الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨١ - الجمعة ٢٥ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٤ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


قارب عيادة المرضى





يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته وجدتني عنده؟...) رواه مسلم.

هذا الاستهلال الذي بدأنا به حديثنا عن قارب عيادة المرضى له دلالاته الكثيرة والعظيمة، فالمريض له عند الله تعالى مقام كريم، فهو سبحانه أول الزائرين له، المقيمين عنده، يستقبل زواره وعواده معه، فيفيض على المريض وعلى من حضر لعيادته البركة، ويستجيب لدعاء المريض حين يدعو لمن عاده، وتفضل بزيارته.

وهؤلاء الناس الذين يخفون لزيارة المريض حين يعلمون بمرضه هم أهل قارب عيادة المرضى الذين لا يسمح لغيرهم بامتطاء صهوته، والاستفادة من خدماته في نقلهم إلى سفينة الإنقاذ التي ترسو في البحر، وتدافع الأمواج العاتية، والرياح العاصفة.

هؤلاء هم المقدمون على غيرهم، المكرمون المقدرون دون سواهم، يتهلل وجه قائد القارب لرؤيتهم، ويهش لاستقبالهم في حفاوة بالغة، وفي ترحاب لا نظير له، ومن لم يكن منهم لا يحظى بهذا التقدير والإجلال، بل يمنع من الصعود على ظهر هذا القارب.

ركاب هذا القارب المبارك يجمعهم قاسم مشترك أنهم ممن اعتادوا على عيادة المرضى، والتخفيف من آلامهم بزرع زهور وورود الأمل في قلوبهم حدائق ذات بهجة، ألوانها زاهية، وروائحها زكية عطرة، فيشعر المريض في حضرتهم، وبما يسمع منهم من دعاء، ومن تخفيف لآلامهم بدبيب العافية يسري في أوصالهم، فيقع في خلدهم أنهم قد تعافوا، وعليهم مغادرة المستشفى.

هؤلاء الركاب يشعرون بسعادة غامرة وهم يركبون هذا القارب المخصص لهم دون سواهم لأنهم ساهموا قدر استطاعتهم في التخفيف عن آلام المرضى، والعون لهم على تحمل الأوجاع، والآلام بما ذكروا لهم من ثواب أهل البلاء الذين صبروا واحتسبوا الأجر عند الله تعالى، ولم يسخطوا أو يعترضوا على ما أصابهم من قضاء الله سبحانه وقدره، ورأوا في البلاء عطاء، وفي المحنة منحة.

فالبلاء يكشف عن حقيقة إيمان العبد، ويجلي معدن المؤمن، ويُرِيَ مولاه سبحانه ما يسره أن يراه من عبده الصابر المحتسب.

وفي البلاء تطهير للعبد من الذنوب، ورفع لدرجاته.

والبلاء يقرب العبد من مولاه عز وجل، فالمبتلى حبيب الله تعالى، لآن الله سبحانه إذا أحب عبداً ابتلاه ليسمع تضرعه، فليهنأ أصحاب البلاء وليفرحوا ببلائهم، فإنه طريقهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض آعدت للمتقين الصابرين صبراً جميلاً على ما أصابهم من بلاء، وما وقع لهم من كرب، فإذا صبروا ورضوا واحتسبوا كان لهم من الأجر والمثوبة ما ليس لغيرهم، وكانت لهم من الكرامة والتقدير عند مولاهم سبحانه ما لا يدركه غيرهم من أهل العافية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة