الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٧ - الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

التحقيقات

الأسرة العربية والحوار الغائب







وعلى الرغم من مرور الزمن والتغيرات التي طالت المرأة وجعلت منها شخصية مستقلة وعقلية يعتد بآرائها، مازالت الأسرة العربية تفتقد لغة الحوار، ولكن هل يعود ذلك إلى رتم الحياة السريع، والركض خلف تأمين حياة اقتصادية مستقرة؟ أم لان التقنية الحديثة من كمبيوتر، وهواتف محمولة، وقنوات فضائية، استنزفت ما تبقى من وقت الأسرة، وبالتالي لم يعد هناك وقت للتقارب وتبادل الحديث؟ أم لان الرجل العربي تعود تسفيه اراء زوجته والتقليل منها لأنه مازال يشعر بأنه الأكثر ثقافة وعلما، إضافة إلى غيرة الزوج من تحقيق زوجته نجاحات تفوق في الكثير من الأحيان ما استطاع هو تحقيقه؟

"أخبار الخليج" حاولت الاقتراب أكثر من المشكلة لمعرفة لماذا الشعب الايطالي على وجه الخصوص هو الأكثر تبادلا للحوار؟ وما الفرق بين الرجلين الشرقي والأوروبي من وجهة نظر النساء والرجال على مختلف مستوياتهم العقلية والثقافية؟ وما رأي فئة الإعلاميين وزوجاتهم على اعتبار أنهم الشريحة الأكثر ثقافة واطلاعا على مجريات الأمور؟ هذا ما سوف نلقي عليه الضوء خلال السطور التالية:

في البداية يقارن احمد عاطف بين الأسرتين العربية والايطالية نظرا لاحتكاكه بشكل مباشر بالعديد من العائلات الأوروبية بشكل عام والايطالية بوجه خاص فيقول: معروف عن الشعب الايطالي انه محب للحديث، ويجيد فن الجدل والمراوغة، إلى حد ان يصفوا أنفسهم بأنهم "كثيرو الكلام"، كما أنهم يحرصون على تعليم أبنائهم ان قيمة الإنسان الحقيقية تنبع من داخله وليست في المظاهر الكاذبة، ولذلك فانهم يستطيعون منذ طفولتهم التعبير عن أنفسهم بشكل جيد، ويتمتعون بالمهارة في إدارة الحوار والاستماع إلى الطرف الأخر، بالإضافة إلى ان الثقافة بين المجتمعات الايطالية في متناول الجميع وبالتالي يصبح من السهل عليهم إيجاد موضوع للحوار.

التعليم.. والثقافة

ويكمل: أما بالنسبة لنا في العالم العربي فلا يوجد وعي بأهمية الحديث بين أفراد الأسرة، للتقريب من وجهات النظر وحل ما يستجد من مشكلات، كما ان الحاصلين على الشهادات العليا ينظرون إلى من هم اقل منهم تعليما نظرة دونية، من دون التفرقة بين التعليم والثقافة فتحدث الفجوة بين الناس وبعضها بعضا، وبالتالي نفتقد الحوار البناء والهادف بين المجتمعات العربية بوجه عام، والشيء نفسه ينطبق على جو التفاهم والتحاور داخل الأسرة، فنجدهم يخضعون للعادات والتقاليد التي شبوا عليها، من حيث إن الرجل هو المتعلم صاحب العقلية الأكثر فهما، متناسين ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، أي ان الزوجة هي السكن، ووجود التفاهم والحوار بين الأزواج يعطي الزوجة الشعور بالسكن والاطمئنان، وأخيرا فان صراع الأجيال بين الآباء والأبناء وعدم محاولة الآباء احتواء الأبناء والحديث معهم عن تجاربهم الخاصة كي يكتسبوا خبرة الجيل السابق يجعل كلا من أفراد الأسرة في واد بعيدا عن الاخر، ولذلك يجب الا نعجب عندما تخرج علينا الإحصائيات لتؤكد ان الأسرة العربية تتحدث نصف دقيقة يوميا والايطالية ١٧ دقيقة.

وراثة المهنة

أما سعاد إبراهيم فتقول: من واقع تجربتي استطيع ان أؤكد ان الرجل يجيد فن الحديث أيام الخطوبة، وبعد الزواج لا يوجد لديه ادنى استعداد لان يناقش أمور الأسرة مع زوجته، إذا كان زوجي يشعرني دائما بأنه لا يبالي بأمورنا الخاصة، وإذا ما كنا سنجيد التصرف في شئون حياتنا أم لا، فهو يكتفي بأن يلقي علينا اللوم في حالة إذا ما جاءت نتائج تصرفاتنا سلبية، واعتقد ان الرجال لا يملكون القدرة على التفكير في أكثر من اتجاه، وقد يعود ذلك إلى تحملهم مسئوليات الأسرة المادية مما يجعل التفكير في إدارة حوار آخر اهتماماتهم أو بمعنى أوضح لا يوجد في اهتماماتهم من الأساس، كما ان الرجل ينظر إلى الأبناء على أنهم أطفال ومن واجبه ان يخطط لهم مستقبلهم مهما تقدموا في السن واثبتوا نجاحهم في دراستهم ومن ثم في عملهم بعد ذلك، واعتقد ان السبب الذي يقف خلف ذلك هو التربية الشرقية التي جعلت الرجل يرى ان الأم كم مهمل في البيت لا يعتد بآرائها لأنها ناقصة عقل، ومازالوا يتشدقون بهذه الجملة على الرغم من ان المرأة وصلت إلى اعلى المراكز وكثيرا ما نجدها تشغل مكانة مرموقة لم يستطع الزوج الوصول إليها ومع ذلك يظل يتعامل معها على أنها الأقل ثقافة وفهما، وقد يعود ذلك إلى احساسه بأنه يجب ان يكون الأكثر تميزا وفهما وعقلا في البيت وان القرار الأخير في شئون الحياة يجب ان يكون له، وإذا كان رأي الزوجة أصح لا ينسب لها النجاح فيما وصلت إليه، لقناعته بأن المرأة لمجرد أنها امرأة يجب ان تكون بلا تجارب حياتية تجعلها صاحبة قرار صائب.

وتكمل قائلة: على سبيل المثال صمم زوجي على ان يلتحق ابننا الأكبر بإحدى الكليات النظرية التي لا تتماشى مع ميوله، وعلى الرغم من فشله في الدراسة، واستنفاده مرات الرسوب، وفصله من الجامعة فانه صمم على استكمال دراسته في هذه الكلية، وألحقه باحدى الجامعات الخاصة في نفس التخصص وقد حاول ابننا اقناعه كثيرا بأن هذه الدراسة لا تستهويه ولن يستطيع دراستها، إلا ان زوجي مقتنع بأنه على حق وبأنني السبب في فشل ابننا لأني لا أتابع دراسته، أي في النهاية عليه هو الاختيار وعلينا تحمل مسئولية هذا الاختيار من سلبيات، واعتقد ان هذه العقلية يتمتع بها الكثير من الرجال الذين يحرصون على ان يرث أبناؤهم تخصصهم المهني نفسه كما يرثون اسماءهم وألقابهم.

فيما يقول الإعلامي سلامة الشماع ان عدم وجود حوار بين الزوجين يعود إلى تأثير التربية الشرقية، ولكن النسبة تتفاوت من أسرة مثقفة وأخرى قليلة الحظ ثقافيا، حتى الزوج المثقف يظل يتعامل مع أسرته من منطلق "سي السيد"، ولكن المسئولية تقع على الزوجة أيضا، نظرا لان تربيتها الشرقية تجعلها تميل إلى النكد وتشعر بالغيرة والشك في زوجها مما يترك اثاره السلبية على العلاقة بينهما وتجعل الرجل في حالة دفاع دائم عن النفس، ومع ذلك اشك في هذه الدراسة لان الأسرة العربية تربط بينها علاقات حميمية، وقد يكون احد أسباب الصمت التطور التكنولوجي الذي ابهر العرب وجعلهم يستخدمونه في غير محله مما جعل الأسرة تقيم في بيت واحد ولكن كلا منهم منفصل عن الاخر اجتماعيا.

المسلسلات التركية

ويعبر الإعلامي سمير اليافي عن رفضه هذه الدراسة مشيرا إلى ان الأسرة العربية من أكثر الأسر إدارة للحوار، وخاصة ان المرأة تحرص على سرد كل ما يقابلها على مدار اليوم لزوجها، ولكن قد يكون الدور الكبير الذي تلعبه الام في إدارة شئون البيت والأبناء يجعلها مشغولة إلى حد ما، ولكن حتى ان كان هناك تحاور في شئون الحياة فإن القرار في البيت يكون للرجل في آخر الأمر، بالإضافة إلى ان حياة الزوجة العاملة تختلف عن الزوجة غير العاملة، إذ يكون هناك تفاعل اكبر بين الزوجين، ولكن للأسف فإن وسائل الاتصالات الحديثة والمسلسلات التركية أخذت ما تبقى من وقت الزوجة بعد مسئوليات البيت ولم يتبق لديها وقت للتحاور بالإضافة إلى طبيعة عملنا كإعلاميين تجعلنا لا نستمتع بحياة مستقرة بالنسبة إلى مواعيد العمل، وأصبحت الزوجة مسئولة بشكل كامل عن البيت وهذا استنزاف لجهدها ووقتها إلى حد أنها قد توافق على كل ما يطلب منها ولكن في النهاية لا تقوم بانجاز أي شيء.

ويجزم مدير مكتب الأهرام ومدير نادي المراسلين سامي كمال بأن المستوى الثقافي للزوجين تغير عن الماضي، وأيضا الوضع الاجتماعي، ففي الماضي كان الزوج يلعب دور "سي السيد"، وكانت معظم السيدات يعشن وكأنهن قطع أثاث كل عملهن الاعتناء بشئون المنزل، وكان هذا هو السبب في ضعف الحوار بين الزوجين، أما الآن فالزوجان يعملان، والمستويان الثقافي والمعيشي يقودانهما إلى حوار متوازن وأصبحا يتحاوران في الأوضاع الاجتماعية والسياسية على مستوى العالم، بالإضافة إلى ان المواقع الاجتماعية فتحت أمامهما أبوابا جديدة لتبادل الآراء.

إيقاع الحياة

وتشير هدى محمد (معلمة) إلى ان إيقاع الحياة السريع وقصر اليوم مع طول فترات العمل تجعل الأوقات المخصصة للحديث معدومة، وخاصة ان المرأة لديها الكثير من الأعمال التي تقوم بها بعد انتهائها من العمل خارج المنزل، كما ان الزوج أيضا يكون لديه بعض الأعمال التي يحرص على استكمالها بعد عودته إلى البيت، ولكن هناك أوقاتا مخصصة للأسرة نمضيها خارج البيت ونحاول خلالها الاستمتاع بالتحاور مع الأبناء والتقريب بين جميع وجهات النظر.

أما تغريد احمد ربة بيت فتقول أيام الخطوبة نتحدث كثيرا لأننا نخطط للمستقبل، وعندما أصبح واقعا اخذ كل أوقاتنا ولم يترك لنا فرصة للحديث، ولم يعد لدينا وقت سوى للتفكير في اليوم الذي نعيشه أو في الغد على أكثر تقدير، وأصبح الزوج يمثل الرأي الأخير في البيت ولكن شئون الحياة لا تسير إلا باتفاقنا سويا، وبعد ذلك إذا كان هناك وقت بالتأكيد يكون من نصيب الكمبيوتر سواء للعمل أو لمواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى العكس تقول منى قيس ربة بيت إنني متابعة جيدة لما يحدث في العالم، وطبيعة عمل زوجي كاعلامي يتابع كل ما يحدث على مستوى الحياة السياسية، وبالتالي يوجد لدينا مادة للمناقشة والتحاور على مدار اليوم، ولكن عندما يبدأ المسلسل ينقطع الحديث، والمشكلة الحقيقية ان بعض الأزواج الشرقيين يشعرون زوجاتهم بأنهن اقل ثقافة منهم على الدوام، حتى ان كانوا يفتخروا بما وصلت إليه من علم ومستوى ثقافي واجتماعي بين الناس، ولكن بين بعضهم بعضا لا يعترفون بذلك حتى ان وصلت إلى مركز رئيسة وزراء يتفنن زوجها في إحباطها وإشعارها بأنها وصلت إلى هذا المركز بالواسطة، واعتقد ان الرجل الشرقي تنتابه الغيرة من نجاح زوجته.

وتؤكد إيناس العنيزي ربة بيت ان ٣٠ ثانية للحديث كثيرة جدا على من يعمل في المجال الإعلامي لأنها لا ترى زوجها من الأساس، وفي هذا السياق تقول تمر أيام لا أرى فيها زوجي لان طبيعة عمله كثرة التنقل والوجود خارج البيت لأوقات طويلة، ويومين أو ثلاثة في الأسبوع يأتي إلى البيت في الفجر فلا يرى أبناءه، ولكن في حال وجوده فإنني أتفنن في تجاذب أطراف الحديث معه وإشراكه في حياة الأبناء وأيضا نتناقش في أمور الحياة العامة.

مجتمع ذكوري

وتقول الدكتورة أمل الزياني ان الأزمات المادية تجعل أفراد الأسرة في شد وجذب، مما يؤدي إلى انقطاع وسائل الحوار بينهم، لسيطرة فكرة المادة على الحياة العامة، بالإضافة إلى ان الأسباب التربوية كانت تجعل لغة الأوامر من قبل الزوج هي المسيطرة على العلاقة الأسرية، أما الآن وبعد الطفرة التعليمية التي حدثت في المجتمعات العربية، مازال الحوار يسير بشكل محدود مع الأبناء، ولا ندري هل يعود ذلك إلى خلل في المجتمع أم إلى اننا مازلنا نعيش في مجتمع ذكوري.

فيما ترجع مريم الغريفي (موظفة) انعدام الحوار بين أفراد الأسرة إلى اننا مازلنا مجتمعات ذكورية، حيث نرى ان الأسرة تحمل الابنة مسئولية خدمة أشقائها الذكور، فنجدها تعود من عملها لتلبي طلباتهم، حتى إذا احتاج احدهم إلى كوب ماء فانه لا يحضره لنفسه، وإذا تقاعست عن ذلك متعللة بتعبها في العمل، وعليهم القيام بالخدمات البسيطة لأنفسهم، تتلقى التوبيخ من جميع أفراد الأسرة، نظرا لأنها نشأت في مجتمع وجدت فيه الأم والجدة تفعلان الشيء نفسه، كأن المرأة خلقت للخدمة فقط وليس للتحاور وإبداء الرأي.

وفي هذا السياق تقول عائشة الزياني ربة بيت يعود السبب في عدم الحديث بين أفراد الأسرة إلى اننا لم نترب على الحوار ولم نر أهالينا يتحاورون، وعلى سبيل المثال فإن الحديث الذي يدور بين ابني وأبيه لا يخرج عن نطاق مباريات الكرة وأنواع السيارات، ولا يوجد حوار أعمق من ذلك يمكن ان يربط بين الأبناء وأبيهم.

آراء المختصين

وعن أسباب انعدام الحوار بين الأسرة العربية يقول المستشار النفسي والتربوي الدكتور محمود جمعة مرض افتقاد التواصل بين أفراد الأسرة يعود إلى إدمان الاستعجال والسرعة، فلم نعد نستطيع تعلم الانتظار الذي يتطلبه بدء الحوار وآدابه، فبدا الإنسان يحيا في تناقضات كبيرة جعلته يفقد الإحساس بالحياة في الوقت الحاضر، وأصبح تركيزه في أحلام المستقبل المرتبطة بطموحاته وعمله وعدم التركيز في الاسترخاء والراحة والتواصل الاجتماعي، وللأسف هذه سمة العصر الذي نعيش فيه.

هل يؤثر عدم التحاور بين الزوجين في اتجاهاتهما السياسية؟

يقول المحلل السياسي عيسى الخياط: يمكن النظر إلى هذه الجزئية من عدة اتجاهات، أولها ان التحاور مطلوب على جميع المستويات، وخاصة التحاور الأسري، ويندرج التحاور في الشأن السياسي بين الزوجين ضمن أنواع عديدة يمكن مناقشتها والتحاور فيها، فالحوار أيا كانت ماهيته يساعد على تقبل الرأي والرأي الآخر، والانفتاح على المخالف والإقبال عليه، وتقريب وجهات النظر.

من جهة أخرى، لا شك أن تكوين الاتجاه السياسي أو الميل السياسي، باعتباره درجة أقل من الاتجاه السياسي هو أمر محمود، وخاصة في البيئات الديمقراطية الخصبة والمشجعة على ذلك، ويظهر الأثر الإيجابي الذي تخلفه هذه النوعية من البيئات على أفرادها على حد سواء، والاتجاه السياسي هو أحد المكونات الرئيسية لحرية الاختيار والتفكير النابعة من قناعة داخلية تامة.

أما فيما يتعلق بأثر غياب التحاور بين الزوجين في اتجاهاتهما السياسية، فهذه جدلية لن تنتهي في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص ما لم نعمل على تغيير القناعات والثقافات السائدة.

ولقد أثبتت التجربة، وفي أكثر من مرة، أن المرأة عادة ما تكون تابعة سياسيا لزوجها، وتزداد هذه الظاهرة وضوحا وبروزا وقت إجراء الانتخابات في عمومها.. ولعل واحدا من أسباب بروز هذه الظاهرة في مجتمعاتنا هو قلة الوعي بأهمية وضرورة تشكيل الاتجاه السياسي المبني على أسس علمية مدروسة، وهي نتيجة من الممكن أن يكون انعدام أو غياب التحاور أحد مسبباتها.











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة