الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٤ - السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ٧ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي


رغباتٌ من النار





يكبر الهم وتعجز عنه الهمم القلائل لا الخطابُ ولا الكتابُ الحديث يجدي نفعا، والممثل الذي أمتع الجماهير في كل مكان يُضحك الفئات والشرائح على تعددها فلا يرد اسمه أو إحدى جمله التي نُسبت إليه في مكان ما إلا وابتسموا وتلطف جوّهم، إذ انه ينهجُ منهجا فلسفيا اختاره لنفسه إذ بطُلَ البكاءُ عند العامة وأوجاعُهم لا تسكت فوجبت الدموع ولكنه أعطى للدموعِ ذريعةَ الضحك، وقد أبكاني فعلا مع ضحكي حين لمستُ همه الكبير نحو مصائب الكنانة التي تحل عليها فيصل تأثيرها إلى نفوس العالم العربي القومي الذي وعده عهدُ جمال بالتوهج قبل أن يرحل، (أصل إحنا لما عبرنا الحكومة فيَّصِت.. فلما الحكومة فيَّصِت.. الناس فيَّصِت) فبهذه البساطة يقول عادل في فيلمه والجماهير تحدقُ في الشاشة مُعلقةً أعينها على أدقِ حركاته وسكناته المدروسةِ جدا مجبرة إياهم على ترجمتها لتكتملَ لديهم الصورة الرائعةُ الدلالةِ والتفاصيل.

ويقدم المبدعون عبر الشاشاتِ والمسارح أقصى ما يملكون من طاقات لتحقيق النجاح المُقاس مُسبقا بمدى الإقبال، فيلقى مصيره في مكبِّ الخطوط والصرخات الموسمية في حين تستعر بسببها رغباتُ الناسِ هل من مزيد؟ حتى احترق السوادُ الأعظم بنارِ المبدعين الذين اشتروا كلاما يُضلون به عن سبيل الأمة العربية والإسلامية، في حين استخدم نفرٌ هذه النار في أغراض التنوير الفكري ليتمكنوا من بناء ما انهار بالتي كانت هي الداء حيث تظل هي مصدرَ الجذب الأقوى التي نستطيع معها أن نعرف أين ذهبت أغلبية الهمم وكيف تحول الهم إلى وهمٍ جنسيٍ سريعِ الزوال، وعلى الرغم من كل الإبداعات فان الدينَ والشريعة الإسلامية منها براء مع كل ذلك التأثير العميق الذي يخدم الهدف من العمل الإبداعي ذاته والإقبالِ عليه، فلو حدث أننا تغاضينا تعبا وإنهاكا عن تلك الإشارات والإيحاءات التي تتصاعد في طريقها لبلوغ الصراحة التامة؛ لفقدنا إذًا السلامَ الداخليّ والظاهريّ بمسِّ حياءِ الإنسان مسّا عنيفا، مستوعبين بذلك النظرية الميكافيلية في تبرير الوسائل بالغايات، غير أن هذا النوع من الوسائل قصيرُ المفعول شأنه شأنُ المواد المخدِّرة الخطرة، التي تستدرج الضعيف إلى جُرَع أكبر باطرادٍ إلى أن تحطمه كليةً، ويرقصُ بعدها هؤلاء المبدعون فوق الحطام الذي ولد سليما معافىً من الاضطرابات النفسية كافة فمارسوا ضد نفسه جميعَ أشكالِ اويضطرلا من لهم غايةٌ رفيعة إلى مجاراة التوجه الذي غلبهم فيقدمون عملهم على طبقه مع إخفاء كثيرٍ من تفاصيله حدا للشهوة ومراعاةً للنفس، وليس لمجرد الانتفاع أو جزء من نويات التشويه الخبيثة، ولا بد لهؤلاء المضطرين أن يُضَمِّنوا أنواعا من المعالِجات وأن يتمعنوا في مصيبة القوم وتوابعها المُزلزِلة، فالمصيبة شديدة ولا يستثنى منها أحد فالساحة تستقبل جميع أشكال الإبداع المستمر من قصص وروايات وقصائد وكذلك أغانٍ تصويرية اجتاحت الساحةَ عن آخرها، ويسهل على المفكر والكاتب أن يدعو إلى مقاطعة المستوى الرديء منها وتبيين ما هو بائنٌ عليها في حين ليس من السهولة مطلقا أن يعرِضَ عنها الناس وهي متاحة على هذا النحو من دون بديلٍ عنها من أنفسهم، يجدونه في شكل سلام بمساعدة أدباء وكتاب العصر ومبدعيه فالأقوام في خيرٍ طالما الأدبُ يقوِّمهوكما أسلوب عادل إمام في تركيز الانتباه واستغلال دقائق التفاعل في أوجه في أعسر القضايا بل أكثرها حساسية، كالحالة الإسرائيلية في العالم على سبيل المثال، فقد انتهى عهد النواح والبكاء والتأوه وصرنا نقول ما عادت هكذا تورد الإبل، فقد أصبحت عامة الناس المقصودين بالخطاب أكثر ميلا إلى الحركة والتشويق والإثارة سواءٌ أكان المُقدم لهم عملا مُشاهدا أو مكتوبا، وقد نصيبُ إن قلنا إن الأعمال المُشاهدة تلقى إقبالا كاسحا عن الأعمال الأخرى وخاصة تلك التي تُبَث على مدار الساعة، ما يُقيمُ واجبا شاقا على مؤسسات الإعلام وهو كذلك ما يوجه إصبع الاتهام نحوهم في العنف النفسي ضد المشاهدين للتلفزيون الذي فقد الضمير، ألا وهو الرقيب الذي لا يُثلَمُ مقصه ولا يمكن أن يضيع إلا إذا انقطعت فيه التقوى ولم يراقبِ اللهَ الحسيبَ الرقيب.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة