الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٤ - السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٧ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

أي هروب لهذه الحكايات؟

بقلم: فهد حسين





بين الحين والآخر يطالعنا الكاتب والمترجم مهدي عبدالله بعمل أدبي قصصي أو بعمل مترجم أو بعمل تاريخي، وها هو يصدر مجموعة قصصية بعنوان: «قصص هاربة» عن دار فراديس للنشر والتوزيع، إنها مجموعة تناقش بعض الظواهر الاجتماعية والمعيشية والمهنية ذات الطابع اليومي في حياة الإنسان عامة، والبحريني على وجه الخصوص، حيث تأتي المجموعة طارحة بعض الدلالات البيئية والاجتماعية الدالة على طبيعة الحياة وسيرورتها اليومية والحياتية من حراك اجتماعي، وعلاقات أسرية واجتماعية ومهنية، وحول طبيعة الإنسان في خضم متطلبات المجتمع، وحول المهنة والوظيفة وطبيعة الدوام المهني، فضلا عن العلاقات الإنسانية التي تفرض أو تبني جسرًا من التعاون والتآخي بين الأفراد، بالإضافة إلى طبيعة التزاوج في البحرين، وملامح الفوارق الطبقية والاجتماعية والاقتصادية.

وبحسب متابعة المنجز السردي المحلي فالموضوعات التي تطرقت لها المجموعة لم تعد نصوصها جديدة من حيث المضامين وشكلية الموضوعات، فهناك الكثير من النصوص القصصية والروائية التي تناولت العديد من هذه الموضوعات، ولكن الذي يلفت النظر منذ الوهلة الأولى لقراءة قصص المجموعة هو العنوان، فالسؤال الجوهري يتمثل لك ضمن نسج علاقة ثقافية وأدبية وسيميائية، وإذ نحن نقرأ نصوص المجموعة فإننا نشد على الجهد الذي يبذله القاص في الحراكين الأدبي والثقافي المحليين على المستوى الكتابي والنشاط الثقافي من خلال مركز جدحفص الثقافي، فبصماته واضحة للمتابعين للفعاليات الثقافية البحرينية، وإن مجموعته القصصية هذه تأتي ضمن مشروعه الثقافي الذي كرس نفسه من أجل إبرازه للعيان.

ونحن هنا في الوقت الذي نؤكد دور القاص مهدي عبدالله في المشهدين الأدبي والثقافي كما هو الدور الذي أداه الآخرون من الكتاب والأدباء، فإننا في هذه القراءة للمجموعة نحاول الابتعاد قدر الإمكان عن صانع ومنتج هذه المجموعة لندخل في عوالم القصص التي ضمها اسم واحد هو: قصص هاربة، حيث العنوان يحمل في دواخله وطياته دهشة الإثارة والتساؤل من كونها قصصًا، وهاربة أيضًا، فماذا تعني لنا مفردة الهاربة في سياق العنوان؟ ودخولها بوصفها صفة إلى القصص أو إذا قلنا إنها خبر فهو جاء بمرتبة الصفة، وكأننا نقول: هذه قصص هاربة، أو المجموعة هي قصص هاربة، أو مجموعة عنوانها قصص هاربة.

وهنا يأتي التساؤل حول هذه المفردة، وما توحي به تلك الحكايات، فهل أتى بالهاربة ليؤكد أنها مجموعة حكايات يمكن أن تكون شفهية خارجة من فم المؤلف هاربة إلى ذاك الفضاء الكوني؟ كما تفعل الجدات والأمهات حين يطلقن حكاياتهن لأولادهن عندما يرغبن في خلود أبنائهن إلى النوم ويجعلن هذه الحكايات تنتشر في فضاء المكان، مثلما نقول: تخرج الكلمات هاربة، الهروب هنا يعني الخروج، أو أنها أي مفردة هاربة تدل على عدم الرغبة في حبسها وقيدها وربطها؟ لأنها أي الحكايات تريد الانفلات والانفكاك، أو أنها تحمل دلالات يطلع الكاتب إلى إرسالها إلى المتلقي فلا ينبغي قيدها بين عضلات القلب وخيوط العاطفة، وبين علامات العقل والتفكير. أو أنها قصص يراد منها أن تكون هاربة لأن من كتبها وصنع عالمها يريد أن يلفظها في طريق المتلقي. وفي كل الأحول تبقى قراءة هذا العنوان لدى القارئ الذي يعرف كيفية التعامل معه في بداية قراءة المجموعة وبعدها حتى يخرج بنتيجة ودلالة العنوان نفسه الذي لا محال ينبغي أن تكون العلاقة بين وبين متن المجموعة متعاضدة ومتجانسة أو متنافرة ضمن جمالية فنية تعمد الكاتب الإتيان بها.

وبالنظر إلى تلك الجمل التي افتتحت بها قصص المجموعة فإنها تتفاوت بين جمل حملت ضمير المتكلم، وتقارب إحدى عشرة قصة، وأخرى حملت ضمير الغائب وقاربت السبع عشرة قصة، وثالثة أخذت ضمير المخاطب لتصل إلى اثنتي عشرة قصة، وهذا يشير إلى أن الكاتب لم يعر الجمل الافتتاحية للقصص أهمية، أو أن لديه خطة في هندسة اللغة الحكائية لهذه القصة أو تلك، وإنما كان يقوم بكتابة النص القصصي وفق ما تقتضيه حاجة البناء السردي، والحالة الحكائية التي يرغب إبرازها إلى المتلقي، ومن هذه الجمل: «بقرة منصور هربت - خرجت من العمل في الوقت المحدد - كان اسمه عبدالكريم - أبي لاحظت شيئًا عليّ - وقت يخالجه التوتر - هو البحر آسر وسامر - تذرع الشوارع - تطوف الأحياء، غيرها.

وإذا كانت هذه المجموعة تتحدث عن هذه الدلالات والملامح التي لا تخرج عن إطار جغرافيتها المحلية فإننا نتساءل وفق تعاطي الكاتب للحراك الكتابي وعملية الترجمة للأدب العالمي من اللغة الإنجليزية وأثر هذا في تناوله عامة فكرة أو لغة أو طرحًا أو سبكًا فنيًا أو تساؤلاً، وبخاصة أن هناك قصصًا تحتاج إلى وقفة تأمل تجاه بنائها السردي والأسلوبي والتركيبي، مثل قوله في القصة الأولى: »بقرة منصور هربت، حطمت القيود وفرت، انطلقت في الطرقات موقعة الفزع بين الأهالي«، وهنا بدأت القصة بجملة اسمية كأن المراد منا لفت الانتباه إلى البقرة أولاً ثم إلى تلك الأفعال التي قامت بها، ولكن بالعودة إلى الأفعال فهي بحسب العبارة السردية (هربت - حطمت - فرت - انطلقت)، إنها أفعال ماضية لم تأت وفق تراتبية الزمن نفسه داخل البناء القصصي للقصة، إذ جاء فعل الهروب قبل التحطيم والفرار، ونحن هنا نرى أن الترتيب الزمني للأفعال كالتالي: حطمت القيود، لأن في الفعل نفسه الحركة والمكانية الأولى، ثم الفرار لما فيه من الحركة والسير، ثم الهروب، أو الهروب قبل الفرار لما لهما من تقارب في الحركة ذاتها، بعدها يأتي فعل الانطلاق.

وقد تكون هناك حالة فنية تعمد الكاتب أن يأتي بالأفعال وفق ما جاءت في القصة، فإننا لم نجد قناعة سردية أو فنية تجاه هذه العبارة، وإن يكون هناك من يرى عكس ذلك لإيماننا بأن التلقي للنص لا يكون بصورة واحدة أو على شكل واحد، فالقراءات والتلقي والتعامل مع أي نص من قبل القارئ يتوقف على مدى وعيه وثقافته وأدواته تجاه فعل التلقي. وبالإضافة إلى هذه العبارة هناك عبارات أخرى أتمنى على قارئ المجموعة التأمل فيها أيضًا، مثل: «أوقفت سيارتي في مكان بعيد نسبيًا، وتذكرت أنني نسيت شيئًا أو فقدته، وينبغي أن أعود لكي آخذه»، وهنا نطرح الأسئلة: هل وقعت تلك الأفعال قبل التوقف؟ هل حدثت عملية التذكر في الطريق أم في أثناء التوقف؟ هل كان الفقد والنسيان في الطريق أم قبل؟ وكذلك في عبارة: «وعندما عدنا أدراج الوطن»، فهل يعني عندما عدنا بأدراجنا إلى الوطن؟ فضلا عن ذكر مفردة القيلولة في صفحة ١٢، فإنها لا تأتي إلا ظهرًا وليس بعد الظهر، حيث يؤكد المعجم الوسيط القائلة الظهيرة، والنوم في الظهيرة، والقيلولة نومة نصف النهار، أو الاستراحة فيه وإن لم يكن نومًا.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة