خبير فرنسي:
الحكومات الإسلامية قد تتلاشى إذا ما فشلت
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٢
بقلم: دنيس بوشارد
لقد جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية ووصول مرشح حركة الاخوان المسلمين محمد مرسي إلى سدة الرئاسة لتؤكد التوجه الذي بدأ منذ عدة أشهر في العالم العربي الطامح إلى تحقيق الديمقراطية وتطوير الدولة الديمقراطية المؤسساتية. كانت ضربة البداية مع تونس والمغرب والكويت لتشهد مصر بدورها انتصارا سياسيا لافتا يحققه الإخوان المسلمون الذين خرجوا أكبر مستفيد مما أصبح يعرف في قاموس السياسة والعلاقات الاستراتيجية الدولية بـ"الربيع العربي" والذي تحول في نظر البعض إلى "شتاء إسلامي" قد يجهض تطلعات الشعوب العربية إلى الحرية والحداثة والديمقراطية.
قد تشهد ليبيا واليمن والأردن وسوريا ما بعد بشار الأسد بدورها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ينطلق فيها الاخوان المسلمون بحظوظ كبيرة للفوز على حساب القوى الليبيرالية واليسارية العلمانية.
إن هذا المشهد السياسي العربي الجديد لا يشكل أي مفاجأة، إن الأمر يتعلق بتطور بدأت إرهاصاته الأولى في التسعينيات من القرن العشرين الماضي وتوجت على أرض الواقع سنة ٢٠٠٠ سواء في الأردن أو في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى مصر نفسها.
لم تلعب هذه الحركات الاسلامية الإخوانية أي دور يذكر في إشعال فتيل الثورات العربية. لكن هل أن هذه الحركات الاسلامية الإخوان الآن بصدد اختطاف وسرقة ثورات الشعوب؟
تلك هي المخاوف المشروعة - والحق يقال - التي تقض اليوم مضاجع القوى الوطنية والعلمانية والأقليات العرقية والعقائدية في هذه البلدان المذكورة. تلك هي أيضا المخاوف التي تنتاب الرأي العام والدوائر السياسية والاستراتيجية في الدول الغربية، إضافة إلى إسرائيل. فهذا الرأي العام الغربي انتقل من مرحلة التحمس لانبلاج فجر الحرية والديمقراطية في العالم العربي إلى مرحلة "الكارثة القادمة"، أي من مرحلة التعاطف مع الثورات العربية إلى مرحلة التخوف والحذر والشك.
إن الجواب على مثل هذا السؤال لا يمكن إلا أن يكون مبطنا. لاشك أن هذه الانتصارات الانتخابية التي حققها الاسلاميون تتسم بالشرعية الديمقراطية، علما بأن الحركات الاسلامية تجني اليوم ثمار جهود استمرت على مدى أعوام طويلة للتغلغل في صلب السكان من خلال الشبكات الاجتماعية والأعمال الخيرية الموجهة على وجه الخصوص إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة.
وبالمقابل، لا بد من القول إن نسبة التأييد الشعبي الذي حصل عليه الاسلاميون - على شرعيته - يظل محدودا. فمرشح الإخوان المسلمين حصل في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على نسبة ٢٥% من الأصوات وهو ما يمثل تراجعا واضحا عن النسبة التي حققتها حركة الاخوان ككل في الانتخابات البرلمانية والتي استقرت عند ٤٧% من أصوات الناخبين المصريين.
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة الامتناع عن التصويت العالية والتي مثلت أكثر من نصف الناخبين فإننا ندرك أن مصريا واحدا فقط من بين كل أربعة مواطنين مصريين صوت لصالح مرشح الاخوان المسلمين.
يمكن القول إذن إن هذه الحركات الاسلامية سواء في مصر أو في بقية البلدان الأخرى لا يمكنها أن تحكم إلا من خلال الائتلاف مع عدة أحزاب سياسية، كما هو الحال على سبيل المثال في المغرب وتونس. وقد أدرك الرئيس المصري الجديد محمد مرسي هذه الحقيقة وأعلن نيته تشكيل حكومة برئاسة شخصية وطنية من خارج حركة الاخوان المسلمين.
سيكون على الإسلاميين أيضا أن يحكموا إلى جانب أجهزة الدولة إضافة إلى الطبقة التكونقراطية - التي لا غنى عنها - والتي تضم الكفاءات اللازمة لتسيير دواليب الدولة. إن المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية لاتزال تحتفظ بمواقعها كما أنها لم تتخل عن صلاحياتها أو امتيازاتها. لذلك لن يتسنى تغيير الكوادر الأمنية والشرطية والعسكرية إلا تدريجيا، لأن أي تعسف أو تسرع قد يتسبب في سيناريو عراقي جديد.
إن هؤلاء الرؤساء ورؤساء الحكومات من الاسلاميين يدركون جيدا مواطن ضعفهم وهامش الحركة والمناورة المتاح لهم حيث إنهم في نهاية المطاف يعتبرون ممثلين لحركة إخوانية محافظة تعرف بدورها صراعات وتوترات داخلية. في أغلب الأحيان نجد أن القيادات الإخوانية الحقيقية والفاعلة والمسئولة تعمل في الظل بعيدا عن الأضواء.
صحيح أن تطبيق الشريعة الاسلامية يظل يمثل الهدف للحركات الاسلامية على المدى البعيد غير أن هذه الحكومات الاسلامية المنبثقة عن الانتخابات الشرعية والحرة إلى حدد كبير وغير مسبوق في العالم العربي ستتحكم بشكل يتسم بالحذر والواقعية والبراجماتية مع الحفاظ على بعض الغموض وازدواجية الخطاب إن لزم الأمر.
سيكون على هذه الحكومات "الإخوانية" أيضا أن تصمد أمام ضغوط قواعدها والتيارات السلفية التي تشهد تناميا واسعا والتي تطالب بتطبيق تعاليم الشريعة الاسلامية من دون انتظار.
تدرك هذه الحكومات الإخوانية أيضا أنها ستكون على المحك وأنه سيحكم عليها بناء على قدرتها على التصدي للمشاكل العاجلة - الاجتماعية منها والاقتصادية - في البلدان العربية التي لا تزيد تعيش زخما ثوريا تسبب حتى الآن في تردي الأوضاع الاقتصادية حد الكارثة.
النمو الاقتصادي والتشغيل - في ظل تفاقم أعداد العاطلين عن العمل - والأوضاع الأمنية المتردية - تلك هي الأولويات المطلقة في نظر الشعوب وهي تأتي قبل تطبيق تعاليم الشريعة الاسلامية.
يتعين على هذه الحكومات الاسلامية الإخوانية أن تكثف من جهودها من أجل طمأنة المستثمرين - المحليين منهم والأجانب - الذين يبدون ترددا كبيرا ويرقبون تطورات الأمور عن بعد وتحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية. يتعين على هذه الحكومات الاسلامية أيضا أن عمل على استعادة السياح الذين ابتعدوا بسبب الاضطراب وحالة الانفلات الأمني. إن شعار "الاسلام هو الحل" لا يمثل الوصفة السحرية التي ستحل مشاكل مصر - أو غير مصر - التي تراكمت على مدى عقود من الزمن وما شابها السنوات الماضية من فساد واستئثار بالسلطة وتهميش للمجتمع المدني.
إن هذه الأحزاب الاسلامية المنبثقة عن حركة الإخوان المسلمين لا تمتلك العصا السحرية أو الحل المعجزة من أجل إعادة إطلاق عجلة التنمية والتصدي للملفات الكبيرة العالقة المتعلقة أساسا بالبطالة والتشغيل والتضخم واستشراء الفقر والفساد وتفاقم معدلات التضخم. إن القادة الاسلاميين الجدد الذين أصبحوا اليوم في السلطة يدركون جيدا أن الناخبين لن يتساهلوا معهم ما يحتم عليها أن يحققوا إنجازات اقتصادية واجتماعية ملموسة.
أما الناخبون في البلدان العربية التي شهدت تحولات درامية فقد أدركت مدى أهمية ممارسة حق الانتخابات ولن يترددوا بالتالي في الدفاع عن مكاسب الحداثة. لا يمكن لهؤلاء القادة الاسلاميين "الإخوانيين" أن يحدثوا قطيعة على صعيد السياسات الخارجية الماضية رغم أن هذه السياسات لا تحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشعوب العربية.
تظل مسألة احترام معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل تمثل واحدة من المحرمات أو الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية المصرية - لا شك أن الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي يدرك هذا الأمر جيدا.
وبالمقابل يتعين على الدائرة التي يهمها الأمر في الغرب - وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية - أن تدرك أن هذه الحكومات التي يقودها الاسلاميون ستكون أقل مرونة وليونة وتقبلا للسياسات الغربية من سابقاتها. إن الكثير من الأمور تتوقف على الطريقة التي سيبني بها الغرب علاقاته مع هؤلاء المحاورين الجدد. أما فيما يتعلق بإسرائيل فإن أمورا كثيرة أيضا ستتوقف على مدى قدرتها على الخروج من عقلية "القلعة" المحاصرة في منطقة الشرق الأوسط - وهي العقلية التي تخدم الآن مصلحة حكامها وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
من يدري، قد تختفي فيه هذه الأنظمة الاسلامية في تونس والمغرب ومصر وغيرها بالسرعة ذاتها التي أوصلتها إلى السلطة.
* المستشار المختص بقضايا الشرق الأوسط
في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية
.
مقالات أخرى...
- الرئيس المصري الجديد أمام تحديات كبيرة - (18 يوليو 2012)
- وزير خارجية فرنسا: فرنسا تدعم تشديد العقوبات على إيران حتى تقدم التنازلات المطلوبة - (14 يوليو 2012)
- هل اغتال «الموساد» الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؟ - (13 يوليو 2012)
- من اغتال ياسر عرفات؟ - (13 يوليو 2012)
- الفلسطينيون وعنصرية دولة إسرائيل - (6 يوليو 2012)
- كسبت مصر رهان الانتخابات.. فهل تكسب رهان الديمقراطية؟ - (6 يوليو 2012)
- هل حققت المحكمة الجنائية الدولية العدل؟ - (6 يوليو 2012)
- باراك أوباما.. الرئيس الذي خيب الآمال - (5 يوليو 2012)
- تداعيات الأزمة السورية وتباين المواقف الدولية - (4 يوليو 2012)