الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٤٨ - الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


همجية عادية وإرهاب عادي أيضا





حين ارتكب جندي أمريكي في أفغانستان جريمة بشعة قبل فترة بقتل ١٧ مدنيا أفغانيا داخل بيوتهم، كتبت ان مثل هذه الجرائم الهمجية ليست استثناء كما يزعم المسئولون الأمريكيون باستمرار، وإنما هي نمط متكرر وسلوك عادي في أفغانستان وفي العراق قبل ذلك وفي أماكن أخرى. وقلت ان هناك على وجه اليقين عشرات من هذه الجرائم لا يعرف العالم عنها، فقط لأنها لم تتكشف.

وقبل أيام، ثبت صحة هذا حين كشفت صحيفة «لوس انجليس تايمز» الأمريكية جريمة جديدة، ونشرت صورا لجنود امريكيين في افغانستان يلتقطون صورا مع أشلاء قتلى أفغان ضحايا القوات الأمريكية.

الملابسات التي أحاطت بنشر الصحيفة لهذه الصور تستحق بحد ذاتها التوقف عندها.

الذي حدث ان جنديا أمريكيا قدم هذه الصور للصحيفة. وقبل ان تنشرها أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية، لكن الوزارة طلبت من الصحيفة عدم نشرها. الصحيفة قررت بعد ذلك نشر عدد من هذه الصور كما هو معروف.

ماذا يعني ان تضغط وزارة الدفاع الأمريكية على الصحيفة وان تحاول منعها من نشر هذه الصور؟

يعني ما يلي:

١- من الواضح من الملابسات التي أحاطت بالقضية، ومما كتبه محللون بالفعل، ان الوزارة كانت على علم أصلا بهذه الواقعة الهمجية منذ فترة طويلة. أي انها كانت على علم ان جنودا ارتكبوا هذه الجريمة، ومع هذا، لم تفكر في اجراء أي تحقيق ولا في محاسبة أي أحد.

بعبارة أخرى، يعني هذا ان القادة العسكريين والسياسيين في امريكا يكنون هم أنفسهم نفس هذا الاحتقار الذي أظهره الجنود الذين التقطوا هذه الصور للأفغان ولحرمتهم.

٢- انه حتى بعد ان وصلت الصور الى الصحيفة وباتت الجريمة معروفة، أرادت وزارة الدفاع الأمريكية، ان تتستر على الجريمة، وحاولت ارهاب الصحيفة ومنعها من النشر. أي انها ارادت حرمان الرأي العام من ان يعرف الحقيقة، وان تحمي الجنود الذين يرتكبون هذه الجرائم.

٣- التبرير الذي قدمه المسئولون الأمريكيين لمحاولتهم دفع الصحيفة الى عدم نشر الصور هو في حد ذاته جريمة ويكشف عن احتقار للأفغان ولأبسط القيم الإنسانية.

هذا التبرير قدمه جورج ليتل المتحدث باسم وزير الدفاع الامريكي، عندما قال: «يكمن الخطر في ان يستخدم العدو هذه الصور لإثارة أعمال عنف ضد الجنود الامريكيين».

هذا الكلام يعني انه بالنسبة الى المسئولين الأمريكين الكبار في وزارة الدفاع وغيرها، فانه في سبيل ألا يتعرض الجنود الامريكيون الى أي اعمال عنف، ليس مهما ان ترتكب أي جرائم همجية بشعة بحق الافغان، وليس مهما ما يجري لهم من قتل وذبح، وليس مهما ايضا ان يحرم الإعلام والرأي العام من ان يعرف الحقيقة وان يكون على علم بالجرائم التي يرتكبها الجنود الامريكيون.

إذن، الادارة الأمريكية مارست ارهابا سياسيا وإعلاميا على الصحيفة من أجل اجبارها على عدم الكشف عن الفضيحة.

وبعد ان نشرت الصحيفة الصور وكشفت الجريمة، واصل المسئولون الامريكيون الهجوم عليها، وشن عسكريون حاليون وسابقون وإعلاميون هجوما عنيفا على الصحيفة كما لو كانت هي التي ارتكبت الجريمة.

مثال ذلك، ما قاله رالف بيترز وهو كولونيل أمريكي سابق لمحطة «فوكس» التلفزيونية. قال: «ان الفضيحة الحقيقية هي ان صحيفة لوس انجليس، التي تكافح من اجل البقاء، خلقت فضيحة بنشرها هذه الصور رغم اعتراضات البنتاجون. الفضيحة الحقيقية هي ان المؤسسة الإعلامية انتهزت هذه الفرصة من أجل تشويه صورة قواتنا. والفضيحة الأسوأ هي ان قادتنا العسكريين وغير العسكريين اندفعوا لإدانة قواتنا، ومن دون تقديم توضيحات».

بحسب هذا المنطق الهمجي، فان الجنود الأمريكيين لم يرتكبوا أي جريمة اصلا، ولم يقترفوا أي خطأ يلامون عليه، والمجرمون الحقيقيون هم الذين كشفوا الجريمة والذين ادانوها.

كالعادة، وكما هو متوقع، خرج وزير الدفاع الامريكي والمسئولون في البيت الابيض ليرددوا نفس الاسطوانة التي باتت محفوظة عن ظهر قلب، وهي ان هذه الجريمة وما ارتكبه هؤلاء الجنود «مجرد استثناء ولا يعبر ابدا عن القيم والاخلاقيات العسكرية الامريكية».

حقيقة الأمر انه يتأكد كل يوم ان مثل هذه الهمجية الامريكية التي تجسدها مثل هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها الجنود الأمريكيون، هي امر عادي جدا.

وايضا، هذا الارهاب السياسي والإعلامي للتستر على الجرائم، هو إرهاب أمريكي عادي جدا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة