الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الدكتور عبداللطيف المحمود يتحدث عن موقفنا من المجازر ضد المسلمين ويقول:

لو عرف أعداء الإسلام أن الأمة الإسلامية ستدافع عن أبنائها لحسبوا لتصرفاتهم ضد المسلمين ألف حساب





تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف محمود آل محمود في خطبته ليوم الجمعة بجامع عائشة أم المؤمنين بالحد أمس حول «صفات الإنسان بين الفطرة والكفر.. وموقف الأمة من المجازر ضد المسلمين»، فقال: إذا عرف الإنسان نفسه حق المعرفة لاستطاع أن يوجه نفسه وحياته لمصلحته ومصلحة بني جنسه ومصلحة الأرض التي يعيش عليها هو ومن معه من البشر، اما إذا لم يعرف نفسه حق المعرفة فإنه يفسد حياته وحياة بني جنسه بل يفسد الأرض وما عليها من حيث يدري أو من حيث لا يدري.

الطريق لمعرفة الإنسان نفسه

والطريق إلى معرفة الإنسان نفسه طريقان:

الطريق الأول: الاستبيان من خالق الإنسان وهو الله تعالى، وهذا الطريق سهل ميسر لمن يأخذ معرفته من وحي السماء، والنتائج يقينية لا شك فيها، وهذا طريق المؤمنين بالله تعالى وبرسله عليهم الصلوات والتسليم.

الطريق الثاني: طريق التفكير والدراسة والملاحظة والبحث، فيعتمد الإنسان في معرفته للإنسان ولنفسه على نفسه من دون أن يلقي بالا لوحي السماء، وهو طريق طويل يحتاج إلى تراكم المعارف وكثرة التجارب، والنتائج مشكوك فيها وغير مستقرة فلا يصل إلى نتيجة حتى يأتي من ينقضها لأن الإنسان نفسه يتعرض للأهواء والأمزجة المختلفة، فتختلف النتائج من زمن إلى زمن ومن ثقافة إلى ثقافة مع أن الإنسان هو الإنسان، وهذا طريق الذين لا يؤمنون بالله ولا بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقد وهب الله المسلمين كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يقول عنه سبحانه وتعالى: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظلالُمَاتِ إلى النلاورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».

وهذا القرآن يبين صفات الإنسان التي جبل عليها بطبعه البشري، كما يبين صفات الإنسان الذي يكفر بالله تعالى وبرسله عليهم الصلوات والتسليم.

الصفات الجبلية للإنسان

فمن الصفات التي جبل الإنسان عليها:

١ - الضعف أمام الأهواء والملذات والشهوات والمعاصي، ولا عصمة منه إلا للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولقد فتح الله لهذا الإنسان سبيل التوبة ليعود إلى طريق الحق ولتطمئن نفسه، فيقول الله تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا».

٢ - العجلة في الوصول إلى النتائج التي يريد تحقيقها حتى ولو كانت على حساب حياته ولو كان فيها سوء مصيره، يقول الله تعالى: «وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا».

٣ - تسرب اليأس إلى نفس الإنسان إذا لم يتحقق مراده فيلجأ إلى المحرمات، وفي ذلك يقول الله تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرلا كَانَ يَئُوسًا».

٤ - كثرة الجدل فيما لا ينتهي إلى نتيجة، وفي هذا يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا».

٥ - الشح بالرحمة على النفس وعلى الغير، وفي هذا يقول الله تعالى: «قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ اْلإِنْسَانُ قَتُورًا».

٦ - الهلع وهو الجزع عند وقوع الشر ومنع الخير إذا جاء الخير، يقول الله تعالى: «إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرلا جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا»، لكن لهذه الصفة دواء رباني يقول الله تعالى عنه: «إِلا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ».

الصفات التي يكون عليها المنكرون لوجود الله تعالى والمنكرون لرسله أما الصفات التي يكون عليها الذين لا يؤمنون بالله ولا برسله فكثيرة منها:

١ - التقرب إلى الله تعالى عند الشدائد والبعد عنه عند النعم، يقول الله تعالى: «وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضلارلا دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، ويقول عنهم أيضا: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضلارلا فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا»، ويقول سبحانه: «لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرلا فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنلا السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ».

٢ - عدم الرضا بمقادير الله تعالى، يقول الله تعالى عن هذه الصفة: زوَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ». وقد جعل الله تعالى لهذه الصفة علاجا ربانيا يقول عنه: «إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ».

٣ - عدم الاعتراف بأن الله تعالى هو المنعم بكل النعم التي لدى الإنسان ويجعل أسباب النعم راجعة إلى ما يكون عليه من علم وخبرة وقدرة، يقول الله تعالى: «فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ»، ويقول تعالى: «وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

موقف الأمة من المجازر ضد المسلمين ٤٠٨ (الثانية)

٢٣ شعبان ١٤٣٣هـ = ١٣ / ٠٧ / ٢٠١٢

يسأل أحدهم: ما بال الأمة الإسلامية التي يقارب عدد المنتمين إليها المليار والنصف من سكان العالم يقتل أبناؤها في سوريا وفي بورما وفي أماكن كثيرة من العالم والمسلمون كأنهم نائمون، بل نائمون بالفعل؟

أقول إن الأسباب كثيرة منها ما كان من أعدائها وهذا لسنا بمسئولين عنه، ومنها ما كان من المسلمين أنفسهم وهم مسئولون عنه أمام أنفسهم وأمام شعوبهم وأمام الله تعالى.

ومن أهم الأسباب التي من المسلمين أنفسهم أن اهتمامهم بأمتهم ليس من أولياتهم، إنهم يتحدثون عن الأمة تاريخا أو تفاخرا وتعظما فقط، وهذه المرحلة التي قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنها: «أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ، ولَيَنْزِعَنَّ الله مِنْ صدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ، قيل: وما الوْهنُ يا رسول الله؟ قال: حُبلا الدلانيا، وكراهيَةُ الموتِ».

ومن أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحال اهتمام أبناء الأمة وأنظمتها بانتماءاتهم الصغيرة من دون اعتبار لانتمائهم إلى أمتهم، وخدمتهم لكياناتهم الصغيرة على حساب كيانهم الأكبر.

مبادئ الدين الإسلامي وأحكامه جاءت لصالح الأفراد ولصالح الجماعات ولصالح الأمة، غير أن أبناء الأمة وحكامها وسياسيوها انشغلوا بأنفسهم وبدولهم وبقومياتهم وبمذاهبهم بمصالحهم الخاصة بعيدا عن صلتهم بأمتهم وقضاياها.

لذلك عندما يقتل المسلمون في بورما في مذابح مستمرة وكذلك عندما يرتكب النظام السوري المجازر ضد شعبه ويهدم المساكن ويقتل الصغار والكبار وينتهك الأعراض لا يأخذ العالم كل ذلك على محمل الجد لأنهم يعلمون أن المسلمين في العالم يجعلون اهتمامهم بأمتهم في مؤخرة قضاياهم. ولو أن أعداء المسلمين عرفوا أن الأمة الإسلامية ستدافع عن أبنائها في أي مكان لحسبوا لتصرفاتهم ضد المسلمين حسابات كثيرة.

إن وعد الله بالتمكين للمسلمين لا يتحقق إلا بتحقق شروطه التي ذكرها الله تعالى في قوله سبحانه: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلكم ترحمون. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الارض ومأواهم النار ولبئس المصير».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة