكو منه.. وخاصة بعد أن أعلن الوزير صراحة أنه لن يهدأ له بال حتى يستعيد سمعة وهيبة التعليم الحكومي اللتين كانتا له من قبل.

شيء آخر، ألا وهو أن الكثيرين يشكون من توحش التعليم الخاص.. الذي استمرأ الرفع المستمر في رسومه ومصاريفه إلى الدرجة التي أصبحت تعجز عن الوفاء بها الأغلبية العظمى من أولياء الأمور.. فهل يمكن أن نقف في هذه الشكوى إلى جانب الأستاذة فاطمة الكوهجي، في الوقت الذي يريد فيه وزير التربية والتعليم أن يرحم أولياء الأمور.. ويستعيد طلابه الذين أغراهم التعليم الخاص في حقبة من الزمن بسمعته التي نالت من التعليم الحكومي كثيرا؟ وهل يجوز لنا أن نقف في وجه الرحمة؟ وأن نعرقل جهود إعادة التعليم الحكومي إلى دوره الذي كان له والذي نجح في تخريج الوزراء والخبراء وكبار المسئولين المرموقين والنابغين في جميع المجالات، الذين يتدفق عطاؤهم، والمنتشرين داخل البحرين وخارجها؟

شيء أخير.. وهو: ألسنا نعيش في البحرين بلد الانفتاح.. والحريات.. والاقتصاد الحر؟ ولذا لا نملك إلا أن ندعو القائمين على كل المجالات، وأولها قطاع التعليم، ونقول لهم انهم في مجال رحمة الناس وأولياء الأمور فليتنافس المتنافسون.. وأقولها واضحة صريحة: كل القوانين لا تقوى على الوقوف في طريق هذا الخطف المشروع، وحتى الدستور نفسه!

} القضية الثانية التي طرحت خلال هذا المجلس.. هي الاختلاف حول قضية البطالة.. ولقد اتفق المسئولون خلال المناقشات مع معظم رجال وسيدات الأعمال الحاضرين على أن البحرين ليست بها بطالة.. أو على الأقل لا تشكو من البطالة.. وقالوا: كيف يقال إن البحرين بها بطالة وهي التي يعمل بها أكثر من نصف مليون عامل وموظف وخبير أجنبي؟.. فالمسألة لا تتطلب أكثر من ترشيد عملية التدريب، وضبط مخرجات التعليم، وقبول أبناء البلاد بما هو متاح من وظائف ثم تطوير أنفسهم وما يعملون.. وقد قال وزير العمل: لا يوجد بلد في العالم يخلو من البطالة.. ولا يمكن أن يتحقق هدف الوصول بالبطالة إلى درجة الصفر.. كما ان وجود نسبة بطالة في أي بلد أمر ضروري من أجل ضمان التحريك الايجابي المطلوب لسوق العمل وإضفاء الحيوية عليه.

ثم من قال إن البحرين بها بطالة؟ لا يقول ذلك غير المعارضة الباحثة عن أي شيء يشوهون به سمعة بلادهم. وينالون من الجهود المبذولة من أجل رضا ورفاهية المواطنين؟

قال لها مقدم البرنامج في قناة «أون تي في» المصرية: لماذا تعارضون.. وتتظاهرون.. وتحرقون.. وتكسرون؟ أجابت: لأن بلدنا فيه بطالة.. ولم ترد أن تقول إنها بطالة مستقرة عند ٣,٨%.. حتى لا يعتقد وكأنها قد أطلقت نكتة.. فيروح في موجة من القهقهة والضحك.. وخاصة في بلد مثل مصر!

} القضية الثالثة فجرتها السيدة الفاضلة أحلام جناحي رئيسة جمعية سيدات الأعمال عندما قالت لوزير العمل: يوجد بعض خريجي الجامعات الذين لا يعملون، وينتظرون دورهم في التوظيف.. هؤلاء يقبلون أن يعملوا براتب في حدود (٣٠٠) دينار شهريا.. وقد يكون أكثر قليلا أو أقل قليلا.. على الأقل بدلا من أن يجلسوا في البيت وحتى تحقق لهم الدولة الوظيفة المطلوبة.. ولكننا نصطدم بعقبة أن وزارة العمل لا توافق على أن يكون راتب الجامعي أقل من (٤٠٠) دينار! ويبدو أن وزير العمل لم يرد أن يقول رأيا في قضية أو في مبدأ تم حسمه إلى درجة أن الأغلبية العظمى من شركات القطاع الخاص -صغيرها وكبيرها- تعمل به الآن راضية مرضية.. باعتبار الـ (٤٠٠) دينار هي أضعف الإيمان في هذه الظروف التي ترتفع فيها تكاليف المعيشة بدرجة مهولة.. وأكتفي بالقول إن الحكومة رغم أنه ليس هناك نص مكتوب، تصر على احترام هذا المبدأ إلى درجة انها تسهم من أجل إبقاء الراتب عند (٤٠٠) دينار شهريا متحملة الفرق عن طيب خاطر.. وهذا مطبق حتى الآن على أرض الواقع.. وكفانا المولى عز وجل شر استغلال الظروف والمواقف.. هذا الاستغلال الذي قد يسيء إلى بلد يتمتع بسمعة طيبة في كل دول العالم.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة