الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٣ - الأحد ١٨ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


محمد حسنين هيكل.. ذاكرة مصر





يكاد الغرب لا يعرف أي شيء عن محمد حسنين هيكل رغم أنه من أشهر الكتاب في العالم العربي، ففي مصر تتصدر كتبه أكثر المؤلفات مبيعا كما أنها تضاهي في نجاحها روايات الأديب نجيب محفوظ، الحائز جائزة نوبل للأدب، فضلا عن شهرته التي تكاد تضاهي شهرة كوكب الشرق أم كلثوم.

محمد حسنين هيكل هو أيضا صحفي متألق رغم أنه ليس بكاتب كبير أو منظر أيديولوجي عبقري، فهو شخصية غامضة ذات سيرة حياتية تستعصي على أي مقارنة. رغم أن الرجل قد أدرك التاسعة والثمانين وعاش كل هذا العمر المديد فإنه لايزال يثير إعجاب المفكرين ورجال السياسة ورجال الأعمال من مختلف المشارب الذين يتدافعون على صالونه.

لماذا؟

لأن هذا الرجل الذي يلقبونه «الأستاذ» يمثل وحده ذاكرة حية عن الدولة المصرية منذ عهد الزعيم جمال عبدالناصر كما أن أرشيفه الشخصي الذي يعج بأسرار الدولة يثير لعاب الصحفيين والمؤرخين وكبار المسؤولين.

أناقة فائقة، جسم رياضي رغم الشيخوخة. إن هذا الرجل الذي يقف اليوم على عتبة التسعينيات يعتبر صحفيا فريدا من نوعه حيث انه عرف كيف يعايش نصف قرن كامل من النظم الدكتاتورية بكثير من الدهاء السياسي. لقد ظل محمد حسنين هيكل مقربا إلى دوائر القرار كما أنه عرف على امتداد كل هذه العقود بمنأى عن غضب دوائر السلطة مع الاحتفاظ بشرعية شعبية بلا نظير.

بدأ محمد حسنين هيكل سيرته سنة ١٩٤٢ مراسلا صحفيا بسيطا في معركة العلمين التي خاضتها القوات البريطانية ضد القوات الألمانية بقيادة رومل. ربطته علاقة صداقة قوية بالزعيم جمال عبدالناصر وأصبح من أقرب مستشاريه وقد رافقه حتى وفاته علما أنه يحتفظ عنه بأرشيف ضخم.

مع وفاة الزعيم جمال عبدالناصر سنة ١٩٧٠ تعقدت العلاقات بين محمد حسنين هيكل والسلطة. أصبح هيكل بعد ذلك مستشارا للرئيس أنور السادات وقد عبر علنا عن موقفه الرافض أي تقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية واعترض بقوة على إبرام معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل. ظل هيكل يشن حملة انتقادته وهو ما كلفه منصبه مديرا لصحيفة الأهرام، التي تعتبر من أشهر الصحف في العالم العربي. في سنة ١٩٧٧ فرضت عليه الإقامة الجبرية قبل أن يزج به في السجن سنة .١٩٨١

قرر حسني مبارك الإفراج عن محمد حسنين هيكل غداة اغتيال أنور السادات. عندها ذهب في اعتقاده أن الرئيس حسني مبارك سيفتح صفحة تاريخية جديدة في مصر، لكن عندما بدأ «الريس» يفرض قيودا متزايدة على الصحافة ازدات انتقادات هيكل الذي رفض الانضمام إلى الحزب الوحيد الحاكم فتم إبعاده مجددا عن وسائل الإعلام القومية. ظل هيكل - في الدوائر الضيقة وفي العلن ايضا - ينتقد حسني مبارك ويسخر حتى من محدوديته السياسية وذوقه في اختيار السيجار، ولعل ما أعطى الحماية لمحمد حسنين هيكل علاقاته القوية وشهرته الكبيرة إضافة إلى ابنيه اللذين يعتبران من أصحاب الملايين كما أنهما مقربان إلى دوائر السلطة.

خلال سنوات حكم حسني مبارك التي امتدت على مدى ثلاثين سنة ظل محمد حسنين هيكل يرفض القيام بأي دور سياسي مفضلا أن يحافظ على مكانته كرمز حي للناصرية المنادية بالوحدة العربية رغم أفولها. قبل بضعة أشهر فقط من الثورة قام محمد حسنين هيكل بزيارة حسن نصرالله في بيروت فيما كان العالم العربي يغلي، عندها خاطبه وزير الخارجية المصري آنذاك بكل غضب:

«من تظن نفسك؟ هل تعتقد أنك تمثل الشعب المصري؟» فما كان من محمد حسنين هيكل إلا أن رد عليه بدوره قائلا: «وهل تمثل أنت الشعب المصري؟».

لم تفوت قناة الجزيرة الفضائية القطرية الفرصة فتعاقدت مه «الأستاذ» محمد حسنين هيكل ؟ الذي كان ممنوعا من الظهور في القنوات التلفزيونية المصرية ؟ وأفسحت له المجال لتقديم برنامج أسبوعي بعنوان: «مع هيكل»، وقد حقق البرنامج نجاحا كبيرا حتى أصبح واحدا من أنجح البرامج التاريخية والسياسية في العالم العربي.

ما سر نجاح محمد حسنين هيكل في برنامج «مع هيكل»؟

لباقة وبلاغة في استخدام الأفكار التاريخية والتلاعب بها وإنزالها إلى مستوى المشاهد بأسلوب السهل الممتنع. إن القصص التي يرويها بطريقته المعهودة تعتبر مرآة لبعض ما يدور في كواليس السلطة، فقد فرض محمد حسنين هيكل قراءة معينة للتاريخ القومي الذي ترك أثره العميق في المصريين. فالتاريخ الذي يرويه محمد حسنين هيكل مليء بالمناورات و«الضربات تحت الحزام»، والعقول المفكرة والمدبرة والتحولات بنسبة مائة وثمانين درجة والامبراطوريات والتحالفات المصلحية أكثر منها مبدئية والخطط والمشاريع التي لا تفضي إلى أي شيء.

يعتبر محمد حسنين هيكل أيضا خبيرا في المؤامرات وهو الذي يقف وراء الشائعة التي اتهم فيها الرئيس الأسبق أنور السادات باغتيال الزعيم جمال عبدالناصر بعد أن قدم له فنجان قهوة مسموما، وهو ما حدا بعائلة السادات إلى مقاضاة محمد حسنين هيكل بتهمة القذف والتشهير. أثار هيكل أيضا كثيرا من الجدل عندما اعتبر أن النصر العسكري الذي حققته مصر سنة ١٩٧٣ في الحرب ضد إسرائيل كان مجرد مسرحية نظمها السادات نفسه بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ثم جاءت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.. فكانت الفرصة مواتية لمحمد حسنين هيكل حتى يصفي بعض حساباته ويستعيد بعضا من مجده التليد، فبعد ستة أيام من بداية الثورة كتب هيكل مقالا طالب فيه الرئيس حسني مبارك بالتنحي. عندها ضج ميدان التحرير وارتفعت الحمى الثورية فاهتز النظام وتنحى مبارك.

بعد ساعتين فقط من سقوط حسني مبارك كانت كل القنوات التلفزيونية تتسابق وتطلب ود محمد حسنين هيكل، القنوات نفسها التي كانت ترفض استضافته على مدى قرابة ثلاثين سنة.

في أول ظهور على شاشة التلفزيون المصري طمأن محمد حسنين هيكل الشعب الصري وقال له: «هذا ليس انقلابا عسكريا، هذا حدث غير مسبوق في التاريخ المصري، ما حدث ليس خروج رجل، ما حدث هو دخول شعب في التاريخ».

ربما يكون محمد حسنين هيكل قد تسرع كثيرا في أحكامه، ففي كتابته الأخيرة اعتبر هيكل أن «الربيع العربي» هو في حقيقة الأمر ثمرة مؤامرة رباعية دبرها الأمريكيون والإسرائيليون والإيرانيون من أجل ضرب الوحدة العربية، الأمر الذي أثار استهجان الثوار في مصر.

لوموند



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة