التقرير السياسي للتجمع:
٢- الموقف من الدولة
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} هنا نتحدث عمّا طرحه التقرير السياسي من رؤيته لنظام الحكم باعتباره السبب الرئيسي للأزمة، وهذا هو «الطرح الوفاقي» على العموم، والمبررات فيما طرحه التقرير لا تختلف في عمومها عما يروجه الانقلابيون بشكل عام، أما حين نقول بالموقف من الدولة، فإننا نقصد كل ما يدخل في إطار هيكلية الدولة من ميثاق ودستور ومؤسسات ديمقراطية ووزارات ومؤسسات مدنية وأهلية وغير ذلك مما يشكل لبنة في تكوين الدولة، والتي يقف سواء «الوفاقيون» أو «الجمعيات الانقلابية غير المرخصة» منها موقف من يريد القفز عليها جميعاً، وتغييرها جذريا في اتجاه «دولة ولاية الفقيه» بل عبر العنف والإرهاب لإجبار الدولة (نظاما ومواطنين) على قبول الصيغة الجبرية في التغيير، من خلال ما يتم الترويج الكاذب والمخادع له بأنها (صيغة مطلبية شعبية وطنية إصلاحية ديمقراطية) يبدو أنها انطلت على كتاب التقرير وحدهم فيما الوقائع على أرض الواقع، وانكشاف الارتباطات بالخارج ونوعها، وحجم الدعم الطائفي الإيراني أو اتباع الولي الفقيه في الخليج وفي العراق ولبنان، تدحض ذلك الادعاء بالبراءة حول الصيغة المطلبية السياسية، لتكشف أنها (أجندة طائفية تابعة) ومدعومة بضراوة من الجانب الإيراني ذي الأطماع المكشوفة، وعبر تصريحات لم تهدأ منذ بداية الأزمة حول البحرين وهويتها وضد الاتحاد الخليجي، والذي لم يصدر موقف واحد من «الوفاق» وبقية الانقلابيين ضدها، ولهذا فإن موقف «أهل الفاتح» في تجمعهم الحاشد مرتين فبراير ومارس ٢٠١١، وما أعقب ذلك من تجمعات كان (صارماً وقوياً) في إطار الوقوف مع شرعية النظام من هذا المنطلق، على الرغم من تأكيد الجوانب المطلبية، لأن أهل الفاتح كانوا ومازالوا يرون في أي محاولة لإضعاف النظام الشرعي خاصة في هذه المرحلة، هو تقوية للمتسببين في الأزمة ولأصحاب الأجندة، (انقلابيي الداخل والخارج + الدعم الخارجي الإيراني والأمريكي) بما يحقق رغبة اختطاف البحرين بعيداً عن هويتها العربية وعن سلمها الأهلي، وبما يمهد لحرب طائفية طاحنة لا عهد للبحرينيين بها طوال تاريخهم المديد، أي جلب الصورة العراقية إلى البحرين.
} من جانب آخر فإن الرؤية الواضحة من جانب أهل الفاتح حول من تسبب في الأزمة، وساق البلاد إلى الانقسام والفتنة، وعمل على الاستقواء بالتدخل الخارجي، وعلى التحريض الديني، وعلى تبني العنف والإرهاب والدفاع عنهما، مما يشكل خيوط الأزمة في فبراير ٢٠١١ وما بعده، كل ذلك تقع مسئوليته الحقيقية على «الوفاق» وأتباعها والجمعيات غير المرخصة التي تنفذ تلك الأجندة التأزيمية الواضحة وضوح الشمس ولا لبس فيها، أما بما يخص المطالب السياسية فإن (حوار التوافق الوطني) قد وضع أسسها المرحلية، من دون القفز على الواقع الداخلي بسبب الأزمة، أو الاستهتار بالتدخل الخارجي الأجنبي، أيا كان إقليمياً، أو دولياً، والذي يدفع في اتجاه فرض أجندة الوفاق السياسية، وبما يمثل في هذه المرحلة المتداخلة والمتشابكة مدخلاً للهدف الأخير في الأجندة الانقلابية ذاتها.
} إذا كان هذا رأي أهل الفاتح حول المطالب ومن المعارضة الطائفية ومن نوع التغيير السياسي المطلوب في هذه المرحلة، فماذا قدم التقرير من رؤى؟ وهل تجسّد فيه موقف أهل الفاتح الذين انبثقت جمعية الوحدة الوطنية من حركتهم الشعبية المضادة للحراك الطائفي الانقلابي؟!
أولاً لم يُقدم التقرير أي توصيف للوضع يقترب مما يدور في (العقل الجمعي لأهل الفاتح) في توصيف الأزمة وجذورها ومسبباتها.
التقرير باختصار يضع نظام الحكم وحده في قفص الاتهام بشكل عام، وما بين سطوره يشي بأن أهل الفاتح ارتكبوا خطأ فادحاً بما معناه، حيث وقفوا مع شرعية هذا النظام، وليس مع المعارضة الطائفية بعد تبرئتهم من الصيغة الطائفية بالطبع وسمحوا في أن يتم استخدامهم لضرب المكون الآخر، وهذا تحليل في منتهى الغرابة، لا يقفز فقط على حقيقة الأحداث وحقيقة موقف أهل الفاتح، وإنما يقفز على حقيقة الدور الذي اندفع نحوه هذا المكون الرئيس، للدفاع والذود عن الوطن وعن الهوية وعن نفسه والدفاع عن شرعية النظام، الذي لم يكن البديل له إلا «الجمهورية الطوباوية» التي أعلنها مشيمع في الدوار، ولعبت «الوفاق» دوراً خبيثاً في إيصال الأزمة إلى تلك الحدود، وبما هو معروف عن كينونة تلك الجمهورية المرتبطة بولاية الفقيه الإيراني والأطماع الإيرانية بشكل عام، والرغبة الأمريكية في اتجاه استنساخ النموذج العراقي في البحرين وحتى اللحظة. أما الفذلكات والشعارات السياسية الإصلاحية والديمقراطية، فلو كانت صادقة النية، فإنه كان لها طرقاتها الدستورية وعبر المؤسسات الديمقراطية، ولم تكن بحاجة أصلاً إلى كل هذه الزوبعة التي انفضحت كل خرائطها ودهاليزها اليوم ويقزمها التقرير بشكل غريب.
} ولأن تجمع الوحدة الوطنية من المفترض أنه لا يخضع لآراء شخصية، في تبيان موقفه السياسي من الأزمة، لأنه وكما هو مفترض يعبّر عن الموقف الجمعي لأهل الفاتح الذي لا لبس فيه، فإن التقرير السياسي ارتكب خطأ فادحاً حين عرض هذا التقرير على الساحة البحرينية باعتباره رؤية التجمع نفسه، وحين هو وقف موقف «الوفاق» أو ما يكاد أن يكون موقفها (قاب قوسين أوأدنى) تجاه النظام الحاكم وتجاه مسببات الأزمة.
١- وضع التقرير العبء الحقيقي في الأزمة على النظام وحده، وعلى الرغم من اختلاف مرحلة الدوار عما سبقها من مراحل مطلبية سياسية أو إصلاحية وأن النظام والبحرين كلها كانت هذه المرة في مواجهة انقلاب طائفي، اتسم بالعنصرية وبارتكاب أعمال عنف وكاد الوضع أن يدخل بسبب ذلك إلى الحرب الطائفية (تقرير بسيوني).
٢- التقرير يقر بشكل مباشر أو غير مباشر كل ما ساقه ويسوقه الوفاقيون تجاه النظام الحاكم وتجاه الدولة بشكل عام، فإذا عرفنا أسباب هؤلاء فإننا في الواقع لا نعرف أسباب موقف التجمع في التماهي مع موقف الوفاق بشكل عام من الدولة والنظام.
٣- استخدم التقرير في وصف النظام مثل «الخليفة»، سيطرة الأسرة الحاكمة، القبيلة، التحصين من طغيان الطائفة إلى الصبر على طغيان القبيلة... الخ) وكأننا لسنا في دولة حديثة بكل المعايير.
٤- اختزال الدولة في النظام الحاكم واختزال هذا الأخير في القبيلة، واختزال أهل الفاتح في كونهم مجرد أداة استخدام، مما جعل التقرير في هذا الشأن يجتزئ ويختزل الأزمة والحدث وموقف المكون الرئيس في كونه مجرد مطالب شعبية وطنية يتعنت النظام في تلبيتها، وحيث أهل الفاتح أخطأوا طريق التحالف الذي من المفترض أن يكون مع (الانقلابيين) فتم توجيههم ليكون مع الحكم أو نظامه.
} ومثل هكذا استنتاج هو قادم من حيثيات رؤية التقرير ذاته، وما بين سطوره، بحيث تم تقزيم الحدث والوقائع الأصلية، وتقزيم المخاطر الحقيقية المحدقة بالبحرين كوطن في ظل الحراك الانقلابي، وتقزيم التدخلات الأجنبية والأطماع الإيرانية، وتقزيم حقيقة موقف أهل الفاتح في الدفاع عن الوطن وعن شرعية النظام، وعن الهوية والعمق الخليجي وتقزيم دور الدولة، لتكون الصورة بعدها وعلى الرغم من كل محاولات الدولة خلال العام الماضي وإلى الآن، في احتواء الأزمة واحتواء العنف والإرهاب، لتكون الصورة مجرد صورة مطالب سياسية لا جذور أخرى لها ولا امتدادات طائفية خليجية وإقليمية، ولا صلة لها بمشروع إقليمي خطير، الخ، مقابل تعنت الدولة. فالمطلوب عليه بالنسبة إلى التقرير هو بالطبع الانضمام إلى الحراك المطلبي القائم، بعد تبرئة أصحابه بشكل مباشر وغير مباشر، من كل ما تسببوا به سواء من أزمة أو كوارث على الوطن ولكأن العدو لأهل الفاتح اليوم هو نظام الحكم بالتأليب ضده وليس المخطط الانقلابي الطائفي الذي يريد عراقا آخر. فأين وعي أهل الفاتح والتجمع من هذا؟ وهل التقرير يعبر عنهم فعلا؟!
.
مقالات أخرى...
- التقرير السياسي للتجمع: ١- الموقف من حراك الدوار - (9 يوليو 2012)
- أنا وتجمع الوحدة الوطنية والتقرير السياسي - (8 يوليو 2012)
- الاستحواذ الحزبي على النقابات والمؤسسات المدنية.. إلى متى؟ - (4 يوليو 2012)
- حتى لا تتحول توصيات بسيوني إلى مكافأة للمتطرفين والإرهابيين - (3 يوليو 2012)
- توصيات بسيوني وآثارها السلبية: جمود النص وحركية الواقع - (2 يوليو 2012)
- حتى لا نتوهم أن توصيات بسيوني هي دستور البحرين - (1 يوليو 2012)
- ربيع «الإخوان» العربي - (28 يونيو 2012)
- التدخل الأجنبي: مسئولية الدولة والمجلس الوطني - (27 يونيو 2012)
- الانقلابيون ومسار اللعبة الأمريكية ـ الإيرانية - (26 يونيو 2012)