إشارات سعود الفيصل
 تاريخ النشر : الأربعاء ٧ مارس ٢٠١٢
محمد مبارك جمعة
بالطبع لم يكن أمراً عادياًّ أن يعقب إعلان قرب انعقاد اجتماع بين خارجية دول مجلس التعاون والخارجية الروسية بناء على طلب الروس أن تقول دول مجلس التعاون إنه تم تأجيل الاجتماع، في الوقت الذي يقول الروس فيه إنه لا علم لهم بتحديد موعد للاجتماع. بحسب مصادر مؤكدة، كان الاجتماع مقرراً رغم كل الاختلاف في وجهات النظر حول الأزمة السورية بين روسيا ودول مجلس التعاون. لكن يبدو أن ثمة أمور حدثت وأجلت هذا الاجتماع لأسباب قد تصب بشكل مباشر في إيجاد حل. على سبيل المثال، حينما اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض في ٤ مارس، كانت هناك تسريبات تقول إن دول مجلس التعاون كانت تعد لمطالبة بشار الأسد بالتنحي، وهو ما كان سيمثل أقوى وأشد موقف يتخذ بشكل جماعي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي إزاء النظام السوري، غير أن نفس التسريبات تحدثت عن أنه تم العدول عن فكرة مطالبة الأسد بالتنحي أو ربما تأجيلها لمرحلة متقدمة.
من هنا، إن صحت هذه التسريبات، علينا أن نربط بين إعلان دول مجلس التعاون تأجيل اجتماعهم بوفد الخارجية الروسية بتأجيل دول مجلس التعاون مطالبة الأسد بالتنحي. فكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ في الواقع هناك حديث كثير حول ما يدور في كواليس الخارجية الروسية، وينقل بأن روسيا أوصلت رسائل إلى دول مجلس التعاون بأن تتريث حتى ما بعد نهاية الانتخابات الرئاسية الروسية، وأن ثمة موقف متغير من قبل روسيا إزاء الوضع في سوريا سوف يبدأ في التبلور. وسواء عبر ذلك عن موقف جدي من قبل روسيا أو مناورة جديدة، فإنه من المهم أن نستذكر ما قاله الأمير سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع الأخير لوزراء خارجية التعاون، حينما استحضر النموذج اليمني كحل للأزمة السورية، وألمح إلى أن السوريين يعلمون أن هذا قد يحدث، أي أن النموذج اليمني قد يطبق.
فهل تسعى روسيا الآن من خلال تواصلها مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى ممارسة ضغوط على بشار الأسد لإجباره على القبول بالتنحي وترك المشهد السوري على طريقة المشهد اليمني؟ وهل لذلك علاقة بتصريح مستشار المرشد الإيراني بأن النظام السوري لن يسقط، بمعنى أن الأسد هو من قد يتغير في هذه المرحلة فقط؟ وهل هذا ما ألمح إليه الأمير سعود الفيصل حينما أشار إلى استمرار الحوار مع روسيا إلى جانب استحضار النموذج اليمني كحل؟ إذا كان هذا الأمر صحيحاً، بحسب ما أفهمه على الأقل، فإن ذلك يعني أن ثمة محاولات تجري خلف الكواليس لتأمين خروج الأسد والتوافق على رئيس سوري ترضى به مختلف الأطراف، ربما مدة سنتين، يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية حرة في سوريا، وهو ما سيمهد الطريق إلى تغيير تدريجي في الواقع السوري وسينتهي بزوال النظام الأسدي البعثي وأركانه من الحكم لكن بشكل بطيء يمنح الأطراف المعنية الوقت الكافي لتسوية أوضاعها بقدر ما قد يفرضه التغيير في سوريا من واقع عملي للبعض وصعب للبعض الآخر.
من المهم جداًّ أن نعود إلى حديث سمو الأمير سعود الفيصل في المؤتمر الصحفي ونركز على الإشارات التي خرجت منه لتعطي شيئاً بسيطاً من الفهم حول التصور لحل هذه الأزمة. ويبدو واضحاً من حديث سمو الأمير أن دول مجلس التعاون لا ترغب في حل يؤدي إلى تدمير الجيش السوري، لكنها تريد من هذا النظام أن يتغير ويزول بناء على ما يطلبه الشعب السوري نفسه. لذلك نجد أن سمو الأمير سعود الفيصل يبقي الحديث مفتوحاً على مصراعيه عن تسليح السوريين للدفاع عن أنفسهم كحق أصيل من حقوقهم إزاء ما يواجهونه من هجمة بربرية يشنها النظام الأسدي على الإنسان والشجر والحجر في شتى المدن والقرى والمحافظات السورية، وذلك كخيار وحيد إذا ما فشلت كل المساعي السياسية لمحاولة إقناع الأسد بالتنحي، وهو ما يبدو جليا وواضحا حتى هذه اللحظة.
.
مقالات أخرى...
- هل تم اعتماد معايير الإسكان؟ - (6 مارس 2012)
- الشعب يريد إيقاف الاستقطاع..! - (5 مارس 2012)
- انقلاب جاء بالمجلس وآخر بالاتحاد..! - (2 مارس 2012)
- جلالة الملك و«دير شبيغل» - (1 مارس 2012)
- جاسوس «غير حكومي»..! - (27 يناير 2012)
- ما الذي حققه «الفاتح»؟ - (22 فبراير 2012)
- سياسيو «تويتر»..! - (20 فبراير 2012)
- ما الذي تعنيه تصريحات المشير؟ - (16 فبراير 2012)
- مجلس الوزراء.. وثلاث نقاط جوهرية - (14 فبراير 2012)