الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣١ - الخميس ٥ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مقال رئيس التحرير


ليس هذا وقته يا سادة!!





تابع الجميع من داخل البحرين ومن خارجها ما جرى في جلسة مجلس النواب أمس الأول.. تلقينا سيلا من الاتصالات والتعليقات عبر مواقع التواصل ومن خلال الهواتف.. وقد جاءت معظم هذه الاتصالات مستنكرة لما جرى.. كما أجمع المتصلون على أن الذي جرى ليس هذا وقته!

كل إنسان متحضر على هذه الأرض لا يملك القدرة على الإفلات من التصبب عرقا من فرط ما أصابه من خجل بسبب هول ما جرى، ومن وطأة الحالة المزرية التي وصلنا إليها.

شعب يعيش الآن موقفا لا يحسد عليه عندما يجد نفسه محاصرا بين غوغائيتين.. غوغائية «المولوتوف».. وغوغائية الكلام والتعصب وفرض الرأي!

وصلنا إلى مرحلة شديدة الخطورة.. ونحن نرى بلدنا يكاد يضيع بين عقلاء صامتين.. وجهلاء يعيثون في الأرض فسادا!

بصراحة شديدة لم نكن نتوقع في يوم من الأيام أن هذه الحالة المأساوية التي نحياها ستنعكس سلبا على بيت الأمة ومنبر الشعب الذي يعلق عليه الجميع كل آمالهم.. أحزننا كثيرا وأقض مضاجعنا أن يهدد برلماننا الموقر بتعليق جلساته، وأن يخذلنا بالتفكير في قطع شريان التواصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. لتسيل دماء الإنجازات التي تحققت بالجهد والعرق والصبر في إطار وروح الأسرة الواحدة.. لتهدر على الأرض لمجرد خلاف نشب بين وزيرة ونواب كان يمكن لملمته وكبح جماحه لو ألجمنا أعصابنا وأحلنا بينها وبين هذا الانفلات المقيت والاهانات المتبادلة التي تطايرت من تحت قبة البرلمان في جو مأساوي.

المفروض أننا جميعا نتعلم من أسلوب الحوار البليغ الذي يدور من خلال جلسات برلماننا الموقر.. هذا الحوار المبني على الأدب الجم والرفيع.. هذا الأدب وهذه الكياسة ما كنا نتمنى أن نفرط فيهما بسهولة حتى ولو كان قد أسيء إلينا لمجرد زلة لسان وقع فيها شخص واحد وجد نفسه مستفزا ومحاصرا بين أناس من المفروض أن يكونوا جهابذة الأدب الجم وروعة الحوار والطرح.

بصراحة شديدة أيضا.. لقد وجدنا الكثيرين يعبرون عن استيائهم عندما فوجئوا بهذه الكوكبة العفيفة والبليغة تفقد القدرة على أن تحفظ على نفسها ألسنتها وأن تبقي على روح الود والإخاء والأسرة الواحدة.. لكننا نحن لم نفقد الأمل في تدارك الموقف، والعودة إلى جادة الصواب، واعتبار ما جرى مجرد سحابة صيف مهيأة للانقشاع سريعا من خلال تبادل الاعتذارات وإبداء الندم على ما حدث في حالة انفلات هي بالضرورة مستنكرة من أولها الى آخرها.

وبصراحة أيضا.. نشعر بالخجل تدور معه رؤوسنا ونحن نتخيل كيف ينظر إلينا الآن من اختارونا بالإجماع في العالم العربي كله لتكون عاصمتنا عاصمة الثقافة العربية خلال عام ,.٢٠١٢ ولسنا نتصور أبدا أنهم كانوا يتخيلون انه يمكن أن يقع في برلمان الدولة التي وقع اختيارهم عليها هذا الذي جرى في جلسة أمس الأول.. ووالله لو كان في ظنهم مجرد احتمال حدوث ما حدث لكانوا قد ابتعدوا عن البحرين الى غيرها بمنطق اللجوء إلى الأفضل!

وما يحزن أو يؤلم أن الأغلبية العظمى من نوابنا الأفاضل هم من المثقفين الواعين بأن الثقافة تعني الكتاب والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية، والتمثيل والطرب وغيرها من الفنون المختلفة.. وان الأمزجة والمشارب الإنسانية هي الأخرى متنوعة متعددة، وان الكل من حقه أن يتواءم مع ما يختار أو يستريح إليه.. وانه من الغبن أن تلجأ جمعية أو أكثر إلى فرض آرائها على الجميع قسرا ورغما عنهم.. أعتقد أن هذا -بكل المقاييس والأعراف- مرفوض، فنحن كلنا مسلمون.. وقد علّمنا ديننا الحنيف احترام ارادة الآخرين، والابتعاد عن أي اهانة أو استهانة بالمذاهب والتعددية الفكرية المختلفة.. وإزاء هذا كله فإن فرض آراء بعينها على المجتمع ليس شأنا ديمقراطيا، بل انه الدكتاتورية بعينها.

وفي النهاية.. لا يسعني إلا أن أجدد القول إن ما جرى على الساحة أمس الأول، والذي كنا نتمنى له ألا يجري، ليس هذا الوقت وقته.. فالوطن في حاجة منا جميعا إلى كل ذرة تعقل وتسامح وإخاء ووطنية وإنكار للذات.. والأمل لدينا كبير في أن نعود سريعا إلى روح الأسرة الواحدة القائمة على التسامح.. وبوركت مبادرات المبادرين.



.

نسخة للطباعة

ليس هذا وقته يا سادة!!

تابع الجميع من داخل البحرين ومن خارجها ما جرى في جلسة مجلس النواب أمس الأول.. تلقينا سيلا من الاتصالات والت... [المزيد]

الأعداد السابقة