الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب

وزير خارجية فرنسا:

فرنسا تدعم تشديد العقوبات على إيران حتى تقدم التنازلات المطلوبة





أجرت صحيفة لوموند الحوار المطول التالي مع وزير الخارجية الفرنسي الجديد لوران فابيوس، الذي تطرق إلى طبيعة السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند، إضافة إلى العديد من الملفات الساخنة الأخرى:

ـ لقد ازدادت وتيرة المجازر المرتكبة في سوريا فيما يقف المجتمع الدولي بمؤسساته عاجزا عن القيام بأي شيء. هل نشهد اليوم تكرارا للسيناريو البوسني؟ أم هل يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي ليتفرج على الكارثة التي تشهدها سوريا؟

بشار الأسد سفاح وقاتل شعبه. يجب عليه أن يتنحى في أقرب فرصة. لقد اصطدمت المحاولات الرامية إلى دفعه إلى الخروج حتى الآن بعقبتين اثنتين:

تتمثل العقبة الأولى في غياب التوافق الدولي اللازم في مجلس الأمن الدولي بسبب الموقفين الروسي والصيني.

أما العقبة الثانية فهي عسكرية بحتة: الجيش السوري قوي. لذلك فإنه لا توجد أي دولة مستعدة للدخول في مواجهة برية ضده إضافة إلى خطر اتساع رقعة الحرب لتشمل كامل منطقة الشرق الأوسط وخاصة لبنان المعروف بتركيبته الطائفية البالغة الهشاشة.

في هذا السياق المعقد إقليميا ودوليا تتحرك فرنسا في ثلاثة اتجاهات: فهي تؤيد دائما تشديد العقوبات في مجلس الأمن الدولي كما أنها تعمل قدر الإمكان مع روسيا التي تلعب دورا حاسما في ملف الأزمة السورية. أما من الناحية الثالثة فإن فرنسا تسعى دائما إلى توحيد المعارضة السورية حتى تمثل البديل المطلوب.

ـ إن هذه السياسة التي تصفها الآن ليست بالجديدة وهي امتداد للسياسة التي ظلت تنتهجها فرنسا خلال الأشهر الماضية في التعاطي مع الأزمة السورية. ألا تعتبر أن مجزرة بلدة «الحولة» تمثل بل يجب أن تمثل نقطة تحول حاسمة تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ خطوات جديدة أكثر قوة؟ على سبيل المثال تزويد المعارضة بالسلاح أو البدء بالتفكير في القيام بتحرك ما خارج إطار مجلس الأمن الدولي وهي ليست المرة الأولى التي يفعل فيها الغرب هذا الأمر.

يمكن أن ينجم عن تلك المذبحة الفظيعة بعض التداعيات التي قد تدفع بعض الدول المتحفظة إلى إعادة النظر في مواقفها من نظام دمشق. إن مسألة تزويد المعارضة بالسلاح تمثل بديلا مرعبا، فتزويد المعارضة بالسلاح يهدد بنشوب حرب أهلية في سوريا على نطاق واسع. أما إذا لم يتم تزويد المعارضة بالسلاح اللازم فإن جيش بشار الأسد سوف يسحقها من دون رحمة. هذه الاشكالية الصعبة الحقيقية. الحقيقة أنه يسهل اختراق الحدود السورية، كما أن الأسلحة تدخل بسهولة إلى سوريا.

ـ هل ستشترك فرنسا في سياسة تزويد المعارضة السورية بالسلاح إذا اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا بهذا الشأن؟

نحن لم نصل إلى هذه المرحلة بكل تأكيد.

ـ كم يتطلب الأمر من مجزرة وكم يتطلب من ضحايا قبل أن تتحرك المحكمة الجنائية الدولية وتستند إلى «آلية مسؤولية الحماية» على غرار ما حدث من قبل في ليبيا وهو ما لا يعني بالضرورة اللجوء إلى أسلوب الخيار العسكري؟

إن المسئولين عن المجازر المرتكبة في سوريا لن يفلتوا من العقاب وسيساءلون عن جرائمهم أمام القضاء. نحن نؤيد اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية للقيام بما يلزم في مثل هذه الحالات التي تتضمن جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب.

ـ هل يمكن لفرنسا أن تحافظ على تعاونها العسكري والصناعي مع روسيا في الوقت التي تدعم فيه هذه الأخيرة نظام بشار الأسد وتؤيده بالسلاح؟

إذا كانت روسيا قد زودت نظام الأسد بالسلاح فإنني أؤكد هنا أن هذه الأسلحة غير متأتية من فرنسا، وبهذه الخصوص بالذات فإن سياستنا واضحة تماما. عندما تبيع فرنسا الأسلحة فهي تحرص على أنها لن تستخدم ضد الشعوب.

ـ ما الهدف من الاجتماعات التي تعقدها مجموعة أصدقاء سوريا وما الذي حققته هذه المبادرة حتى الآن في ظل استمرار بقاء نظام الأسد وتواصل المجازر في سوريا؟

إن الهدف هو تصعيد الضغوط على نظام دمشق ودعم المهمة الصعبة التي يتولاها كوفي عنان في سوريا، فكلما ازداد عدد الدول المشاركة في هذه المبادرة ازداد الضغط على نظام دمشق فضلا عن ازدياد عزلة سوريا.

لا يتمثل الهدف في الحقيقة في فرض العزلة على هذا الطرف أو ذاك بقدر ما يتمثل في تحقيق الهدف المنشود ألا وهو تحقيق انتقال السلطة في سوريا. هناك سؤال يطرح اليوم أمام الجميع: إذا ما سقط نظام بشار الأسد فمن ذا الذي سيعوضه؟ لذلك يجب التركيز في تحقيق الانتقال السياسي الواقعي الذي ينص على رحيل بشار الأسد ؟ الذي لا يمكن أن يكون جزءا من الحل ؟ مع تفادي السيناريو العراقي في سوريا.

هل الهدف هو البحث عن تسوية سياسية في سوريا على الطريقة «اليمنية»؟

إن السيناريو الأول هو طبعا سقوط الدكتاتور وتعويضه بنظام انتقالي تشارك فيه كل الأطراف. هذه هي الفكرة التي تتردد اليوم هنا وهناك. غير أن الحالة السورية ليست الحالة اليمنية كما أن سوريا ليست ليبيا. فسوريا تحظى بدعم قوي من روسيا وإيران، كما أن المنطقة الجغرافية التي توجد فيها سوريا تختلف كل الاختلاف عن اليمن أو ليبيا. إن المقارنات لا تجدي نفعا في مثل هذه الحالة وهي محدودة.

ـ فيما يتعلق الأمر بإيران، إلى متى ستتواصل هذه المفاوضات بشأن البرنامج النووي الذي تطوره سلطات طهران التي يبدو أنها تلعب بالوقت وتسعى لكسب المزيد من الوقت لا أكثر ولا أقل؟

إن المفاوضات التي تمت مؤخرا في بغداد وروسيا حققت بعض التقدم غير أن الخلافات لاتزال كبيرة في ظل الدعم الروسي لإيران أيضا. إن السياسة التي نتعامل بها مع الملف النووي الإيراني ترتكز على دعامتين: أولا: يجب الحفاظ على العقوبات والعمل على تشديدها (وقد تجلى ذلك في دخول قرار الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد النفط الإيراني حيز التنفيذ بداية من تاريخ ١ يوليو ٢٠١٢) لأننا لا نقبل على الإطلاق فكرة امتلاك نظام الملالي في طهران السلاح النووي مع الابقاء على قنوات التفاوض من أجل دفع سلطات طهران باتجاه تقديم التنازلات اللازمة.

ـ إذًا هذه العقبات المفروضة على نظام طهران لن ترفع في مستقبل قريب؟

إن هذه العقوبات لن ترفع بكل تأكيد ما لم تقدم سلطات طهران على خطوات حقيقية باتجاه تلبية مطالب المجتمع الدولي. هذا ما لا نراه يتحقق في الوقت الراهن.

ـ إذا ما فشلت الدبلوماسية في التعاطي مع الملف النووي الإيراني فهل تستبعد السلطات الفرنسية ؟ والغرب عموما ؟ اللجوء إلى الخيار العسكري لحسم النزاع مع إيران حول البرنامج النووي الايراني؟

نحن لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. إن ما نفعله مع شركائنا يهدف بالأساس إلى تجنب الوصول إلى هذه المرحلة وتبني هذه الفرضية.

ـ هل تختلف السياسة الخارجية الفرنسية في عهد الرئيس فرانسوا هولاند عما كانت عليه في عهد سلفه نيكولا ساركوزي؟

لقد حرص الرئيس فرانسوا هولاند على التذكير بمواقف فرنسا الثابتة: الصرامة في المواقف السياسية، غير أننا لسنا في منافسة مع أي كان. وسواء تعلق الأمر بالملف النووي الايراني أو بغيره من القضايا السياسية الخارجية الشائكة فإن فرنسا ستفي دائما بالتزاماتها الدولية.

ـ لاتزال الأوضاع في مالي تتفاقم حيث إن هذا البلد الإفريقي الفرنكفوني بات منقسما إلى شطرين إضافة إلى تنامي الحركات الاسلامية المتطرفة .

إننا نضم صوتنا إلى الاتحاد الافريقي الذي حذر من ظهور «أفغانستان إفريقية» في جمهورية مالي. إن الأوضاع الراهنة في مالي تبعث على القلق، ناهيك عن أن هناك رهائن فرنسيين مختطفين في تلك المنطقة. نحن ندعم مهمة الوساطة التي تقوم بها الدول الأعضاء في مجموعة غرب إفريقيا غير أن الانقلابيين لايزالون في باماكو.

المطلوب هو تحرك واسع على مستوى المجتمع الدولي وتنسيق التعاون مع الدول المجاورة لمالي وتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية في هذه المناطق.

لا يمكن لفرنسا أن تتدخل مباشرة في مالي. نحن نفضل أن تتكفل الدول الافريقية بالأمر.

لا نريد أن تكون السياسة الخارجية الفرنسية في إفريقيا تحت رحمة الأزمات التي تنشأ هنا وهناك، فإفريقيا هي قارة المستقبل ونحن نريد أن نسهم في تنميتها وخاصة أن الأفارقة سيشكلون أكثر من ٨٠% من الناطقين بالفرنسية بحلول سنة ٢٠٥٠، أي أكثر من ٧٠٠ مليون نسمة.

ـ ما هي ملامح السياسة الخارجية الفرنسية للمرحلة القادمة؟

لا يتمثل السؤال الجوهري فيما إذا كان يجب علينا أن نقطع مع السياسات الخارجية السابقة بقدر ما يتعلق بضرورة انتهاج السياسة الخارجية التي تتلاءم مع المصالح الحيوية والاستراتيجية الفرنسية. إن الرئيس فرانسوا هولاند يتبنى سياسة شاملة تهدف إلى تعزيز الحضور الفرنسي على الساحة الدولية. إن السياسة الخارجية الفرنسية الراهنة تصب إلى حد كبير في هذا التوجه، وخاصة على المستوى الاقتصادي. فوزارة الخارجية ستكون في المقدمة في دعم الشركات الفرنسية وفتح الأسواق العالمية امامها وتحقيق الاشعاع العلمي والثقافي الفرنسي.

أما فيما يتعلق بإفريقيا فإنكم لن تسمعوا «خطاب داكار» جديدا. أما في الأمريكتين فإننا نريد تعزيز علاقاتنا وخاصة مع كل من البرازيل والمكسيك. أما في آسيا فلابد من إبراز مدى أهمية العلاقات التي تربطنا بكل من الصين والهند، إضافة إلى اليابان القوة الاقتصادية والديمقراطية التي نريد أن نوطد معها علاقاتنا. بصفة عامة سنعمل على تطوير علاقاتنا مع «الدول الناشئة» الجديدة على غرار اندونيسيا وجمهورية جنوب افريقيا من دون أن ننسى شركاءنا التقليديين على الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط.

أؤكد مرة أخرى أن الماكينة الفرنسية-الألمانية جوهرية وذات أهمية كبيرة غير أنها لا تعتبر الوحيدة، فنحن نريد أن نعمل ونضع اليد في اليد مع كل شركائنا. إن العلاقة مع ألمانيا بالغة الأهمية وخاصة أنها تقوم على أساس التكافؤ والاحترام المتبادل والمصالح الحيوية المشتركة.

ـ أي سياسة خارجية ستنتهجها فرنسا مع القوة الاقتصادية الصينية؟

يتعين على قوة مهمة مثل فرنسا أن توثق علاقاتها الاقتصادية مع القوة الاقتصادية الصينية: عملاق المستقبل. هذا لا يعني أن فرنسا تتفق مع الصين في كل شيء، فمسألة العجز التجاري الفرنسي مع الصين، ومسائل حماية حقوق الملكية الفكرية والتبادل التجاري وقيمة العملة النقدية الصينية وعمليات الاغراق البيئي والاجتماعي من المسائل التي تهم السياسة الخارجية الفرنسية خاصة والسياسات الخارجية الغربية على وجه العموم. سيكون للصين عما قريب قادة جدد غير أن الاتصالات موجودة بقوة ولا يمكن إلا أن تكون لنا علاقات قوية مع الصين.

ـ هل ستحترم فرنسا البيان الصيني-الفرنسي المشترك الذي يعود إلى شهر ابريل ٢٠٠٩ والذي تتعهد فرنسا بمقتضاه بعدم التدخل في قضايا حقوق الإنسان في الصين وهو البيان الذي جاء عقب أزمة التيبت؟

عندما كنت رئيسا للوزراء في عهد الرئيس فرانسوا ميتران كنت من بين الذين اسهموا في توجيه ضربة قاصمة لنظام التمييز العنصري ؟ الأبارتهايد ؟ في جمهورية جنوب افريقيا. لذلك فأنا لا أحب المجاملات والبروتوكولات الدبلوماسية متى ما تعلق الأمر بقضايا حقوق الانسان.

ـ كيف ستعمل على إصلاح العلاقات بين تركيا وفرنسا، وخاصة أنك أبديت دعمك لقانون تجريم إنكار الإبادة الأرمينية؟

هذه ليست بالمسألة السهلة. إنها قضية شائكة بكل المقاييس الدبلوماسية. لقد كانت لنا اتصالات جيدة مع الرئيس التركي عبدالله غول في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. أما فيما يتعلق بالمسألة الأرمينية فلابد أن نأخذ في الاعتبار قرار المجلس الدستوري.

ـ لكن الرئيس فرانسوا هولاند تعهد في حملته الانتخابية بتبني هذا القانون المطروح؟

نعم هذا صحيح غير أن هناك تعقيدات قانونية. مهما يكن من أمر فلابد من السعي إلى جبر العلاقات المتضررة مع تركيا التي تظل تمثل دولة مهمة جدا في منطقة استراتيجية من العالم والتي أصبحت اليوم تلعب دورا اقتصاديا ودبلوماسيا بالغ الأهمية فيما يتعلق بالقضايا السياسية المطروحة على غرار سوريا وإيران.

ـ ماذا عن الملف الفلسطيني؟ هل ستقدم فرنسا على طرح مبادرات من أجل تحريك عملية السلام المتعطلة في منطقة الشرق الأوسط؟

نحن متمسكون بكل ما يمكن أن يسهم في تحريك عملية السلام والتوصل إلى تسوية للصراع بين العرب وإسرائيل والنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين على وجه الخصوص. لقد تحدثنا عن هذه المسألة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون كما أنني ناقشت المسألة ذاتها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبطبيعة الحال فقد كثفت من اتصالاتي بالحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو. يمكن لفرنسا أن تلعب دورا مفيدا ومهما أيضا لأنها مرتبطة بعلاقات قوية وتحظى بثقة كل الأطراف.

ـ هل يمكن لفرنسا أن تذهب بعيدا فيما يتعلق بشروط الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

الأهم من كل شيء هو تسهيل عملية السلام ودفعها تدريجيا إلى الهدف المنشود ألا وهو إيجاد تسوية سياسية عادلة وشاملة للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لأن ذلك يمثل بوابة لتسوية الصراع بين العرب وإسرائيل ويحقق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لوموند



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة