الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٢ - الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب

محنة المسلمين في اليونان







أثينا هي العاصمة الوحيدة في فضاء الاتحاد الأوروبي التي لا يوجد فيها أي مسجد رسمي. لذلك يضطر المسلمون إلى أداء شعائر صلاتهم في دور غير رسمية للعبادة مثل الدهاليز والمخازن وغيرهما من الأماكن الأخرى كالمقاهي والكراجات حتى الممرات والمباني القديمة الآيلة للسقوط.

لقد ظلت الدولة اليونانية على مدى العقود الماضية تعوق كل محاولة يقوم بها المسلمون لتشييد مسجد رسمي في البلاد في إطار سياسة رسمية ظلت تتوارثها الحكومات المتعاقبة على السلطة، بل إن المسلمين يستهدفون لاعتداءات الجماعات المتطرفة أثناء صلواتهم، كما أن هذه الأماكن التي يتعبدون فيها كثيرا ما تتعرض للتدمير والتخريب والحرق.

يقول أسامة النجار، الذي يعمل في قطاع صناعة البترول:

«تمتلك كل الديانات دورا رسمية للعبادة في اليونان بما في ذلك البوذية باستثناء أتباع الدين الإسلامي. لذلك فنحن نضطر إلى التعبد في أماكن غير قانونية. نحن نتعرض للاعتداءات والعنف رغم أننا لا نرتكب أي تجاوزات قانونية أو نلحق الأذى بأي أحد».

نعيم الغندور في السابعة والخمسين من عمره وهو يرأس جمعية المسلمين اليونانية التي تضم أكثر من ثمانية عشر ألف عضو. غادر نعيم الغندور بلده الأصلي مصر قبل أربعين سنة وهاجر لليونان وهو يقول انه لم ينعم يوما في حياته بالصلاة في مسجد حقيقي. لذلك فهو يضطر للذهاب إلى أي من المساجد غير القانونية في العاصمة أثينا التي يفوق عددها المائة مثل المسجد الضيق الذي أقيم في دهليز تحت أحد المتاجر.

يعاني المسلمون عدم توافر أي مسجد رسمي في العاصمة اليونانية أثينا بالإضافة إلى افتقارهم إلى أئمه يؤمونهم في صلاة الجمعة وبقية الصلوات الخمس. يضطر أغلب المسلمين للصلاة خمس مرات في اليوم في الدهاليز فيما يؤدي الآخرون صلواتهم في مقار سكناهم.

تعتبر اليونان حالة استثنائية من بين كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. يبلغ عدد المسلمين في اليونان أكثر من نصف مليون، علما أن أكثر من أربعين بالمائة (٤٠%) منهم يعيشون في العاصمة أثينا.

يمثل المهاجرون نسبة كبيرة من المسلمين في اليونان، الأمر الذي يزيد من تأجيج مشاعر الكراهية والعداء ضد المسلمين بصفة عامة والمهاجرين على وجه الخصوص. لقد زادت الاعتداءات التي تستهدف المهاجرين على أيدي جماعات عنصرية متطرفة تمارس العنف وتعلن عزمها على تطهير المدن اليونانية وخاصة منها العاصمة أثينا من المهاجرين غير الشرعيين.

أظهر استطلاع للرأي أجري سنة ٢٠١١ أن الأغلبية الساحقة من اليونانيين ترفض تشييد مسجد رسمي للمسلمين سواء في العاصمة أو في بقية المدن اليونانية الأخرى. تعتبر أثينا العاصمة الوحيدة من بين كل عواصم دول الاتحاد الأوروبي التي لا يتوافر فيها مسجد رسمي للمسلمين. يعود هذا الحظر إلى سنة ١٨٨٣ وهو تاريخ انسحاب القوات العثمانية من أثينا. لم تعط أي حكومة يونانية يسارية كانت أم يمينية موافقتها على بناء مسجد رسمي للمسلمين في أثينا على غرار لندن أو باريس.

من الناحية الرسمية تتكفل الدولة بمساعدة دور العبادة الخاصة بالمسلمين ماديا وماليا غير أن هذا الإجراء لا ينطبق إلا على المناطق المأهولة بأعداد كبيرة من المسلمين في مقاطعة «ثراس» بشمال البلاد.

لقد تم ترشيح عدة مواقع ممكنة لتشييد أول مسجد رسمي في العاصمة أثينا غير أن المشروع يظل مؤجلا إلى تاريخ غير معلوم بسبب استفحال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف باليونان والرفض القاطع الذي تبديه الكنيسة الأرثودكسية التي تعرف بنفوذها الكبير.

قبل تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة أثينا تعهدت المملكة العربية السعودية بتمويل بناء مسجد كبير قرب المطار الدولي في أثينا غير أن الكنيسة الأرثودكسية قد فعلت كل ما في وسعها حتى تجهض المشروع في المهد.

لقد بدأت الجاليات الإسلامية تفقد صبرها، ففي سنة ٢٠١٠، احتشد أكثر من ألف مسلم لأداء صلاة الجماعة في الميدان الموجود قبالة جامعة أثينا والتعبير عن سخطهم على منعهم من بناء مساجد يتعبدون فيها على غرار بقية أتباع الديانات الأخرى، الأمر الذي اضطر وزارة الداخلية اليونانية لتعبئة أكثر من سبعة آلاف شرطي من قوات مكافحة الشغب لحمايتهم من الجماعات المتطرفة التي احتشد أنصارها بالآلاف.

مع بداية شهر سبتمبر ٢٠١١ بدأ النازيون الجدد بدورهم يستهدفون المسلمين ويعتدون عليهم ويخربون محالهم ودور العبادة غير الرسمية التي أقاموها. لقد حصل حزب سياسي متطرف يعادي العرب والمسلمين على ثمانية عشر مقعدا برلمانيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

بدأت الطبقة السياسية التقليدية اليونانية تطلق بعض الإشارات الإيجابية، فقد عبر رئيس مجلس تيسالونيك يانيس بوتاريس عن سعيه لتوفير مسجد يليق بالسكان المسلمين الذين يفوق عددهم خمسة آلاف نسمة في هذه المدينة اليونانية. يرغب هذا المسئول اليوناني أيضا في إلقاء نصب تذكاري لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

أما في العاصمة اليونانية أثينا فإن السلطات هناك بدأت تفكر جديا في مشروع جديد يتمثل في تحويل قاعدة حربية بحرية قديمة وغير مستخدمة في غربي العاصمة إلى مقر رسمي يمكن للمسلمين إقامة شعائرهم فيه بشكل قانوني غير أن مثل هذا الإجراء لم ينل رضا الجالية المسلمة العريضة في اليونان.

يقول نعيم الغندور معلقا على هذه المبادرة:

«لا أحد في اليونان استشارنا بخصوص مثل هذا المشروع.. في الحقيقة هناك موقع آخر مثالي وهو يتمثل في مبنى المسجد القديم في ضاحية موناستيراكي في أثينا الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن الخامس عشر. لقد تم تحويل هذا المبنى التراثي القديم الذي يعتبر من آثار المسلمين إلى مخزن وهو يستخدم اليوم مستودعا للقطع الأثرية التي يتم اكتشافها في مختلف مناطق اليونان الغنية بآثارها التي لم يتسن وضعها في المتاحف الوطنية اليونانية».



كورييه إنترناشيونال

















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة