قضايا ثقافية
الــدَّس فــــي الثقافــــــة
 تاريخ النشر : السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢
بقلم: سلمان الحايكي
ليس الدَّسّ في الثقافة هو الذي اسهم في تقويض العديد من الثقافات العربية فحسب، بل ان هذا الدَّسلا أصلاً هو الذي فكَّك الفكر العربي ككل وما وصلنا إليه اليوم جاء نتيجة تراكمات وخبرات انعكست آثارها على مجمل الإنتاج الفكري العربي حتى المثقفين أنفسهم تجادلوا فيما بينهم ولم يتوصلوا إلى أي اتفاق أو مبادئ أو خطوط عريضة تكشف لهم ظلام الاختلاف وتقودهم إلى تصفية الخلافات والاختلافات في الثقافة العربية الواهنة.
إنك إذا أردت أن تقوّض علاقة بين اثنين من المثقفين كانا فيما مضى متفقين على كل شيء في حياتهما الثقافية ويتبادلان الأفكار ويصححان المفاهيم قُم بعملية دس فيما بينهما وعلى سبيل المثال دُس في الماركسية شيئاً من اللاهوتية فإنك بهذا التصرف الدقيق والمخطط له تجعل من هذين المثقفين يصطدمان فيما بينهما صداماً يؤدي إلى انهيار العلاقة الثقافية وتعكير الأجواء والنفور الذهني بين الطرفين، وهو الأمر الذي يؤدي فيما بعد إلى تدخل الكثيرين لمحاولة الإصلاح بينهما لكن الهوّة تكبر وتتسع وتشمل آخرين ويتأثر المجتمع الثقافي والمعرفي والسبب هو الدَّسّ.
إن كان هذا الأمر يؤدي إلى انقسام اثنين فماذا يكون موقف المفكرين والمثقفين إذا انقسمت الأمة الواحدة إلى عدة شظايا لا يمكن الجمع بينهم؟
لقد كان المجتمع الإنساني يُعوّلُ على المثقفين لأنهم الأقدر على قيادة البشر المختلفين في الطبائع والسلويات والتصرفات ويرى فيهم النُبل والشهامة وإنكار الذات لكنهم بعد أن تسلحوا بقوة الثقافة نراهم هم الذين يبثون الدسائس ويسهمون في تفكيك المجتمعات الثقافية العربية.
بين يدي مئات بل آلاف من أسماء المثقفين العرب الذين جُنَّدوا لعملية الدّسِّ الثقافي والهدف من ذلك تفكيك فكر المثقفين الذين يمثلون الرأي الواحد وصناعة الحروب الكلامية فيما بينهم لأننا نعرف ان الثقافة إذا استقرت وترسخت على المناهج الصحيحة هي التي تقود الشعوب البشرية إلى الإبداع والتصنيع والابتكار.
في أوروبا قطعوا الطريق أمام فطاحل الدسَّاسين وحاصروا أفكارهم وتحركاتهم ولما تمكنوا منهم فضحوهم ومنحوهم الإقامة الجبرية ليتيحوا الفرصة إلى العمليات الإبداعية أن تتلقح وتنتج ثقافات صناعية وليست ورقية كما هي اليوم بالنسبة لثقافاتنا الصفراء.
إننا ننتج ملايين الأطنان من الكلام المنمق فوق الورق والأخير يُحرق أو يُردم والسبب عائد لعمليات الدَّس الناجحة التي بدأت في حياة سيد المرسلين وآخر الأنبياء الذي حذّر وأنذر وأمر وقاد وقال بالحرف الواحد وهو يُشير إلى فيه اُكتبوا ما أقول لأنه لا ينطق إلا بالحق.
إذا كان يُشير علينا أن نأخذ ما ينطقه مباشرة وندونه في تراثنا وثقافتنا حتى لا نختلف بعده فلماذا سمحنا بالدسَّاسين أن يَدُسّوا ويتعلم أجدادنا من أحبار اليهود الفكر اليهودي ونحن في بدايات تكوين المجتمع الثقافي العربي؟
إن أوروبا لم تخطئ لما نظّمت مجتمعاتها الثقافية فقد كانت تعلم أن الدَّسَّ في الثقافة هو السبب الذي قادها إلى الحربين الكونيتين وهي اليوم تتجنب الحرب الثالثة لأنها سحقت ودفنت الدساسين.
.
مقالات أخرى...
- رواية تحكي عن عذابات طالبي اللجوء في ألمانيا - (28 أبريل 2012)
- قصة قصيرة «قصيدة حب» - (28 أبريل 2012)
- الشاعرُ اللبناني محمد علي فرحات في مركز الشيخ إبراهيم: الهامشُ الثقافي أوقعَ الكثيرين من المثقفين ضمن خطين متوازيين - (28 أبريل 2012)
- رغباتٌ من النار - (28 أبريل 2012)
- الأرضُ تحت الأنقاضِ مشاهدٌ روائيةٌ من غزو (١٤) - (28 أبريل 2012)
- أي هروب لهذه الحكايات؟ بقلم: فهد حسين - (28 أبريل 2012)
- وتـحـقـقـــــــت الـرؤيــــــــــا - (28 أبريل 2012)
- تقاسيم - (28 أبريل 2012)
- رعبُ الحصار في مركزِ الشيخ إبراهيم الثقافي - (21 يناير 2012)