الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢١ - الاثنين ٢٦ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٣ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


طعنة في ظهر التعليم





ربما أكون لاعتبارات تتعلق بوظيفتي كمعلم في الجامعة، ومن قبل ذلك كنت معلماً في المدرسة، مؤهلا أن أتحدث وإن بإيجاز عن قضية الطفل «عمر» وما حصل معه من قبل معلمته في مدرسة خاصة من وجهة نظر تربوية وعلمية، إذ دأبت المعلمة على جعل الطفل يقبل قدميها على امتداد خمسة أشهر. الطفل لم يكن يعلم شيئاً بالطبع، لم يكن يعلم ما تخفيه معلمته، وهي مجرد صورة مصغرة لما هو موغر في صدرها يعكس حالة طائفية لصورة أكبر من ذلك بكثير.

في البداية، والرسالة هنا للمدرسة، وللقائمين عليها، وأعني هنا رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس ومن يملك صنع القرار فيها، لا وجود لمؤسسة تعليمية تحترم نفسها، يحدث فيها مثل هذا الأمر من قبل أحد المعلمين، فتقوم بإيقاع تلك العقوبة الناعمة، إيقاف مدة أسبوع بدون راتب. وقد كشفت وزارة التربية والتعليم في إطار متابعتها للقضية أن المسئولين في المدرسة قد أدلوا بمعلومات مغلوطة، وأقوال متضاربة، وأن تحقيقاً جدياًّ لم يحدث، وهذا استهزاء بحق التعليم على تراب هذا الوطن، وطعنة في ظهره، قبل أن يكون إجحافاً بحق الطفل وأسرته حتى لو رضي ولي الأمر بالعقوبة، رغم أن تحريات وزارة التربية والتعليم أفضت إلى أن ولي الأمر لم يقبل بهذه العقوبة ولم تكن مرضية بالنسبة اليه، هي غير كافية، وهناك حق للمجتمع، وللمثل والقيم التعليمية، التي تعتبر التدريس رسالة مقدسة. بمعنى آخر، لا يمكن أن تقبل أي مؤسسة تعليمية محترمة أن يكون من ضمن موظفيها معلمة على هذه الشاكلة، فهي إساءة كبيرة جداًّ، وأجزم أن المدرسة المعنية بهذا الأمر قد خسرت كثيراً جداًّ، أدبياًّ ومادياًّ، وستخسر أكثر ما لم تقم وعلى وجه السرعة باتخاذ قرار حاسم.

إن تصرف المعلمة مع الطفل، يشكل دلالة واضحة على أنها لا تستحق أن تكون معلمة من الأساس، لسبب بسيط هو أنها لا يمكن أن تؤتمن على أطفال الناس الذين يأتي بهم أولياء أمورهم ليضعوهم عهدة لدى المدرسة، والمدرسة بالتالي تضع الأطفال عهدة لدى معلميها، وحينما تأتي معلمة لتخون هذه الأمانة، وتمارس فعل الإذلال بحق طفل صغير، مستغلة بذلك عدم وجود من يراقبها، وغيابه عن ناظر أبويه، فتجعله يقبل قدمها، وتفرغ على الطفل شحنات من الغل والحقد المتفجر، فهي تقول بطريقة مباشرة، لمؤسستها التعليمية، ولأولياء الأمور، وللمجتمع بأسره، بأنني لا أصلح أن أكون معلمة، وإلا لما فعلت ما فعلت. هذا أمر واضح وبسيط جداًّ ولا يحتاج إلى تنظير أو نقاش.

على مدى مشواري التعليمي، مررت بمعلمين يهينون الطلاب، بالضرب على الوجه أو بالنهر والصراخ والإساءة، لكن كل ما رأيته لا يعدو كونه أموراً في إطار البيئة التعليمية، بمعنى أن يرتكب الطالب غلطة أو يسيء التصرف، فيعاقبه المعلم بقسوة، وربما يلحق به الضرر بشكل غير مقصود، لكن أن تأتي معلمة إلى طفل بريء، لم يفعل شيئاً، وتختلي به، وتجعله يقبل قدمها، على امتداد خمسة أشهر، فهذا ما لم أشاهده في حياتي قط، وهو تصرف شيطاني يدل دلالة قطعية على انعدام صفتي الأمانة والأخلاق، والخطأ كل الخطأ ألا يتخذ الإجراء المناسب الصارم سريعاً وفي العلن، فالقضية أصبحت قضية رأي عام، وتجاوزت كونها حادثة في مدرسة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة