الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الذين أساءوا الى الرئيس مرسي





اتخذ الرئيس المصري محمد مرسي موقفا صائبا تماما حين اعلن قبوله حكم المحكمة الدستورية وقت تنفيذ قراره الذي كان قد أصدره بعودة البرلمان المنحل، وبتأكيده احترام القانون والسلطة القضائية.

لكنه للأسف اتخذ هذا الموقف الصائب بعد ان كان الضرر قد وقع بالفعل. نعني الضرر الذي ترتب على قراره بعودة البرلمان المنحل.

الذي حدث كما قلت في نهاية المقال السابق ان الذين اشاروا على الرئيس مرسي باتخاذ هذا القرار، سواء كانوا قانونيين او سياسيين او قوى سياسية، ورطوه وأساءوا إليه إساءة بالغة.

هذا القرار ترتبت عليه اضرار بالغة بالنسبة الى الرئيس شخصيا، وبالنسبة الى مؤسسة الرئاسة، والعملية السياسية في مصر عموما.

بداية، القرار وضع الرئيس ليس في مواجهة قوة منافسة ايا كانت، وانما وضعه مباشرة في مواجهة القضاء المصري، وتحديدا اعلى سلطة قضائية في البلاد هي المحكمة الدستورية.

وقد ترتب على ذلك اساءة بالغة الى الرئيس وصورته العامة. فقد صوره، بالنسبة الى الكثيرين جدا كما عبروا عن ذلك صراحة، في صورة الرئيس الذي لا يحترم الدستور والقانون ولا القضاء وأحكامه. وبالتالي صوره في صورة الرئيس الذي يقوض أسس ومقومات الدولة المدنية.

وكما نعلم، ذهب البعض إلى حد اعتبار ان قرار الرئيس بعودة البرلمان في تحد لحكم المحكمة الدستورية، هو انقلاب على الدستور وعلى الأسس الديمقراطية.

ولأن الاعتقاد الشائع بالنسبة الى الكثيرين هو ان جماعة الاخوان المسلمين كان لها دور رئيسي في صدور القرار، فقد أساء هذا ايضا إلى الرئيس.

بمعنى انه اثار مخاوف من ان الرئيس يمتثل لما تراه جماعة الاخوان ومستعد للانسياق وراء مواقفها ورؤاها وقراراتها. وهذا عكس ما حاول الرئيس ان يؤكده في خطابه العام من انه رئيس لكل المصريين بكل قواهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم.

واذا كان الذين اشاروا على الرئيس مرسي بالقرار قد تصوروا انه سوف يصوره في صورة الحريص على المصلحة العامة وعلى اعلاء الارادة الشعبية كما قالوا بالفعل، فقد كان للقرار اثر عكسي تماما.

بمعنى ان القرار في رأي الكثيرين جدا، وكما ثبت في الواقع العملي بالفعل، لا يخدم المصلحة العامة في شيء، بل يلحق بها ضررا شديدا.

الكل يعلم ان المصلحة العامة في مصر اليوم تقتضي أمرين جوهريين. تقتضى اولا فترة من الهدوء والاستقرار واحتواء الازمات كي تتمكن البلاد من انقاذ الاقتصاد ومن الشروع في عملية اعادة البناء. وتقتضي ثانيا، شكلا من اشكال التوافق الوطني العام بين مختلف القوى في المجتمع والشراكة في عملية صنع السياسات العامة واتخاذ القرار.

والقرار الحق ضررا شديدا بالأمرين معا. فقد فجَّر من جانب أزمة سياسية طاحنة في البلاد، وكاد يفجر موجة من الفوضى وعدم الاستقرار.

والأخطر من هذا ان القرار تم النظر إليه كما لو كان دعوة إلى تحدي القانون وأحكام القضاء وعدم احترامها، وهو ما يعني الفوضى في البلاد.

كما ان القرار أسهم في تعميق الشق الوطني، وفي تعميق الخلافات والصراعات السياسية في المجتمع، وفجر صراعا جديدا.

ولعل أسوأ ما ترتب على القرار انه هز الثقة في الرئيس مرسي وفي قدراته وانتماءاته.

فكما ذكرنا، القرار هز الثقة في حقيقة ان الرئيس هو فعلا رئيس لكل المصريين، وفي انه لن يمثل لإرادة الإخوان المسلمين ورؤاهم.

واسوأ من هذا انه أثار شكوكا جدية حول قدرة الرئيس على اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب.

فعلى ضوء الاعتبارات التي ذكرناها، الاعتقاد العام لدى الناس ان القرار كان خطأ فادحا وفي توقيت غير مناسب اطلاقا وليس له مبررات كثيرة مقبولة من وجهة نظر المصلحة الوطنية العامة.

ولكل هذا كما قلنا في البداية، فقد جاء اعلان الرئيس مرسي قبوله حكم المحكمة الدستورية، وبالتالي التراجع عن القرار هو الموقف الصائب.

لكن مع هذا، الأمر المؤكد ان الرئيس سوف يحتاج إلى فترة طويلة وإلى جهد كبير كي يعالج الآثار الشديدة السلبية التي ترتبت على قراره بالفعل، وكي يستعيد الثقة العامة مجددا.

حقيقة الأمر ان الرئيس مرسي امامه فرصة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ مصر كي يؤسس لنفسه مكانة مرموقة في التاريخ المصري.

ومن المفهوم ان المعيار الاساسي هنا هو ان يكون فعلا رئيسا لكل المصريين وان يعبر عن الآمال الشعبية العامة، لا ان يكون رئيسا معبرا فقط عن الاخوان وحدهم او غيرهم.

كما من الواضح ان الرئيس بحاجة إلى حسن اختيار مستشاريه، وإلى التأني قبل اتخاذ القرارات الحاسمة. ولعل هذا سوف يتحقق اذا تم بالفعل إشراك مختلف القوى الوطنية في عملية صنع السياسة واتخاذ القرار سواء عبر التشكيل الحكومي المنتظر، او عبر العاملين في مؤسسة الرئاسة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة