الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٣ - الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مصارحات

نهاية الحكاية: عندما يخترق الفساد أمننا الغذائي





لا تستغربوا إذا أخبرتكم أنّه منذ عام ٢٠٠٩ حتى هذا العام، ارتفعت قيمة الدّعم الحكومي للّحوم من ٣٥ مليون إلى ٥٠ مليون، ويطلب زيادتها إلى ٦٥ مليون للعام القادم!

في الجهة المقابلة، لكم أن تستغربوا إذا أخبرتكم أنّ الاستيراد كان يتناقص بصورة كبيرة أيضا، إذ كان يستورد ٧٧٠ ألف رأس غنم أسترالي تقريبا، بينما وصل إلى ٤٤٠ ألف رأس هذا العام! والسؤال: كيف نفسّر ازدياد الصّرف وبالملايين، مع انخفاض هائل في الاستيراد؟!

لو افترضنا أنّ الاستيراد لم يقل، وإنّما يتم نقل المواشي إلى المسلخ مباشرة من دون المرور على المحجر، فتلك كارثة أخرى تؤكّد ما قلناه أمس!

رقم آخر مهم وله دلالة مؤثرة، حينما تعلم أنّ عدد المستوردين تناقص من ٨٢ مستوردا إلى ٢٥ فقط، وسبب إلغاء رخصهم هو عدم استيفاء الشروط! ولا تسأل عن صغار المستثمرين الذين ألغيت رخصهم ولماذا؟ لأنّ المعنى في بطن الشّاعر!

إذا ربطنا بين مبلغ الدّعم وبين من بقي من المستثمرين، نصل إلى نتيجة صريحة مفادها؛ أنّ ملايين الدّولة تهبط في جيوب محدودة، ولو توّزعت على جيوب كثيرة، لضاع وزنها! وهذا ما يتعارض مع مبادئ السوق الحرّة!

وقبل أن نغادر، لنا أن نذكر أنّ أحد الوكلاء المساعدين في إحدى الوزارات، يشغل منصب عضو مجلس إدارة أكبر شركات استيراد المواشي عندنا، كيف؟ الله أعلم!

لنعود إلى قضيّة أبقار جيبوتي المصابة بالسل والحمى القلاعية، وهي التي فجّرت القضيّة، لأنّ المعلومة الغائبة هي أن محجر جيبوتي يُعتبر من أفضل المحاجر في العالم، حيث استثمرت فيه الشقيقة السعودية نحو عشرين مليون دولار، كما تُستورد منه سنوياً لموسم الحجّ الملايين من المواشي لدول الخليج العربي وماليزيا وغيرها من الدول، وذلك لمستوى المحجر المتطوّر.

المشكلة لم تكن أبداً في الاستيراد من هناك، ولكن في معايير الوقاية المعدومة في البحرين، فلا شروط لسلامة نقلها في ظروف صحيّة مناسبة من هناك إلى هنا، تتنقّل خلال ٥٠ يوماً تقريباً في مراحل الشّحن والتوصيل إلى الدّاخل وصولاً إلى المستهلك، هذا فضلاً عن الوضع المأساوي للفحص والمحاجر عند المنافذ، حيث تبقى هناك أسابيع طويلة حيث ينفق بعضها في الطريق، وبعضها على المنافذ، والسبب انعدام الشروط التي تحفظ تغذيتها وحمايتها وفحصها وسلامة نقلها.

القضيّة الأخرى الخطيرة، هي أنّ الدولة تدفع الملايين للدّعم الحكومي قياساً بوزن تلك المواشي قبل الذّبح! وهنا تبرز قضيّة فساد أخرى، حيث يتمّ استيراد الأغنام الصومالية في وضعية الحمل، إذ تكون الأوزان ثقيلة، ليتم ذبحها وترمى الأجنة في المحجر بعضها على بعض في صورة بشعة، ليتناقص وزنها إلى درجة كبيرة، بينما الأموال تكون قد دُفعت على الوزن قبل الذّبح!

خطورة ما يحدث، أنّ تلك الفوضى عبارة عن سرقة مفضوحة ومخالفة للشّرع والقانون، هذا فضلاً عن خطورة تلك الذبائح على صحّة البشر، حيث إن طعم تلك اللحوم تكون رديئة ومليئة بالهرمونات، ما يعني أنّ العملية جريمة متكاملة الأطراف!

لك أن تسأل أيضاً عن كيفية ذبح تلك المواشي، فشهود العيان أكّدوا لي أنّها لا تُذبح وفق أُصول الذّبح الإسلامي المُعتمدة، من يراقب؟! من يحاسب؟! لا يوجد بالتأكيد، لأنّ أهم ما في تلك العملية هي الأموال التي تُدفع وتُبتَلع!

لك أن تسأل أيضاً عن كيفية رمي تلك الذبائح؟ وعن حاويات شبيهة بحاويات القمامة التي يتم تكديسها فيها! وعن الدّماء التي تسيل عليها، بحيث تضمن انتقال أي مرض إلى جميع الذبائح! وعن اللحوم الفاسدة التي يتم توزيعها وبيعها بطرق ملتوية، وجميع تلك التفاصيل موثقة في تقارير، والشهود موجودون، ومع ذلك لم تتحرّك وزارة البلديات ولا غيرها قيد أنملة في محاسبة المتورّطين فيها، ولا تعديل تلك الإجراءات التي جلبت إلى الشّعب البحريني أمراض العالمين!

سؤال على الهامش: ما فائدة مختبر بيطري لوزارة البلديات، يضم ٩ موظّفين أو أكثر، وإيجاره الشهري ١٨٠٠ دينار، ولا يقوم بأيّ عمل؟!

برودكاست: نختتم هذا الملف، ونؤكّد أنّنا اليوم بتنا نعرف أكثر عن أسباب ازدياد أمراض السرطان والقلب والسكر والسمنة وغيرها في البحرين! فجريمة الاعتداء على أمننا الغذائي بتلك الصورة المؤلمة، بإمكانه أن يسقط وزراء، لكن عندنا يكتفي المسئولون بترديد عبارة: ما ذُكر أعلاه.. غير صحيح!!





















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة