محنة اللاجئين السوريين في لبنان بعد التهجير والخوف
 تاريخ النشر : الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢
بيروت ؟ من: أورينت برس
منذ اللحظة الاولى لاندلاع الأزمة في سوريا، وخروج التظاهرات التي تندد بنظام الرئيس بشار الأسد وتطالب بإسقاطه، تدفق عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى لبنان بصفته الجار التاريخي الذي تجمعهم به الحدود المشتركة، والبلدات التي تكاد تكون متداخلة، فضلا عن العلاقات الأزلية. في البداية، هرب الكثير من العائلات خوفاً من القصف المدفعي ورشق النيران المتبادل بين قوات الرئيس الأسد وجماعات المعارضة، وتدفقت تحديدا الى قرى الشمال، وبعلبك وعكار، وبعض قرى البقاع القريبة من الحدود. وسرعان ما تلا ذلك، وصول مجموعات من المعارضين السوريين الذين اعتبروا ان في لبنان الملجأ الملائم لهم هربا من قمع السلطات.
اليوم، وبعد مرور اشهر على التظاهرات والاحتجاجات السورية التي تحولت الى حمام دم دافق، يبدو ان حال اللاجئين السوريين في لبنان ليس الافضل بل انهم يعانون جملة مشكلات امنية واقتصادية وغذائية وطبية. اما في لبنان فهناك بعض الجماعات التي تتخوف من تدفق المسلحين السوريين الى الاراضي اللبنانية ومن إقامتهم معسكرات خاصة بهم، منها في منطقة وادي خالد، وتخشى ان يتحول لبنان الى ساحة معركة جديدة.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
كون المعارضين السياسيين السوريين على الجانب الآخر من الحدود لا يكفي لكي يشعروا بالامان والطمأنينة، فالناشطون السوريون الذين هربوا الى لبنان طمعاً في ملجأ آمن لديهم مخاوفهم الكثيرة التي تتعلق بالتضييق الذي يمارس ضدهم من قبل حلفاء النظام السوري كما يقولون. اول هواجسهم يتمثل في الخوف من «حزب الله» وأنصاره، لذلك فهم يقلصون تحركاتهم ووجودهم في المناطق التي يوجد فيها الحزب خوفاً من الوقوع في يده وبالتالي بيد النظام، وعادة ما يختارون العيش في مناطق بعيدة عن العيون والتوقعات حتى يضمنوا سلامتهم الشخصية على حد قولهم ولاسيما بعدما تحدثوا عن حالات اعتقال واختطاف تطاولهم من قبل عناصر موالية لسوريا في لبنان، وخصوصا ان لسوريا تاريخا من التدخل والتأثير في شؤون لبنان. حتى نهاية العام الماضي، سجل اختفاء نحو ١٣ معارضا سوريا في لبنان منهم اخوة من آل الجاسم، علما ان لبنان يعرف بواحة الديمقراطية وحرية التعبير في المنطقة.
ويقول المعارضون السوريون إن الملاحقين في لبنان هم الناشطون الذين يعملون على تحريك التظاهرات ونقل معلومات عما يجري في سوريا الى الخارج، او ببساطة ممن كانت لهم مشاركات في التظاهرات والاعداد لها.
أوضاع الناشطين
في هذا السياق، اكد الأمين العام لـ «تنسيقية لبنان لدعم الشعب السوري» الناشط والحقوقي نبيل الحلبي أن أوضاع النازحين السوريين في شمال لبنان تحديدا «خطرة جدا»، مشيراً الى تعرُض الناشطين السوريين لحملة من التهديد الدائم. وإذ طالب الحلبي، وهو مدير المؤسسة اللبنانية لحقوق الانسان، بتأمين منطقة خاصة للنازحين كما هي الحال في تركيا، طالب الدولة اللبنانية «بأن تتعامل مع ملف النازحين من موقع إنساني وليس سياسيا، ولكن للأسف ليس بإمكان السلطات الرسمية الفصل بين الوضع السيئ الذي يتعرض له النازحون السوريون وموقفها من الملف السوري. وإذا كانت السلطات اللبنانية تتخوف من تحرك النازحين، فعليها التعامل معهم كما فعلت تركيا من خلال تأمين منطقة خاصة بهم وتنظيم عملية المساعدات».
وقال الحلبي ان «عمليات التهديد مستمرة للناشطين من لجان تنسيقيات الثورة، والخطف مستمر، ولكن المشكلة أن التحقيق الذي يجرى مع بعض الناشطين من جانب الأجهزة الأمنية اللبنانية يكشف مكان إقامتهم مما يعرضهم للخطر بعد تخليتهم. جاسم مرعي الجاسم على سبيل المثال تم التحقيق معه من القضاء اللبناني، وبعد التأكد من انه لم يرتكب أي جرم، خطف مع اخوته حين أُفرج عنه». والمفارقة ان السلطات واجهزة الامن اللبنانية تقوم بالتحقيق مع الناشطين السياسيين اللاجئين وغيرهم من السوريين الهاربين من اهوال النظام لكن سرعان ما تتسرب أسماء هؤلاء وعناوينهم ليصبحوا عرضة للضرب والاختطاف والقتل احيانا.
وقد أفاد بعض المعلومات أن السلطات السورية أبلغت الحكومة اللبنانية عبر موفدين بوجوب ملاحقة المعارضين السوريين على أراضيها وتوقيفهم التزاماً بنصوص معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي أقرت بين البلدين في عام ١٩٩١، وان أي تلكؤ من جانب لبنان بما يستوجب عليه في هذا الإطار يعتبر إخلالاً بنصوص هذه المعاهدة.
في هذا السياق تردد أن عدداً من المعارضين السياسيين السوريين في لبنان باشروا اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في تنقلاتهم في المناطق التي يقيمون فيها، سواء في بيروت أو في المناطق الأخرى، بعد تلقيهم معلومات مؤكدة عن وضعهم على لائحة التصفية لأن بقاءهم على قيد الحياة يشكل خطراً على النظام السوري، كما ان كثيرين منهم تركوا أعمالهم المؤقتة والتزموا بيوتهم متحملين الجوع والفقر خوفا على حياتهم وعائلاتهم.
عدد اللاجئين
بحسب وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد النازحين السوريين ارتفع إلى ٣٥٨٠ نازحا في سبمتبر الماضي، وقدم معظمهم من مناطق تل كلخ والعريضة والهيت والقصير وحمص بطرق غير منظمة، وليس عبر معبر جسر قمار الحدودي اي انهم دخلوا بطريقة غير قانونية، وهو ما يعوق حركتهم ويجعلهم عرضة للمساءلة القانونية من قبل السلطات اللبنانية. ويعيش النازحون السوريون في منازل أقربائهم أو في مدارس مهجورة، مثل مدرسة العبرة في مشتى حسن، وسط نقص في المواد الغذائية والمياه. فيما تقدم جمعيات خيرية دعما غذائيا محدودا بشكل شبه يومي إلى العائلات السورية، وتقدم الوكالة الدولية لشؤون اللاجئين حصة غذائية واحدة شهريا زنتها ٧٥ كلج، وتضم حبوبا ومعلبات تكفي شهرا كاملا، وهو ما يعتبره الأهالي غير كاف خاصة في فصل الشتاء القارس.
وقد استمرت موجة النزوح أشهرا، وعادت وانحسرت مع إقفال المعابر غير الشرعية بين البلدين، ليستقر عدد النازحين على ٤٧٥٠ في الشمال اللبناني، وفق آخر إحصاء، مقابل حديث عن وجود نحو ألفي لاجىء غير مسجلين في بعض قرى البقاع.
ويعيش معظم النازحين، بحسب مسؤول برامج الشمال في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الان جفري، لدى عائلات مضيفة في وادي خالد، وفي طرابلس وحلبا ومحيطهما.
كما يعيش نحو ٢٠٠ نازح في مدرستي الراما والعبرة المهجورتين بعد تحسينهما من قبل المفوضية والحكومة اللبنانية وجمعية البشائر الإسلامية، مقابل قلة استأجرت بيوتاً لها.
معاناة مستمرة
ولا تكفي السوريين أحداث القتل والتشريد التي تعصف بوطنهم، حتى تزيد من مأساتهم مشكلات المأوى والطعام في قرى نزوحهم بين وادي خالد وعرسال وغيرهما من المناطق اللبنانية، والمؤسف ان هناك اتهامات موجهة الى الدولة اللبنانية بأنها لا تستقبل النازحين، ولا هي تحصي أعدادهم، ولا تعرف بالضبط أين يقيمون، وتالياً فهي لا تقدم لهم الإيواء والإغاثة الضرورية، والأغرب أن من بين القوى السياسية اللبنانية من لا يرغب وصول نازحين أصلاً إلى لبنان، وبالتالي فإن هذه القوى تضغط على الدولة اللبنانية لتسليم الناشطين السياسيين السوريين، ولعدم فتح مراكز إيواء رسمية إلى النازحين عموماً، وبعدم قيام الهيئة العليا للإغاثة بواجبها تجاههم.
في ضوء هذا الواقع يعاني النازحون نقصا في الإيواء، والغذاء، والدواء، والاستشفاء، وضياع العام الدراسي على أولادهم بسبب غياب المساعدات. في الشمال هناك محاولات لمساعدة الاخوة السوريين كما يسمونهم، وخصوصا ان عائلات كثيرة تجمعهم بهم علاقات قربى، ويسد هذا النقص الفاضح بلديات قرى المنطقة وعدد من الهيئات الأهلية الناشطة في المنطقة ومنها جمعيات قريبة من «الجماعة الإسلامية» أو التيار السلفي، فضلاً عن «قطر الخيرية»، و«الرحمة الكويتية»، و«اتحاد الأطباء العرب» و«جمعية البشائر».
بالحديث مع اللاجئين السوريين هناك تفاسير مختلفة لوضعهم وبرأيهم فإن هناك قراراً محدوداً من الحكومة اللبنانية بحماية الناشطين السوريين وعدم التعرض لهم، كما أن هناك قراراً بعدم منحهم صفة اللجوء.
.
مقالات أخرى...
- أوباما يسعى إلى استمالة معارضي وول ستريت - (15 فبراير 2012)
- زمن محبط للجيش الأمريكي بعد خسائر الحروب الخارجية - (10 فبراير 2012)
- حكومة نتنياهو واحتمال الانتخابات المبكرة في إسرائيل - (9 فبراير 2012)
- استعدادات على الأرض لهجوم وشيك على إيران - (8 فبراير 2012)
- بعد الانسحاب الأمريكي.. نوري المالكي يحكم قبضته على الجيش العراقي - (4 فبراير 2012)
- تصريحات لمفتي القدس تثير غضبا عارما في إسرائيل - (3 فبراير 2012)
- المال السياسي في العراق أفسد السياسيين وأفقر الشعب - (1 فبراير 2012)
- إخفاقات المعارضة السورية تضعف مصداقيتها ووحدة قوامها - (28 يناير 2012)
- عام ٢٠١١ .. الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين - (28 يناير 2012)