توضأوا وصلوا في كنيسة «قصر الدوبارة»
 تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٢
السيد زهره
خبر صغير نشره الموقع الالكتروني لإحدى الصحف المصرية، ربما لم يلحظه الكثيرون أو مروا عليه مرور الكرام. هذا مع أن هذا الخبر يجسد مدى عظمة مصر وشعبها، وعظمة ثورة ٢٥ يناير المصرية. هذا الخبر الصغير يثبت أن مصر بألف خير ولا خوف عليها أبدا.
هذا هو نص الخبر: «واصل مئات الآلاف من المتظاهرين احتشادهم بميدان التحرير في الذكرى الأولى لثورة ٢٥ يناير، في الوقت الذي فتحت فيه كنيسة قصر الدوبارة أبوابها امام المتظاهرين المسلمين من أجل الوضوء وأداء الصلاة على مدار اليوم. كانت الأعداد الغفيرة من المتظاهرين والتي تكدست بمختلف أرجاء الميدان ومسجد عمر مكرم حالت دون تمكنهم من الوضوء وأداء الصلوات، الأمر الذي دفع إدارة كنيسة قصر الدوبارة الى فتح أبوابها أمام المصلين لاستقبالهم».
لنلاحظ هنا ان إدارة الكنيسة حين فتحت ابوابها أمام المصلين المسلمين فعلت هذا باعتباره أمرا عاديا وبشكل تلقائي من دون حسابات أو تردد. ولنلاحظ ايضا ان المسلمين الذين توجهوا الى الكنيسة للوضوء والصلاة فعلوا هذا ايضا بشكل تلقائي وعادي.
من أين أتت هذه الروح؟
ما الذي جعل ما حدث في الكنيسة امرا عاديا لا يثير الاستغراب او حتى التساؤل؟
بالطبع، عوامل كثيرة يمكن الحديث عنها، لكن في مقدمتها ثلاثة:
أولا: التاريخ الطويل من الوحدة الوطنية المصرية ومن التعايش شعبا واحدا في وطن واحد مهما تعددت الديانات او الانتماءات الأخرى.
على امتداد قرون طويلة ترسخت هذه الوحدة الوطنية وترسخ هذا التعايش بحيث اصبح أحد حقائق الحياة البديهية في مصر.
بالطبع، على امتداد تاريخ مصر، شهدت بين الحين والآخر توترات طائفية بهذا القدر أو ذاك. لكن لم تكن هذه سوى استثناء عابر.
القضية الجوهرية هنا انه ما كان لهذه الوحدة الوطنية ان تترسخ على هذا النحو لولا انه مهما حدث ومهما تعددت الخلافات، فإن الولاء الوطني يأتي أولا وقبل أي انتماء آخر.
وهذه الوحدة الوطنية ترسخت على امتداد التاريخ عبر الكفاح المشترك لأبناء الشعب في سبيل الوطن، وعبر جهد المفكرين والساسة والقوى الاجتماعية ووطنيتها.. الخ.
ثانيا: ثورة ٢٥ يناير العظيمة والروح التي أشاعتها والقيم الوطنية العامة التي قامت عليها ورسختها.
من أعظم جوانب الثورة المصرية انها كانت ولا زالت ثورة توحيد وطني.
هذه الثورة اندلعت وتطورت كثورة وطنية جامعة ليس فيها أي ظل من الطائفية. اندلعت وتطورت كثورة شعب بأسره بكل قواه وطوائفه وانتماءاته، ولتحقيق مطالب شعب بأسره.
ونعرف المشاهد العظيمة التي شهدها ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى من تلاحم بين المسلمين والأقباط، وكيف ثاروا معا، ورفعوا نفس المطالب، وسقط منهم الشهداء معا، وأدوا الصلاة معا في وقت واحد في الميادين والشوارع.
ثالثا: المواقف المسئولة للقوى السياسية والوطنية المصرية.
والأمر هنا انه مع تعدد انتماءات هذه القوى ومواقفها الايديولوجية والسياسية ورؤاها، وأحيانا من النقيض الى النقيض. فإنه بالنسبة اليها جميعا تعتبر الوحدة الوطنية خطا أحمر، وتعتبر محاربة أي سلوك طائفي متطرف أو غير متطرف أولوية قصوى.
تأمل مثلا ما حدث في اثناء احتفالات الأقباط بأعياد الميلاد الاخيرة. كان السلفيون بالذات، والذين يعتبر البعض انهم متطرفون دينيا، هم الذين شكلوا جماعات تحيط بالكنائس المصرية وتؤمن لها الحماية في مواجهة أي احتمال.
هذه بعض العوامل التي تفسر ما فعلته كنيسة قصر الدوبارة.
بالطبع، لا يعني هذا أنه لا توجد في مصر مشكلة طائفية.
هناك مشكلة، وهي مشكلة نابعة في جانب منها من سوء سياسات الدولة، وفي جانب من وجود قوى من الجانبين لها مواقف متطرفة من المسألة الطائفية.
وغير هذا، الأمر المعروف ان قوى اجنبية متآمرة على مصر تخطط للنيل من وحدتها الوطنية وتخطط لاثارة فتن طائفية.
لا يجوز التقليل من شأن كل هذا.
لكن القضية هنا أن في مصر حائط صد منيعا جدا ضد المؤامرات وضد التطرف.. حائط صد يحمي وحدة الوطن.
حين يتوضأ المتظاهرون ويؤدون الصلاة في كنيسة قصر الدوبارة من دون ان يثير هذا استغراب احد.. هذا هو حائط الصد. هذا معناه ببساطة ان هذا شعب مصري، بمسلميه وأقباطه، بالنسبة اليه تأتي مصر أولا وفوق الجميع وفوق أي مصلحة طائفية أو خلاف طائفي.
هذه الروح الوطنية هي حائط الصد الذي يحمي مصر.
.
مقالات أخرى...
- عن الدعوات إلى لـمّ الشمل الوطني - (29 يناير 2012)
- أين نوابنا من ملف «السلوك الماكر»؟! - (26 يناير 2012)
- نحن والإرهاب الأمريكي باسم الديمقراطية - (25 يناير 2012)
- الحرب العالمية على الديمقراطية - (24 يناير 2012)
- جبهة الإبداع.. جبهة الحضارة - (23 يناير 2012)
- سوريا ومأزق الجامعة العربية - (22 يناير 2012)
- مرحلة جديدة من التهديد الإيراني - (21 يناير 2012)
- «كوتة» لعملاء أمريكا! - (15 يناير 2012)
- السيناريو المرعب للحرب - (14 يناير 2012)