الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٧ - الجمعة ٢ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٩ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


كيف يحرجون الحكومة أمام المواطنين؟!





المتابع للمواضيع التي تدرج على جدول أعمال جلسات مجلس النواب لابد أن يلحظ وبسهولة أن أكثر من (٥٠%) من هذه المواضيع هي بمثابة ما يسمى «الاقتراحات برغبة».. تضع هيئة المكتب هذا البند في الأعم الأغلب في نهاية جدول الأعمال.. كما نلحظ أن جملة الموضوعات التي يشتمل عليها هذا البند في جدول أعمال الجلسة الواحدة تتراوح بين خمس عشرة وعشرين اقتراحا برغبة.

المشكلة أن المجلس الموقر في معظم الأحوال يسارع إلى إقرار كل هذه الاقتراحات برغبة.. أو كل هذه المشاريع ومن ثم يقرر رفعها خلال الجلسات ذاتها إلى الحكومة للتنفيذ ومهما كانت النداءات والتوسلات من الأطراف الأخرى المطالبة بعدم الإقرار لاستحالة التنفيذ, وعدم قدرة الميزانية العامة على الاستجابة لكل هذه المشاريع.. وأنه لو وجدت كل الاقتراحات برغبة طريقها نحو التنفيذ فإنها سوف تضرب الميزانية العامة بعجز كبير.. وأن ميزانية الدولة تعجز عن الاستجابة لتنفيذ جميع الاقتراحات برغبة التي ترفع إلى الحكومة من خلال دور انعقاد واحد من الأدوار الأربعة للفصل التشريعي الواحد.. وهنا تظهر الحكومة وكأنها غير متعاونة مع النواب.. وأنها غير مستجيبة لرغبات المواطنين.. وأنها الملامة والمقصرة على الدوام.. وهنا تكمن المشكلة الكبرى والأزلية.

في جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي كانت هناك وقفات موضوعية وشجاعة ضد ما يجري ومن داخل مجلس النواب نفسه.

تفجرت هذه الوقفات عند مناقشة تقرير لجنة المرافق العامة والبيئة حول الاقتراح برغبة بشأن منح المواطنين المستفيدين من الوحدات السكنية قروضا ميسرة في حدود (٣ آلاف دينار بحريني) لكل مستفيد, تضاف إلى قيمة الوحدة السكنية ومن دون أرباح على شكل كوبونات غير قابلة للاستبدال النقدي, وذلك لمساعدة المواطنين المستفيدين بالشقق والبيوت, لتجهيز بيوتهم وشققهم بالمستلزمات اللازمة من أجهزة كهربائية وأثاث.. وهذا المشروع مقدم من السادة النواب: عبدالحميد جلال المير – محمد إسماعيل العمادي – الدكتور علي أحمد عبدالله – علي أحمد زايد – أحمد عبدالواحد قراطة.

وطبقا للائحة الداخلية لمجلس النواب فإنه عند طرح الاقتراح برغبة يعطي رئيس المجلس الكلمة على التوالي إلى أربعة نواب فقط بشرط أن يكون بينهم نائبان مؤيدان للمشروع المطروح وآخران معترضان.

وتحدث المؤيدان في البداية.. وعايرا الحكومة ووجها إليها اللوم على موقفها من مشاريع النواب تجاه المواطنين.. وكيف أنها تكيل الملايين الكثيرة لغير المواطنين.. وأنها أعطت طيران الخليج (٤٠٠) مليون دينار دفعة واحدة.. الأمر الذي يظهرها وكأنها بخيلة على المواطنين وخاصة أن عشرة مليارات دولار قادمة في الطريق إليها قريبا.. الخ.

عادة - وفي معظم الأحوال – لا يظهر للاقتراحات برغبة معارضون.. فتجيء الموافقات عليها قبل رفعها إلى الحكومة في شبه إجماع.. ولكن هذه المرة وقف معارضان شجاعان رأيا عدم جواز السكوت عن قول الحق.. وقالا كلاما يجب الوقوف عنده بإمعان.

كان وزير الإسكان حاضرا الجلسة فوقف قائلا: ان مثل هذا المشروع يتسبب في تعطيل وتعويق تنفيذ المشاريع الإسكانية.. ويرفع من كلفة تنفيذها, ويعرقل تلبية طلبات المواطنين حيث ان هذه «الآلاف الثلاثة» ستضاف إلى كلفة كل وحدة سكنية إضافة إلى أنه يأتي هذا في الوقت الذي نسعى فيه إلى تقليل الطلبات على قوائم الانتظار.. وهنا تزداد شكاوى واحتجاجات النواب والمواطنين المنتظرين.

ثم وقف النائب عيسى الكوهجي ليقولها صريحة شجاعة.. متسائلا: لماذا الإصرار على مثل هذه المشاريع؟.. لماذا المسارعة إلى الموافقة عليها ورفعها إلى الحكومة ونحن الذين نعلم جميعا أن تنفيذها صعب.. أو مستحيل؟.. لماذا تظهر الرغبة دائما في إظهار عجز الحكومة وإحراجها.. أليس الأوفق أن نكون دوما عونا لها على أداء رسالتها بدلا من إظهارها في موقف الرافض والمعوق لخدمات المواطنين؟.. هل هناك أدنى شك في مدى إخلاص الحكومة للوطن والمواطنين؟.. أليس هناك اتفاق على تعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية وتأكيد حرصهما معا على خدمة المواطن.. الخ.

ثم وقف النائب أسامة مهنا ليقولها أشد صراحة: حيث قال ما معناه أن المغالاة في مثل هذه المواقف تتسبب في سخط الشعب على الحاكم.. وهو الذي يقصد بالضرورة مواقف, إقرار مشاريع ومطالبات أكبر من قدرة الحكومة على تنفيذها.

نعم.. هناك شبه اتفاق من خلال الجلسات على ضرورة التمسك بالوفاق الدائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. وهناك حرص دائم من رئيس المجلس السيد خليفة بن أحمد الظهراني على ترديد نصيحة مقتضاها أن التعاون بين الحكومة والمجلس يفيد في المقام الأول والأكبر المواطن حيث يزداد مع هذا التوافق والتعاون تدفق الخدمات تجاه المواطنين.

ولكن – للأسف - البون شاسع بين ما يهدف إليه هذا التوجيه, وبين ما يجري أثناء الجلسات من خلال التعامل مع بند الاقتراحات برغبة على جدول الأعمال التي شابها قبل هذا كله الإسراف في تقديمها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة