الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٦ - الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


نظام الأسد رهين المظلة الروسية





لا شك أن الروس يشعرون الآن بنشوة اللحظة، فخلال الأعوام القليلة الماضية، نادرا ما كان أي أحد يطلب ودهم ويغازلهم سياسيا ودبلوماسيا أما اليوم فقد أصبحوا في موقف قوة.. لكن إلى حين فالأمر لن يطول. يبدو الروس في هذه المرحلة الوحيدين القادرين على التأثير فيما يجري اليوم في سوريا كما يبدو انهم في هذه اللحظة الوحيدون القادرون على وقف حمام الدم الذي يرتكبه نظام دمشق ضد شعبه المطالب بالحرية.

إن سوريا تنزلق تدريجيا باتجاه جحيم المجازر الطائفية.

لا يخفى على أحد ان نظام دمشق هو حليف لروسيا في منطقة الشرق الأوسط وقد ظل كذلك منذ حقبة الحرب الباردة عندما كان الاتحاد السوفيتي البائد يخوض صراعا مريرا على مواقع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط ضد الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتفظ اليوم بحلفائها فيما انفرط عقد الاتحاد السوفيتي ولم يعد لروسيا من حليف سوى سوريا بعد أن ضاعت من موسكو كل من مصر والعراق واليمن والصومال وأخيرا ليبيا.

لا يخفى على أحد أيضا أن لروسيا استثمارات كبيرة تتطلب الحماية في سوريا، كما أن سلطات الكرملين لها قاعدة حربية بحرية في طرطوس. إن سوريا هي آخر موطئ قدم تستند إليه الدبلوماسية الروسية في العالم العربي. أما الجيش السوري الذي يحمي نظام دمشق ؟ على عكس الدور الذي لعبه الجيشان التونسي والمصري ؟ فهو مجهز من قمة رأسه حتى أخمص قدميه بالأسلحة الروسية الصنع من كل الأنواع.

إن سلطات الكرملين تتولى حماية عائلة الأسد كما أن الفيتو الروسي يتكفل بإجهاض أي تحرك تقوم به المجموعة الدولية في مجلس الأمن الدولي من أجل إنهاء الأزمة السورية لكن من دون جدوى. لذا لا يمكن القيام بأي شيء أو اتخاذ أي قرار فعال في مجلس الأمن الدولي من دون الموافقة الروسية.

يوم ١ يونيو ٢٠١٢ حل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بباريس في زيارة لفرنسا بدعوة من الرئيس المنتخب حديثا فرانسوا هولاند وقد كانت المسألة السورية حاضرة بقوة، علما أن وجهته كانت بعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حيث التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما. هل أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ؟ العائد بدوره إلى كرسي الرئاسة ؟ الرجل الذي يتودد إليه الجميع؟

لا شك أن الرئيس فلاديمير بوتين قادر فعلا على القيام بدور مؤثر يوقف حمام الدم ومسلسل المجازر التي ظلت متواصلة في سوريا منذ أكثر من خمسة عشر شهرا ولا يوجد ما يوحي بأن هذه المذابح ستتوقف في قادم الأيام.

لا يخفى على أحد أن فلاديمير بوتين يحن بقوة إلى عهد الاتحاد السوفيتي، ففلاديمير بوتين هو الضابط السابق في جهاز المخابرات السوفيتية الكي جي بي، هذا الاسم الذي كان في تلك الحقبة يثير الرعب في الغرب. إن الرئيس فلاديمير بوتين يحب مثل هذه الوضعية. لقد عادت روسيا من جديد إلى الساحة الدبلوماسية.

يدرك النظام البعثي الحاكم في دمشق تمام الإدراك أنه يعيش تحت رحمة الحماية الروسية وأنه يدين ببقائه حتى هذه اللحظة لسلطات موسكو من دون سواها، فمنذ أن أجهضت سلطات موسكو في شهر فبراير ٢٠١٢ مشروع قرار عرض على مجلس الأمن الدولي لمطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي عن منصبه ظل نظام دمشق يشن حملة قمع وحشية من أجل القضاء على الانتفاضة الشعبية التي تطالب برحيله.

لا شك أن المجزرة التي ارتكبها نظام دمشق يوم ٢٥ مايو ٢٠١٢ في قرية الحولة في محافظة حمص السورية خير دليل على وحشية النظام السوري المحمي من موسكو، فقد أزهقت أرواح قرابة مائة من سكان تلك القرية ؟ من ضمنهم أربعون طفلا ؟ طعنا بالسكاكين أو رميا بالرصاص من مسافة قريبة ما يمثل عملية إعدام جماعية.

فضلا عن المظلة الدبلوماسية الروسية القوية التي يعيش في جلبابها ويتنفس من خلالها بعدما تفاقمت عزلته في العالم وإضافة إلى وحشية الأطراف القريبة منه في دمشق التي تستمد مصالحها من بقائه فإن نظام دمشق لايزال يمسك ببعض الأوراق القوية، فهو يحصل على دعم قوي ومساعدات كبيرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. يظل الجيش السوري في أغلبه مواليا لنظام دمشق إضافة إلى النواة الصلبة في الحكومة وحزب البعث الذي يمثل في حد ذاته الدولة، فقد حرص البعثيون منذ عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد على أن يذوب الحزب والدولة في بعضهما بعضا، على غرار الدولة الستالينية السوفيتية البائدة.

ينحدر بشار الأسد من الأقلية العلوية التي ظلت رغم ذلك تهيمن على بقية الطوائف أخرى وتحتكر السلطة بمن في ذلك المسلمون السنة الذين يمثلون ٧٠% من السكان في سوريا. تضم الفسيفساء السورية أيضا المسيحيين والدروز والأكراد. يشكل السنة لب المعارضة المناهضة لنظام بشار الأسد وهي التي قد تسيطر على الساحة السياسية إذا ما قامت دولة ديمقراطية في سوريا ما بعد النظام البعثي.

يمكن لسلطات الكرملين أن تظل تعرقل أي إجراء وتناهض أي مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي عدة أشهر قادمة على الأقل. تدرك روسيا أيضا أن المعارضة في سوريا غير قادرة على قلب نظام الحكم في دمشق مثلما تدرك ايضا أن نظام دمشق لن يستطيع ؟ مهما فعل ؟ ان يقضي على هذه الثورة الشعبية التي تطالب برأسه.

أحيانا يكون "عدم القيام بأي شيء وترك الأحداث تأخذ مجراها" الخيار الأمثل في الميدان الدبلوماسي والسياسي، لكن يخشى أن مثل هذه المجازفة قد تدفع بنظام دمشق إلى الغرق أكثر فأكثر في الفوضى العارمة والدامية قبل أن يفقد بعد ذلك كل ما تبقى له من سيطرة. فباستثناء العاصمة دمشق ؟ أو بعض أحيائها ؟ فقد أصبحت المناطق السورية كافة اليوم مسرحا للحرب الأهلية غير المعلنة.

لقد قال لي شاهد عيان آثر عدم الكشف عن هويته هو عارف بخبايا النظام الحاكم في دمشق قبل بضعة أيام إن نظام بشار الأسد يسير تدريجيا إلى مصيره المحتوم وان نهايته غير بعيدة.

يضرب الجيش النظامي الحصار على الأحياء التي يسيطر عليها المعارضون لنظام دمشق وهو لا يتردد في دكها باستخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وطائرات وراجمات وقذائف هاون، وكلها سوفيتية الصنع.

يقول محدثنا: "إن الجيش النظامي السوري يقتل ثم ينهب ويحرق ويتصرف مثل العصابات المغولية عندما كانت تغزو البلدان الأجنبية.. يلقى الجيش النظامي الدعم الكامل من عصابات "الشبيحة" ؟ وهي عبارة عن مليشيات علوية تتولى إبادة عائلات بأكملها عن بكرة أبيها ؟ مثلما حدث يوم ٢٥ مايو ٢٠١٢ في قرية الحولة في محافظة حمص السورية".

تفر العائلات السورية بالعشرات والمئات حتى أصبح عدد اللاجئين بالآلاف في الخارج كما في الداخل. يفتح القناصة العلويون النار عشوائيا على طوابير المساكين الفارين فيما تظل الدولة السورية تتفكك وتتآكل من الداخل حيث انه لم يعد يوجد اي أثر تقريبا للوظيفة العمومية في المحافظات، وساءت الحياة الاقتصادية وانتشرت عصابات التهريب وتجارة الأسلحة أكثر من أي وقت مضى.

مع اشتداد القمع الذي يمارسه نظام بشار الأسد تزداد الحركة المعارضة له راديكالية، حيث إن الجماعات المسلحة أصبحت تستهدف الجيش النظام السوري مباشرة كما استهدفت شخصيات نوعية في نظام بشار الأسد إلى عمليات اغتيال لم تعلنها السلطات السورية حتى الآن عدا موجة التفجيرات التي تنسب إلى السلفيين المتطرفين.

لقد تسببت هذه الوحشية أيضا في ازدياد عزلة النظام السوري، فقبل عشرة أشهر كان النظام الحاكم في دمشق قادرا بطبيعة الحال على الفوز في الانتخابات. أما اليوم فإن الصراع قد تحول تدريجيا إلى حرب طائفية ودينية مدمرة قد تأتي على الأخضر واليابس في سوريا، وهو التطور الذي يكون نظام دمشق يريده ويرغب فيه ويفضله، فالنظام يتصرف اليوم باعتباره أقلية تجد ظهرها عند الحائط، فهذا النظام يقتل اليوم كي لا يقتل هو بدوره. يبدو أن نظام دمشق يرفع اليوم شعار: إذا كان علي الرحيل فإنني سأدمر كل شيء ورائي قبل أن أزعزع استقرار كامل منطقة الشرق الأوسط.

هل مجزرة بلدة "الحولة" مؤشر على قرب نهاية نظام بشار الأسد؟ تقول منى يعقوبيان، الخبيرة الاستراتيجية لدى مجلس العلاقات الخارجية ومقره نيويورك: "قد تكون مذبحة قرية الحولة نقطة تحول حاسمة في الصراع الذي تشهده سوريا.. الأمر الذي قد يؤذن ببداية تخلي روسيا عن نظام سوريا".

في اللحظة التي تدرك فيها سلطات موسكو أن نظام دمشق يتجه إلى نهايته المحتومة فإنها لن تتردد في تغيير موقفها. قد يتم التوصل إلى صيغة حل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على أساس رحيل عائلة الأسد وقيام سلطة انتقالية تتعهد بالحفاظ على مصالح الأقليات تمهيدا لإجراء انتخابات ديمقراطية وحرة.

* مدير تحرير صحيفة لوموند



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة