كتاب «حرب اللاعنف في البحرين»:
بعض الملاحظات السريعة
 تاريخ النشر : الخميس ٥ أبريل ٢٠١٢
فوزية رشيد
} في كتابه «حرب اللاعنف في البحرين ؟ هكذا تم تجنيدي لاسقاط النظام» الذي اقتطفنا من تجربة الكاتب الذاتية مع «أكاديمية التغيير» في النمسا، بعض المقاطع وجمعيها من القسم الأول، الذي أوضح في اي سياق عام تم تدريب النشطاء السياسيين، أو المتدربين العرب في المنظمات الدولية التي تشكل منظومة واحدة للتغيير في العالم، حسب الاستراتيجية الأمريكية تحديدا، أو المدعومة منها، حول هذا الكتاب، الذي يناقش حدث البحرين الساخن، وضعنا بعض الملاحظات التي نجدها تكتسب أهمية، وخاصة في الزمن الراهن بالنسبة إلى ما حدث ويحدث حتى اليوم منذ أزمة فبراير ٢٠١١، بحيث إن استخدام المصطلحات التي تروجها منظومة التغيير الدولي أو المنظمات الدولية، من المهم احاطتها بالحذر من جهة، وبالتصحيح من جهة أخرى، والكاتب نفسه كتب مرة حول ذلك، وخاصة ان الحرب الاعلامية التي تستند اليها أسس التغيير الممنهجة والموجهة في بلاد ما يسمى الربيع العربي، هي حرب مصطلحات ومفاهيم بالدرجة الأولى يتم ترويجها في العالم بشكل سياسي واعلامي ودعائي ممنهج أيضا، لتصبح مضامينها بعد فترة (ثوابت فكرية) يتم اعتماد تداولها في العالم كله، بما تضيع معها أسس مفاهيمية اخرى هي الاقرب إلى الحقيقة، فيقع الكثيرون في فخ التداول والترويج لتلك المصطلحات والمفاهيم الزائفة كأنها هي الحقائق الثابتة، فيما حقيقة الأحداث تضيع في البعيد.
} من هذا المنطلق التصحيحي نعلق على الكتاب ونطرح بعض الملاحظات أو المآخذ السريعة حسب المساحة المتاحة:
١ - حين يتم اعتماد مصطلح (حرب اللاعنف في البحرين) كعنوان لكتاب بحريني، وكاتبه لديه مواقف اخرى أكثر وضوحا من احداث فبراير ٢٠١١ وما بعدها، بخلفية ان المصطلح هو ما تم اعتماده كصياغة من (أكاديمية التغيير) وربما غيرها من المنظمات الأخرى الشبيهة، فان الكاتب يضع نفسه بشكل غير مباشر في حالة تماه أو تبن مع المستخرجات اللفظية والمفاهيمية لتلك المنظمات، وبما يوحي احيانا بعكس حقيقة ما حدث في البحرين، أو بما يوحي بأن «الحراك الانقلابي الطائفي»، كان في إطار (اللاعنف) في البحرين، بينما سجل تقرير لجنة تقصي الحقائق بشكل موثق الكثير، ولا نقول كل الممارسات (العنفية) بل الجنائية، التي اوقعها المتظاهرون ومن كان يحركهم في المجتمع البحريني، بل ان العنف بعد السلامة الوطنية اصبح في تزايد حتى بلغ مرحلة الارهاب، أي أعمال يقوم بها المحتجون بهدف القتل المتعمد لرجال الأمن وغيرهم، ولذلك فانه في نظرنا ان العنوان حتى ان كان أكاديميا من مستخرجات (أكاديمية التغيير) أو غيرها، الا أن تكريسه كعنوان لوصف الأحداث التي نعرف جميعا منطلقاتها وخلفياتها، لم يكن موفقا أو بالأحرى موضوعيا حتى ان كان دقيقا قياسا لما تروجه منظمة التغيير الدولي نفسها، لأن الايحاء فيه يخالف الحدث.
٢ - في رصده منظومة التغيير الدولي وأدوار المنظمات (تم رصد ١٨ منظمة) جاء التعريف وتحديد الادوار كما وضعتها تلك المنظمات لنفسها، رغم ان تلك المنظمات يدور عملها في إطار بين (المعلن والمحفز) والكاتب يطرح المعلن ويناقشه كأنه وحده الحقيقة، بدون توضيحات أو ربط منه بين تلك الأدوار وخفايا المنطلقات الاستراتيجية والسياسية الكبرى للولايات المتحدة في المنطقة العربية، وهي الداعم الرئيسي لغالبية تلك المنظمات، وهذا يعطي انطباعا للقارىء بأن الكاتب كأن ليس من مهمته كشف الستار عن المخفي من الأدوار أو الأهداف الحقيقية، التي ليست بذات صلة بالديمقراطية أو العدالة أو التغيير الذي هو حقيقة في صالح الشعوب لو لم يتم الاستغلال فيه، وهذا يتطلب وجود بعض الاشارات والهوامش من الكاتب حول حقيقة الأهداف، التي لم تكن كاشارات موجودة في الكتاب رغم وجود شيء مقتضب منها أحيانا.
٣ - في احدى الفقرات (ص ٣٥) يقول الكاتب معلقا (مثل هذه الرؤية لا تعني بالضرورة ان هناك تخطيطا واضح النسق لدى جهة مركزية سواء كانت مؤسسات او حكومات او جماعات لاحداث الفوضى التي شهدتها البلاد خلال ازمة فبراير ٢٠١١) ونسأل: هل يعتقد الكاتب انه لا يوجد بالفعل تنسيق مركزي تديره رؤوس خفية او حكومة خفية حسب المسمى الدارج، تم وضع الكثير من الكتب الغربية حولها لتبيانها، وهي التي تحرك من خلف الستار الكثير من المؤسسات بل الحكومات بل الجماعات لاحداث التغييرات بما يتناسب مع مصالحها الكبرى في العالم، حتى ان بدا عمل تلك المؤسسات او الحكومات او الجماعات أنه عمل لا مركزي؟
هناك دوافع حقيقية سواء للماسونية العالمية أو الصهيونية العالمية أو غيرهما، للحفاظ على المصالح والسيطرة على العالم، كشفها كتاب غربيون وليسوا عربا، حتى لا تقفز في الوجوه التهمة الجاهزة حول «نظرية المؤامرة» رغم ان التآمر هو في الأخير فعل تخطيطي عادي على ارض الواقع، بالنسبة إلى الدول الكبرى، وليس فعلا خياليا أو وهميا، ورغم ذكر الكاتب للعديد من مؤسسي بعض تلك المنظمات، وهم صهاينة معروفو النزعة، فإن الكتاب لم يقدم اي خلفية او تعليق جانبي حول ذلك، مما أفقد الكتاب الرؤية السياسية الشمولية نوعا ما في هذا الشأن، سواء باعتبار ذلك عاديا بالنسبة إلى الكاتب أو غير ذلك.
٤ - قدم الكاتب رؤية «شديدة الحيادية» في وصف الصراع وأطرافه، وحيث الحياد قد يكون محمودا في الطرح الأكاديمي البحت، ولكنه يعتبر مخلا في التحليل أو التعليق السياسي على احداث ساخنة مر بها الوطن، تم خلط الحق فيه بالباطل، مما كان يحتاج إلى معرفة أكبر من خلال كتاب ستتم قراءته عربيا أو دوليا لسخونة الحدث الخليجي والتركيز الدولي فيه، وفي رأينا فإن توخي الحياد الشديد لم يسعف الحقيقة وليس رضا الأكاديميين أو الدارسين الحياديين، فلا حياد في الموقف بين الحق والباطل كما اعتقد.
٥ - لم يفرد الكاتب مساحة مهمة لتبيان حقيقة من تسمي نفسها المعارضة في البحرين، من حيث انها طرف اشكالي بالأساس لأنه انقلابي منذ التأسيس وليس اصلاحيا أو سياسيا كبقية المعارضات في العالم، وخاصة من حيث النشأة والتكوين، والارتباط بالمرجعية الخارجية، وربط ذلك بحلم إيران الصفوية، واستغلال التشيع الصفوي في العامل الشيعي البحريني، ومن حيث هي ليست بثورة أو (مقاومة مدنية) طالما تستند إلى ذراع ميليشياوية تمارس العنف والتخريب والارهاب، فهي فئة تتلبس لباس المعارضة الاصلاحية فيما تقوم بأداء «الدور الانقلابي الطائفي»، الذي تتلاقى في حراكه مع اطراف اقليمية ودولية لها اجندات ومشاريع. لذلك كان من المفيد التوسع في التعريف بالمعارضة هذه من خلال سلسلة الوقائع التي تدين ممارساتها في الاتجاهات السابقة، وليس من خلال مجرد تحليل سياسي منبت الصلة بما يدور على أرض الواقع، طالما ان الكاتب طرح الصراع وأطرافه وأدوارهم واشكالية ما حدث من جانب «الوفاق» وبقية التشكيلات غير المرخصة، وطرح رصداً طويلاً في القسم الثالث حول ما تمت تسميته حرب اللاعنف في أزمة .٢٠١١
٦ - في القسم الثالث أيضا من الكتاب حول اسلحة حرب اللاعنف خلال ازمة فبراير ٢٠١١، كرر الكاتب مرارا وتكرارا تعبير (المقاومة) والمواقف السياسية «لحركة المقاومة» لوصف الحراك الانقلابي الطائفي ويقصد بها المقاومة المدنية، حسب تصنيف المنظمات الدولية، وبما يتماهى مع تصنيف (الوفاق) واتباعها لحراكها، وتصنيف «أكاديمية التغيير» لها أيضا، وبدون وضع اشارات او هوامش بأن الكاتب يتفق او لا يتفق مع تلك التسمية، أو لماذا هو يطرحها كوصف متكرر، حتى ان كان مصطلحا أكاديميا نراه تلفيقيا، لأنه لا يعبر عن حقيقة وماهية تلك الفئات المحتجة في البحرين، فيشتبه على القارئ غير المتابع للحدث البحريني، بأنها بالفعل معارضة وسلمية ومقاومة مدنية وحراك مطلبي مجرد.. الخ.
وتكرار المصطلحات الغربية أو التي تروجها المنظمات عن احداث البحرين وطبيعة اطراف الصراع، لا يخدم من اراد توضيح حقيقة الحدث، وحقيقة الطرف الأساسي في التأزيم بتلك الطريقة التي حدثت في فبراير ٢٠١١، وخاصة في كتاب يريد تقديم الحقيقة او الوصف الموضوعي للحدث، ومن خلال كاتب بحريني متابع له ولوقائعه وأحداثه.
} هذه بعض الملاحظات السريعة التي لا تنفي قيمة الكتاب، وخاصة القسم الأول فيه والأكثر تشويقا حول التجربة الشخصية للتدرب في احدى تلك المنظمات الدولية، وحقيقة التدريب والتعاليم، واعتبار الكثير من الوسائل العنفية بأنها تصب في إطار (اللاعنف) وهو المستغرب بالنسبة إلى الدول التي تنشر مفاهيمها للتغيير في الوطن العربي، عبر الوسائل العنفية، التي تحاربها تماما في بلدانها إن قام بها اي طرف يريد الاحتجاج او التظاهر او التغيير، ثم تسمي الوسائل العنفية التي لا تمانع في حدوثها في المنطقة العربية بحرب «اللاعنف»، فأي زيف وخداع أكثر من هذا؟
.
مقالات أخرى...
- لماذا السعودية في قلب الاستهداف؟ - (4 أبريل 2012)
- المنظمات الدولية تستهدف اليوم أهل السنة في البحرين والخليج (٢-٢) - (3 أبريل 2012)
- المنظمات الدولية تستهدف اليوم أهل السنة في البحرين والخليج - (2 أبريل 2012)
- هل هو افتراء؟ - (1 أبريل 2012)
- الطائفية حين تتجلى في أبشع صورها - (29 مارس 2012)
- قصة الطفل «عمر» تختزل القصة الكبرى - (28 مارس 2012)
- «الوفاق» والعنف خطان متناغمان - (27 مارس 2012)
- لا مصالحة مع الإرهاب أو مع من يتبناه - (26 مارس 2012)
- حماية رجال الأمن وحقوق الإنسان - (25 مارس 2012)