عن الدعوات إلى لـمّ الشمل الوطني
 تاريخ النشر : الأحد ٢٩ يناير ٢٠١٢
السيد زهره
لم استطع حقا ان افهم السبب الذي يدعو البعض الى انتقاد الدعوات والحملات من اجل لم الشمل الوطني ورأب الصدع او للمصالحة الوطنية، التي اطلقتها جهات عدة.
بحسب ما فهمت من بعض الكتابات والتصريحات، فان سبب انتقاد هذه الدعوات او التحفظ عليها هو الاعتقاد أنها لن تنجح، او ان المناخ العام في الوقت الحاضر ليس مهيئا لهذه الدعوات.
والحقيقة ان هذا السبب بحد ذاته هو مدعاة الى الإصرار اكثر على الاستمرار في هذه الدعوات، ومواصلة هذه الجهود.
نعلم جميعا ان المجتمع يشهد انقساما طائفيا حادا، وان شقة عدم الثقة بين ابناء المجتمع تزداد اتساعا.
ونعلم ان هناك توترا اجتماعيا حادا اصبحنا نشهد مظاهره الكثيرة على مستويات عدة.
هذا الانقسام والتوتر الاجتماعي بسبب الاحداث الراهنة يتصاعد للأسف ويتفاقم يوما بعد يوم ولا ينحسر.
والكل يعلم في نفس الوقت ان استمرار هذا الوضع ينذر بأخطار شديدة، ولهذا لا يمكن ان يستمر.. لا يجوز ان يستمر.
الكل يعلم انه في نهاية المطاف ومهما تأزم الموقف، فإنه ليس هناك بديل آخر عن انهاء هذا الانقسام ولم الشمل الوطني.
بالطبع، من المفهوم ان انهاء الانقسام ولم الشمل لن يتحقق بمجرد اطلاق دعوة من هنا وهناك، او بمجرد تنظيم هذه الحملة او تلك.
الامر يتطلب عملا شاقا طويلا، ويتطلب على وجه الخصوص ثلاثة جوانب اساسية:
اولا: لا بد ان تكون هناك بداية قناعة مجتمعية عامة بالأهمية القصوى لإنهاء هذا الانقسام ولم الشمل في اسرع وقت ممكن.
لا بد ان تقتنع كل قوى المجتمع ابتداء بأن هذه مهمة وطنية كبرى من اجل كل ابناء الوطن ومن اجل مستقبل الوطن برمته.
والمسألة هنا انه لا يستقيم ان تدعو بعض القوى المجتمع الى لم الشمل وانهاء الانقسام وتسعى الى ذلك، في حين ان قوى اخرى معروفة تعتبر ان هذا الانقسام والتوتر الطائفي هو اداة ضغط وابتزاز سياسية للدولة والمجتمع لتحقيق مطالب واهداف طائفية خاصة.
لا يستقيم هنا ان تحاول قوى وطنية ترميم الشرخ الاجتماعي والبناء من جديد، في حين تسعى قوى اخرى للهدم وتوسيع شقة الخلاف.
ثانيا : يترتب على هذا انه لا بد من وجود مناخ عام مُواتٍ للمصالحة ولم الشمل وانهاء الانقسام.
ولا يمكن ان يتوافر هذا المناخ مع استمرار العنف والتصعيد.
كما لا يمكن ان يتوافر هذا المناخ مع استمرار التحريض الطائفي من أي جهة كانت.
لا بد من مناخ هدوء واستقرار وتوافق على المضي قدما الى الامام في اطار اصلاحات معينة، كثير منها موجود بالفعل.
ثالثا : بعد ذلك، يبقى ان انهاء الانقسام فعلا ولم الشمل الوطني يتطلب جهدا جماعيا يشارك فيه الكل، ويتطلب ما هو ابعد بكثير من مجرد اطلاق الدعوات والمبادرات النظرية. يتطلب خططا وبرامج عملية محددة على كل المستويات وفي جميع المجالات للوصول الى هذه الغاية.
صحيح ان هذه الجوانب الثلاثة ليست متوافرة للأسف الشديد في الوقت الحاضر.
لكن هذا لا يعني ابدا ان أي دعوة او حملة يتم اطلاقها من اجل تحقيق هذه الغاية هي مدانة او اننا يجب ان نتحفظ عليها.
بالعكس، كما ذكرت، يجب الترحيب بهذه الدعوات والحملات وتشجيعها. يجب الاصرار على ان تتواصل وتتصاعد.
هذه الدعوات والحملات الى لم الشمل الوطني، حتى وان كانت لن تحقق بالضرورة الغاية المنشودة الآن او في مستقبل قريب، فإن لها اهمية كبرى ودورا كبيرا.
هذه الدعوات والحملات تنبه اولا الى خطورة الوضع الحالي، وخطورة استمرار الانقسام في المجتمع وما يمكن ان يقود اليه ذلك من كوارث على المجتمع كله والوطن.
وهذه الدعوات والحملات تنبه الى ان الكل في المجتمع يجب ان يتحمل مسئوليته وان يقوم بدوره من اجل لم الشمل.
هي بعبارة اخرى تسهم اسهاما مهما في خلق تيار من الوعي العام بحتمية التصدي لدعاة الفرقة، وحتمية العمل على تجاوز الانقسام الحالي.
والأمر إذن باختصار ان الدعوات الى لم الشمل وانهاء الانقسام بين ابناء الوطن يجب ان تكون حاضرة بقوة في كل الاوقات ومهما كانت الظروف الحالية صعبة او غير مواتية.
.
مقالات أخرى...
- أين نوابنا من ملف «السلوك الماكر»؟! - (26 يناير 2012)
- نحن والإرهاب الأمريكي باسم الديمقراطية - (25 يناير 2012)
- الحرب العالمية على الديمقراطية - (24 يناير 2012)
- جبهة الإبداع.. جبهة الحضارة - (23 يناير 2012)
- سوريا ومأزق الجامعة العربية - (22 يناير 2012)
- مرحلة جديدة من التهديد الإيراني - (21 يناير 2012)
- «كوتة» لعملاء أمريكا! - (15 يناير 2012)
- السيناريو المرعب للحرب - (14 يناير 2012)
- الإخوان المسلمون و«نبوءة» نجيب محفوظ - (12 يناير 2012)